عقيدة التوحيد في الديانات العالمية

خواطر من الكون المجاور

الخاطرة ٣٣٥ :

في المقالة الماضية تكلمنا عن أهم سبب من الأسباب التي أدت إلى إنحطاط الأمة الإسلامية ألا وهو ظهور فلسفة مزيفة ترى بعين واحدة والتي أدت إلى غياب الفلسفة الحقيقية (علوم الحكمة) في عصرنا الحاضر والتي تستخدم الرؤية الشاملة (روحية ومادية) لتحقيق وحدة العلوم (الإنسانية والمادية) بهدف رؤية العلاقة بين الشكل والمضمون (التعبير الروحي) لكل شيء وكل حدث داخل الكون وعلاقته بالوجود الإنساني ، وذلك من أجل فهم المخطط الإلهي في تطور الكون وتطور الإنسانية. وذكرنا أيضا أن شرح قوانين الكون ونصوص الكتب المقدسة تعتمد بشكل أساسي على لغة الرموز والأرقام (اللغة الإلهية) والتي تصلح لكل مكان وكل زمان . فبدون فهم هذه اللغة الإلهية ستتحول الأحداث الكونية وكذلك نصوص الكتب المقدسة إلى معلومات عشوائية مليئة بالغموض والتناقضات كون محاولة تفسيرها سيتحول إلى تفسير مزاجي يختلف من شخص لآخر حسب إختلاف طبيعة تفكير كل شخص ونوعية إنتمائه .

في المقالة الماضية أيضا ذكرنا أن الفكر الفلسفي بشكله الأكاديمي قد ظهر مع الفيلسوف اليوناني بيثاغوراس في بداية القرن السادس قبل الميلاد حين قال بأن أصل الوجود هو العدد . فمشكلة عمى البصيرة التي يعاني منها عصرنا الحاضر قد ذكرها القرآن الكريم في سورة المطففين {كِتَابَ الْفُجَّارِ ...كِتَابٌ مَّرْقُومٌ (٧-٩)} فهذه الآيات تبدأ بالرقم (٧) كرمز لعمى البصيرة . فاليوم معظم العلماء يستخدمون الأرقام في البحث العلمي برؤية مادية فقط ، في حين أن الأرقام قد خلقها الله للإستخدام الروحي والمادي لتساهم في فهم المخطط الإلهي {..إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ ...كِتَابٌ مَّرْقُومٌ (١٨-٢٠)} ونجد هنا أن الآيات تبدأ بالرقم (١٨) وهو رمز البصيرة الذي أستخدمه في معظم مقالاتي . فعدد الأسماء الحسنى(٩٩) هو ناتج جمع الرقم (١٨) مع نظيره الرقم (٨١) .

المسلمون اليوم يعتقدون بأنهم هم فقط الأمة التي تؤمن بعقيدة التوحيد بشكلها الصحيح . ولكن الواقع الذي تعيشه الأمة الإسلامية اليوم يُظهر عكس هذا الإعتقاد تماما ، فأكثر أمة ممزقة تعاني من عداوة وحروب مذهبية فيما بينها في عصرنا الحديث هي الأمة الإسلامية. فهذا الواقع التي تعيش به الأمة الإسلامية في عصرنا الحاضر ليس صدفة ولكن علامة إلهية لها معنى أن أكثر أمة اليوم بين الأمم لا تفقه معنى عقيدة التوحيد هي الأمة الإسلامية كونها أصبحت أمة متعصبة مغلقة تكفر بقية الأمم وتحتكر الإيمان والجنة لنفسها فقط .

كثير من المسلمين سيرفضون هذا التفسير للواقع الذي تعيش به الأمة الإسلامية اليوم ، وسيبررون سبب هذا الواقع السيء بأساليب مزاجية متخلفة علميا هدفها فقط تبرئة أنفسهم ورمي الأسباب على الآخرين ، وهذا الأسلوب من التهرب من المسؤولية هو أقوى دليل على عمى البصيرة ، فمعنى الآية القرآنية واضح وصريح {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ (٣٠) الشورى} .

المسلمون اليوم يعتقدون أن عقيدة التوحيد هي فقط النطق بالشهادة (لا إله إلا الله) . ولكن الحديث الشريف يوضح لنا حقيقة عقيدة التوحيد بشكل أعمق (إن لله تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحداً، من أحصاها دخل الجنة) . فعبارة (لا إله إلا الله) هي بمثابة أسم واحد فقط من الأسماء الحسنى التي رمزها هو العدد (٩٩) ، فالرقم (٩٩) هو رقم رمزي خرج من الرمز (١٨) الموجود في كف اليد اليمنى، ونظيره (٨١) الموجود في كف اليد اليسرى. فالرقم (٩٩) بحد ذاته كرقم مادي لا معنى له ، والمقصود من الحديث الشريف أن من توصل إلى فهم الرمز (١٨) ونظيره (٨١) وعلاقته بفهم الوجود هو الذي سيدخل الجنة ، حيث الرمز (١٨) هو القاعدة الاولى التي تستند عليها جميع الأبحاث العلمية (الإنسانية والمادية) لفهم الوجود (هذا الموضوع سيتم شرحه -إن شاء الله - في المقالة القادمة) . إن تفسير الحديث الشريف السابق بأنه يدعو إلى البحث عن أسماء الله الحسنى في القرآن وحفظها غيبا فهو تفسير سطحي لا معنى له ، ولهذا نجد أن الأسماء الحسنى في القرآن تختلف من عالم ديني إلى عالم آخر وأن حفظها لم يساهم في منع الأمة الإسلامية في دخولها عصر الإنحطاط.

موضوع عقيدة التوحيد أمر معقد جدا ، وحتى يتم فهم مدى تشابك الأمور في فهم المعنى العام لعقيدة التوحيد سنعرض المثال التالي والذي في نفس الوقت يكشف لنا أيضا أن القرآن الكريم ليس مجرد مواعظ وقصص وإنما هو كتاب يشرح لنا هندسة الكون بأكمله روحيا وماديا :

إن عدد آيات القرآن الكريم من بدايته حتى نهايته هو العدد (٦٢٣٦) آية هذا الرقم ليس صدفة ولكن حكمة إلهية ، فهذا العدد يقسم القرآن الكريم إلى قسمين كرمز مماثل للرمز (١٨- ٨١) :

- القسم الأول ويمثل الرمز (١٨) وهو القسم الذي سوره تبدأ بجمل عادية مفهومة (الفاتحة ، النساء ، المائدة ..... الناس) وعددها (٨٥) سورة ، ومجموع آيات هذه السور هو العدد (٣٤٩٣) .

- أما القسم الثاني فيمثل الرمز (٨١) ويشمل السور التي تبدأ بآية تحوي على أحرف متقطعة غامضة (ألم ، المص ، الر ، كهيعص ، طس ، حم ، ق ..إلخ) وعددها (٢٩) سورة (البقرة ، آل عمران ، الأعراف .... القلم) ومجموع عدد آياتها يعادل (٢٧٤٣) آية .

الآن تمعنوا جيدا في العددين (٣٤٩٣) و (٢٧٤٣) ، ماذا ترون فيهما لكي تتأكدوا من أن هذا التقسيم في سور القرآن هو معجزة إلهية وأنه ليس من تأليف بشري ؟ تمعنوا جيدا وخاصة المتخصصين في علوم الرياضيات.

من الواضح أن الثقافة العامة التي إكتسبها الإنسان في عصرنا الحاضر من دور التعليم وكذلك من الدروس الدينية في كليات الشريعة أو المساجد ، لن تساعد في أي شيء على الإطلاق لرؤية الحكمة الإلهية الموجودة في هذين العددين ، والسبب هو انهيار وحدة العلوم في المنهج العلمي الحديث . إن رؤية أرقام القرآن الكريم بشكل ببغائي سيدفع كل عالم في تفسير آيات القرآن على مزاجه وحسب نوعية إنتمائه المذهبي أو الديني فيخلط الآيات المحكمات مع الآيات المتشابهات وتتحول معانيها إلى معلومات عشوائية متناقضة فيما بينها . أما فهم سبب هذا النوع من تقسيم القرآن في نوعية السور فإنه سيفرض على الباحث في علوم الدين أن يستخدم منهج بحثي محدد قد حدده الله له بحيث يجعل من موضوع بحثه يتعلق بمشاكل الإنسانية بأكملها وليس بمشاكل أتباع دين معين أو مذهب معين . فبهذا المنهج البحثي الشامل الذي حددته الحكمة الإلهية في تصميم القرآن الكريم هو الذي سيفرض على الباحث أن يعتمد الآيات المحكمات فقط في فهم تعاليم الإسلام الحقيقية ليكون القرآن الكريم صالح لكل زمان وكل مكان . سنحاول هنا عرض بعض المعلومات عن تفسير العددين (٣٤٩٣ - ٢٧٤٣).

القرآن الكريم في الحقيقة هو كتاب واحد يتألف من كتابين إثنين ليؤكد صحة الحديث الشريف (إن الدجال أعور وربكم ليس بأعور) بمعنى أن النصوص الدينية مكتوبة برؤية شاملة متكاملة (روحية ومادية) . ولهذا القرآن الكريم يتألف من كتابين متشابكين مع بعضهما البعض في كتاب واحد .

الكتاب الأول والذي عدد آياته (٣٤٩٣) يمثل الرمز (١٨) وهو رمز الرؤية الروحية ولهذا كان عنوان سورة بدايته (الفاتحة) ونهايته سورة (الناس) ، فهدف الرؤية الروحية عبر مراحل تطور الإنسانية هو توحيد أفراد العائلة الواحدة ثم توحيد العائلات ثم القبائل ثم الشعوب بشكل متدرج لتنتقل المجتمعات الإنسانية من شكلها الحيواني المنعزل عن بعضه البعض إلى مرحلة يكون فيها سلوك الإنسانية بأكملها كسلوك عائلة واحدة وهي عائلة آدم وحواء . لهذا نجد أن عدد آيات هذا الكتاب (٣٤٩٣) هو في الحقيقة رقم رمزي زمني يعادل (١٨٨١×٣) وذلك حسب المدة الزمنية لكل كوكب من الكواكب الثلاثة الأولى : عطارد ، الزهرة ، الأرض (زمن سنة كل كوكب يعادل مدة دورانه حول الشمس) :

- ١٨٨١ سنة أرضية تعادل ١٨٨١ ميلادية .

والمجموع يعادل (٣٤٩٢) سنة ميلادية . وهو عدد آيات الكتاب الأول . إن إختيار الكواكب الثلاثة الأولى في هذا الكتاب هو حكمة إلهية لها معنى أن تكوين الإنسان الكامل رمزيا يتألف من /٣/ أقسام مثله مثل الضوء الأبيض، فألوان الضوء الرئيسية عددها ثلاثة (أحمر، أخضر، أزرق) ، وأن أقسام الإنسان الكامل الثلاثة هذه قد وزَّعها الله على شعوب العالم {... وإن من أمة إلا خلا فيها نذير (٢٤)فاطر} ، { إنما أنت منذر ولكل قوم هاد (٧)الرعد} ، فأبناء نوح كانوا أيضا /٣/ وهم -رمزيا- أصل جميع شعوب العالم ، ولهذا كان هناك /٣/ أعراق عالمية إنسانية (زنجي، قفقاسي، منغولي) .فالإنسان الكامل هو الذي يحوي هذه صفات الأقسام الثلاث معا كشخص واحد . فسبب طرد الإنسان من الجنة كان بسبب تلك الخطيئة التي أدت إلى تشويه تكوينه الروحي والمادي، لهذا كان هدف المخطط الإلهي هو إعادة عملية التكوين الإنساني من البداية من أجل الوصول إلى الإنسان الكامل الذي هو فقط يستحق العودة إلى الجنة. فالمؤمن الحقيقي هو الذي يساهم في توحيد الشعوب لتستطيع التعاون مع بعضها لإكتساب صفات الإنسان الكامل {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ {١٣)الحجرات} .

الكتاب الثاني من القرآن الكريم الذي سوره تبدأ بأحرف متقطعة وعدد آياته (٢٧٤٣) ، يمثل الرمز (٨١) وهو رمز الرؤية المادية ولهذا سورة بدايته تحمل عنوان (البقرة) وهي رمز رؤية الأعور الدجال والتي بسببها حدثت خطيئة الإنسان في الجنة ، ولهذا كانت سورة (القلم) هي نهاية هذا الكتاب كعلامة إلهية لها معنى أن العلوم المادية ليس هدفها فقط تحقيق الحاجات المادية بشكلها الحيواني (تأمين الطعام والمسكن وغيرها) ولكن هدفها أيضا التعاون مع العلوم الروحية لفهم المخطط الإلهي الذي سيساهم في وصول الإنسان إلى الكمال. لهذا نجد أن مجموع آيات سور هذا الكتاب يعادل (٢٧٤٣) آية .

الحكمة الإلهية في تصميم القرآن الكريم من خلال تقسيم القرآن الكريم إلى كتابين في كتاب واحد تعطينا معلومة هامة جدا وهي أن ظهور الإنسان على سطح الأرض لم يكن عن طريق الصدفة ولكن ظهوره حدث نتيجة وجود منظومة عددية في هندسة المجموعة الشمسية ، ولهذا لا يمكن فصل هندسة المجموعة الشمسية عن التكوين الإنساني . ولهذا أيضا أخذت الشمس والقمر والكواكب في أساطير الشعوب رموز روحية تفسر لنا علاقة هذه الرموز في ظهور الإنسان وتطوره . (موضوع هندسة المجموعة الشمسية وعلاقته بالرمز (١٨) تكلمنا عنه بشيء من التفصيل في مقالات ماضية) .

سورة الصف تؤكد صحة تأويل معنى أرقام القرآن الكريم الذي تكلمنا عنه في الأسطر الماضية . فسورة الصف ترتيبها (٦١) والآية التي تتنبأ بظهور الدين الإسلامي بعد الديانة المسيحية رقمها (٦) (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ) . إذا وضعنا رقم الآية (٦) على يمين رقم ترتيب السورة (٦١) كرمز لدور (أحمد) القسم الأيمن للإسلام ، سنحصل على الرقم (٦١٦) وهو عدد السنوات من عام ولادة عيسى عليه السلام ( ٦ ق م) وحتى عام البعثة النبوية (٦١٠) . أما إذا وضعنا رقم الآية ( ٦ ) على يسار رقم ترتيب السورة سنحصل على الرقم ( ٦٦١ ) وهو رقم العام الميلادي لوفاة علي رضي الله عنه (القسم الأيسر للإسلام). فهذه الآية تذكر لفظيا أسم أحمد فقط ولكن رمزيا تذكر الإثنين (أحمد وعلي) . فذكر أسم (أحمد) بدلا من (محمد) في هذه الآية هو حكمة إلهية تبين لنا حقيقة دور كل من الإثنين (أحمد) و(علي) ، حيث القيمة الرقمية لأسم أحمد التي تعادل الرقم ( ٣٥٨ ) والذي يمثل الرمز ( ١٨ ) هي مناظرة للقيمة الرقمية لأسم علي ( ٨٥٣ ) الذي يمثل رمز ( ٨١ ) .

إن إنقسام الأمة الإسلامية إلى قسمين : سنة وشيعة لم يكن صدفة ولكن حكمة إلهية تؤكد أن القرآن الكريم يتألف من كتابين إثنين في كتاب واحد . فالكتاب الأول -رمزيا- يمثل مذاهب السنة والجماعة ، والكتاب الثاني يمثل المذاهب الشيعية . فعندما كان علماء السنة وعلماء الشيعة يتعاونون مع بعضهم كأمة واحدة متشابكة كانت النتيحة إزدهار الحضارة الإسلامية، أما عندما أصبحوا أعداء فيما بينهم وكأنهما أمتان لا علاقة بينهما فكانت النتيجة إنفصال الأمة الإسلامية عن الأمم الأخرى ودخولها في عصر الإنحطاط.

إن ظهور الإسلام كديانة جديدة لم يكن الهدف منه أن يحل مكان الديانة المسيحية ولكن ليقف بجانبها ويضيف إليها أجزاء أخرى من صفات الإنسان الكامل (مكارم الأخلاق)، ولهذا حافظت الديانة المسيحية على وجودها حتى الآن ولم تنقرض . نفس الشيء أيضا حصل مع الديانة اليهودية بعد ظهور المسيحية . فالآية القرآنية {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ(٩) الحجر} . لا تقصد فقط (الذِّكْرَ) الموجود في القرآن الكريم ولكن جميع معاني الرمز الإلهي ( ١٨ - ٨١ ) والتي وزعها الله على جميع الديانات العالمية. فعدم إعتناق قسم كبير من المسيحيين أو اليهود الدين الإسلامي ، لم يكن كفرا ، ولكن حكمة إلهية الهدف منها هو بقاء وجود هذه الديانات ليكون عدد الديانات السماوية الموجودة في العالم حتى اليوم رمزيا أيضا /٣/ مثلها مثل عدد ألوان الضوء الثلاثة ، وأبناء نوح الثلاثة والأعراق الإنسانية الثلاثة . ولكن المشكلة اليوم أن جميع الديانات العالمية الموجودة حاليا قد أصابها ما أصاب الدين الإسلام والذي عبر عنه الحديث الشريف (بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا، فطوبى للغرباء) .

عندما يأتي (المهدي - المسيح) بإذن الله ، سيكون دوره توحيد الأمم وتحرير القدس من الخوارج المسلمين والخوارج اليهود والخوارج المسيحيين ، ليعيش المؤمنون جميعا من مسلمين ويهود ومسيحيين في القدس معا كأخوة في عائلة واحدة متحابة ، فهؤلاء هم المؤمنون الذين يستحقون العيش في القدس . فكلمة (قدس) التي تمثل أسم هذه المدينة في الإسلام يعني أن سكانها يجب أن يكونوا أرقى الناس في مكارم الأخلاق، أما أسم هذه المدينة باللغة اليهودية (أورشليم) فيعني (مدينة السلام) كرمز للجنة الأرضية التي يجب على الإنسانية أن تنشئها كتعبير روحي له معنى أن الإنسانية قد وصلت إلى الكمال وأنها تستحق العودة إلى الوطن الأم (جنة الخلد) والتي أحد أهم أسمائها هو (دار السلام). والآية التي تذكر كلمة إسلام {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلامُ ..... (١٩)آل عمران} لا تقصد فقط دين محمد صلى الله عليه وسلم ، لأن هذا الإعتقاد فيه -بطريقة غير مباشرة- إساءة للحكمة الإلهية في خلق البشرية . ولكنها تقصد جميع الديانات الإبراهيمية ، فكلمة (إسلام) لغويا هي على وزن (إعلام ) والمصدر الأول لكلمة (إعلام) هو كلمة (عِلم) فكلمة (إعلام) معناها نقل أو نشر المعلومات ، وكلمة معلومة مصدرها (عِلم) ، الأمر نفسه ينطبق على كلمة (إسلام) فمصدرها الأول هو كلمة (سِلم) ، فمعنى دين الإسلام لغويا وفقهيا هو الخضوع للأوامر الإلهية في نشر السلام بين الناس . ولهذا كانت أول حادثة حدثت بين أبناء آدم ، هو قتل قايين (قابيل) لأخيه هابيل ، هذه الحادثة ليست صدفة ولكن تفسر لنا نوعية ذلك التشويه الذي حدث في التكوين الإنساني نتيجة إرتكاب الخطيئة والتي أدت إلى طرد الإنسان من الجنة {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٨٥)آل عمران} . فالجنة هي دار السلام ولن تسمح بالدخول لأي شخص يحتوي تكوينه على غريزة القتل والتي بسببها يجد الإنسان لنفسه مبررات عديدة تقنعه في تحريض نفسه أو غيره على القتال والحروب.

غريزة القتل ليست مجرد غريزة مثلها مثل بقية الغرائز ، فهي تمثل محصلة الإتحاد السلبي لجميع الغرائز ، فظهور هذه الغريزة كصفة تعبر عن وحشية مجتمعات العصر الحديث التي لم تعرف الإنسانية وحشية مثلها في العصور الماضية ، يعني أن جهود جبارة في نواحي عديدة قامت بها الإنسانية في الماضي قد ذهبت هباء منثورا ، وأن التكوين الروحي للإنسان المعاصر قد عاد إلى الوراء آلاف السنين . فحتى الآن لا تزال أبواب الجنة مغلقة منذ خروج الإنسان منها . ولهذا إختار الله عيسى عليه السلام من بين الأنبياء والمرسلين ليأتي هو -وليس نبي آخر- في آخر الزمان بأسم (المهدي - المسيح) ، فتكوين عيسى الروحي والمادي هو فقط الخالي من غريزة القتل {ما من مولودٍ يولَدُ إلَّا نخسَهُ الشَّيطانُ فيستَهلُّ صارخًا من نخسةِ الشَّيطانِ إلَّا ابنَ مريمَ وأمَّهُ (حديث شريف)} فالهدف الحقيقي لظهور الديانات والحضارات كان تنقية التكوين الإنساني بشكل تدريجي من الشوائب الشيطانية والتي محصلتها كان ظهور غريزة القتل في التكوين الإنساني . فسيرة جميع الأنبياء تحوي على حادثة قتل حتى وإن كانت بدون قصد (كما حدث مع محمد صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد) ، فقط من يشذ عن هذه القاعدة هم ( أدريس ، يوسف ، عيسى) فهؤلاء هم في الحقيقة شخص واحد وهو (هابيل) الذي ولِد عدة مرات ليقوم بمهمة تطهير التكوين الإنساني من هذه الشوائب .

أرقى أنواع الإيمان هو أن يشعر المؤمن بشعور حواء أم الإنسانية ، فهذه الأم تتمنى وتدعو لله عز وجل أن ترى أكبر عدد ممكن من أبنائها يعودون إلى وطنهم الأول جنة السلام والخلود .

قد يبدو هذا الكلام للكثير من القراء بأنه مناقض للقرآن والأحاديث الشريفة ، ولكن في الحقيقة أن هذه المعلومات هي من القرآن الكريم والأحاديث الشريفة ولكن برؤية فلسفية شاملة وليست برؤية ببغائية بعين واحدة تجعل لكل ديانة إلها مختلفا عن آلهة الديانات الأخرى كما يحصل في عصرنا الحديث، فجميع الديانات العالمية لها إله واحد (إله الناس) ، ولكن عمى البصيرة في علماء الدين نتيجة التعصب الأعمى هو الذي يمنع هؤلاء من رؤية نور الله في الديانات الأخرى .

في المقالة القادمة إن شاء الله سنذكر العديد من الإثباتات الأخرى التي تؤكد صحة ما ذكرناه في هذه المقالة وكذلك بنفس الوقت تشرح حقيقة مفهوم (عقيدة التوحيد) من خلال فهم تلك العلامات الرمزية التي وضعها الله في الديانات العالمية ودورها في تحقيق الكمال الإنساني ....... والله أعلم.

وسوم: العدد 1083