عقيدة التوحيد في الديانات العالمية الجزء ٢

 الخاطرة ٣٣٦ :

في المقالة الماضية ذكرنا أن عقيدة التوحيد ليست مجرد جملة واحدة (لا إله إلا الله) يتم ترديدها بشكل ببغائي فتخرج من الفم وتتلاشى في الفراغ دون أن يكون لها أي أثر في تحسين السلوك البشري الفردي أو الجماعي ، وإنما هي عقيدة معقدة إحتاجت إلى مراحل عديدة في العصور الماضية لتأخذ شكلها الأخير في الإسلام ، والتي هدفها الحقيقي هو تطوير التكوين الروحي للإنسان لتفرض عليه إتباع سلوك إنساني مشابه لسلوك الإنسان كما خلقه الله في الجنة . فبدون فهم هذه المراحل ستبقى عقيدة التوحيد مجرد جملة ببغائية لا معنى لها ولا تأثير لها في وصول الإنسان إلى الكمال .

في مقالة اليوم نتابع سلسلة موضوع (حقيقة عقيدة التوحيد) ونذكر فيها معلومات جديدة تساعدنا في فهم هذا الموضوع وبنفس الوقت نقدم أدلة جديدة تؤكد على صحة ما نشرته في المقالات الماضية من معلومة غير مألوفة ، وتؤكد بأنها لم تكن من الخيال ولكنها تعتمد على أدلة علمية تساعدنا في فهم أن الكون ليس مجرد كتلة من الأشياء والأحداث المبعثرة بشكل عشوائي . فعلى الرغم أن الآية الكريمة تؤكد أن الكون بأكمله له إله واحد {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ .... (٤١)النور} وأن أفعال الله تتجلى في كل شيء من حولنا ، ولكن رغم ذلك نجد اليوم أن لكل علم من العلوم له قوانين تنتمي إلى إله خاص به ومختلف عن آلهة العلوم الأخرى ، حتى الديانات السماوية الثلاث -التي جميعها تدعي بأنها تؤمن بعقيدة التوحيد- أصبح اليوم لكل منها إله خاص بها ، وأتباع كل ديانة يتهمون أتباع الديانات الأخرى بالضلال . ولكن الحقيقة هي أن موسى وعيسى ومحمد (عليهم الصلاة والسلام) تكلموا عن إله واحد وأن جميعهم كانوا مسلمين ، ولكن الذي حصل بعد ذلك أن معظم أتباع الديانات السماوية أصبحوا اليوم يؤمنون بدين مختلف عن دينهم الأصلي ينطبق عليه الحديث الشريف (بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء).

لهذا مقالاتي تحاول من خلال الأدلة العلمية تصحيح سوء الفهم الذي يحصل في مفهوم عقيدة التوحيد في الديانات العالمية، وذلك عن طريق عرض زوايا رؤية جديدة من مختلف العلوم لتوضح حقيقة معنى (الإله الواحد) ولتؤكد بأن كل شيء وكل حدث داخل الكون لا يوجد ولا يحدث بالصدفة بل هناك وحدة كونية تربط الأشياء والأحداث مع بعضها البعض ، بحيث نوعية كل إرتباط بينها تخلق نوع من التعبير الروحي يحقق الإنسجام والتناغم بين الشكل والمضمون للأشياء والأحداث بحيث نحصل في النهاية على رواية إلهية واحدة متكاملة تساعدنا في رؤية وفهم المخطط الإلهي في هذه الرواية الإلهية والتي موضوعها الرئيسي هو شرح وتوضيح طريق العودة إلى الجنة والذي لا يتحقق إلا من خلال تنقية التكوين الإنساني من الشوائب الشيطانية التي أدت إلى ظهور عمى البصيرة (ضعف مستوى الإدراك) في الإنسان والذي كان السبب في طرده من الجنة .

إن التطور الروحي للإنسانية في العصور الماضية رغم أنه كان بطيئا ولكنه سار على قدم وساق ، ولكن في بداية النصف الثاني من القرن /١٩/ بدأت الشعوب الغربية تعيش حالة نفسية غريبة لم تمر بها الإنسانية من قبل ، فلأول مرة في تاريخ البشرية بدأ بعض العلماء والمفكرين يشعرون وكأنهم قد أصبحوا بمستوى الآلهة وأنه لم يعد لهم الحاجة إلى أي إله . هذا التغيير المفاجئ في الإحساس الفطري لهؤلاء العلماء أشار إليه القرآن الكريم في سورة المدثر {لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ (٢٩) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (٣٠)}. ففي القرن /١٩/ وبسبب التقدم العلمي الذي حصل خلال فترة زمنية قصيرة وبسبب كثرة الإكتشافات العلمية والإختراعات الجديدة بمختلف أنواع العلوم ، أدى إلى تمرد بعض رجال الفن والأدب والفكر على العادات والتقاليد فظهرت تيارات فكرية وفنية عديدة مختلفة تطالب بتدمير التراث البشري القديم وإلغائه من الوجود لتبدأ الإنسانية عصرا جديد خالِ من العقائد الدينية التي تعتمد قصص خرافية مخالفة للعقل والعلم ، فالديانات -حسب زعمهم - كانت بمثابة أفيون الشعوب الذي يساهم في تأجيج الحروب والعداوة بين الشعوب . هذا الفكر الإلحادي بدأ تدريجيا يلاقي قبولا بين المثقفين فمعظم رجال الدين كانوا في ذلك الوقت يلعبون دورا سلبيا في تقدم الشعوب وتوحيدها ، فمعظمهم -مسيحيين ويهود ومسلمين - كانوا يعانون من تعصب ديني يعتمد مبدأ إلغاء الآخر وتكفيره فقط كونه ينتمي إلى مذهب أو دين آخر . الحقيقة أن الإنسانية في القرن /١٩/ كانت تعيش بداية عصر سن الرشد ، لهذا كانت روح الإنسان -فطريا- تطالب في توحيد الإنسانية ولهذا إنخدع الكثير من المثقفين بتلك التيارات الفكرية التي شنت هجوما عنيفا ضد الدين والتقاليد والعادات دون أن تفرق بين الصالح والطالح منها .

ولكن الله موجود ومخططه لن يستطيع أحد إيقافه . ففي القرن /١٩/ كان الفيزيائيون يعتقدون أن علم الفيزياء قد وصل إلى قمته تقريبا ، وأنهم قد إكتشفوا معظم القوانين التي تحكم العالم الذي نعيش فيه . في هذا الوضع الروحي المضطرب ولد في ألمانيا العالم الفيزيائي ماكس بلانك عام (١٨٥٨) ، أي قبل عام واحد من نشر كتاب تشارلز داروين (أصل الأنواع) والذي بسبب أفكار هذا الكتاب إنتشرت فكرة (أصل الإنسان قرد) في جميع جامعات العالم ، والذي أيضا اعتمده الفيلسوف المزيف كارل ماركس في نشر الفكر الماركسي الإلحادي . إن ولادة ماكس بلانك في ذلك العام بالتحديد لم يكن صدفة رقمية ولكن علامة إلهية تساهم في فهم الهوية الحقيقية للإنسان . فماكس بلانك ولد في عائلة راقية علميا وروحيا ، وميوله العلمية جعلته يبتعد عن تلك الإضطرابات الروحية التي كان يعيشها المجتمع المثقف ، ويعطي إهتماما كبيرا لعلم الفيزياء . ولكن صديق والده الذي يعمل أستاذا في كلية الفيزياء نصحه بأن يتجه إلى كلية أخرى للدراسة فيها لأن علم الفيزياء لم يعد به شيئا يستحق البحث فيه . ولكن ماكس بلانك كونه من عائلة راقية ولم يكن يهمه المجد والشهرة والمال، إتبع إحساسه الفطري وإنتسب إلى كلية العلوم للفيزياء وتابع دراسته وحصل على شهادة الدكتوراه ، وفي عام (١٩٠٠) بالتحديد ، إستطاع ماكس بلانك أن يهز الأوساط العلمية كلها عندما أعلن عن معلومة فيزيائية جديدة وهي أن طاقة الموجات الضوئية تنبعث بصورة غير متصلة أي على الشكل (.......) وليس الشكل ( ____ ) كما كان يظن العلماء ، وأنها مكونة من كموميات (جمع كلمة كم) . هذا الإكتشاف أدى إلى ظهور نوع جديد من علوم الفيزياء وهو (الفيزياء الكمية - الكوانتم) والذي فتح على علماء الفيزياء بابا جديدا يطل على عالم جديد أشبه بالخيال لم يكن علماء الفيزياء يعرفون عنه شيئا . فنظرية داروين -فلسفيا- إعتمدت منطق قوانين عَالم الفيزياء التقليدية ، فمنطق هذه الفيزياء هو منطق فقير يستخدم نوعا من الإدراك هو موجود أيضا في الكائنات الحيوانية ولو أنه بشكل بدائي جدا . أما منطق عالم الفيزياء الكمية فهو خاص بالإدراك الإنساني فقط . فقوانين هذا النوع من الإدراك هي فقط التي تستطيع أن تؤكد بأن المعجزات المذكورة في الكتب المقدسة ليست خرافات كما أصبح يدعي علماء القرن التاسع عشر ، ولكنها حقيقة تؤكد صحتها القوانين العجيبة للفيزياء الكمية التي بدأت تظهر تدريجيا عاما بعد عام ، ولو أن علماء التطور قد فهموا المعنى الفلسفي لمنطق قوانين فيزياء الكم واستخدموه في تفسير ألغاز التطور ، لكان مكان النظرية الداروينة اليوم ليس في الكتب المدرسية ولكن في سلة المهملات .

من نتائج تجارب الفيزياء الكمية (الكوانتم) كان إكتشاف الثوابت الكونية والتي تؤكد أن تصميم الكون هو تصميم أنيق ودقيق جدا تتحكم به ثوابت كونية وأن أي تغيير في قيمتها ولو بنسبة ضئيلة جدا فإن الكون سيتلاشى من الوجود في جزء ضئيل جدا من الثانية. ما يهمنا في موضوعنا هنا من هذه الثوابت الكونية هو ثابت البنية الدقيقة (fine-structure constant)‏ ورمزه حرف ألفا اليوناني (α) وقيمته تعادل (١/١٣٧) .

هنا لن نتكلم عن ثابت البنية الدقيقة (α) من رؤية زاوية علم الفيزياء فهي موجودة في مئات المواقع على الإنترنت والمراجع ، ولكن سنتكلم عنه برؤية شاملة -فلسفية- من عدة زوايا لتوضح لنا دور هذا الثابت في فهم معنى الوحدة الكونية ، وسنحاول استخدام أسلوب مبسط -بدون مصطلحات فيزيائية - بحيث يفهمه الجميع بمختلف نوعية ثقافاتهم من أجل توضيح أهمية هذا الثابت الكوني (α) في المخطط الإلهي وعلاقته بموضوعنا الرئيسي (عقيدة التوحيد) .

دور ثابت البنية الدقيقة (α) -فيزيائيا- بإختصار هو تحديد نوعية علاقة (التجاذب والتنافر) بين الجسيمات الأولية التي يتكون منها كل شيء موجود داخل أجسامنا أو خارجها سواء على كوكب الأرض أو في جميع أنحاء الكون ، فهذا الثابت يتصف بصفتين متناقضتين فمقداره ضئيل جدا بحيث يسمح بإنفصال الألكترونات عن النواة مما يسهل تكوين روابط كيميائية مختلفة لتشكل جميع المركبات الكيميائية مختلفة ، ولكن بنفس الوقت فإن مقداره كبير بما يكفي لتشكيل النجوم والمجرات . لهذا فهو المسؤول (في فترة بداية تشكيل الكون) عن ترابط وتوحيد الجسيمات الاولية (تفاعل فيزيائي) لإنتاج الذرات بأشكالها المختلفة لتأخذ كل ذرة شكلها وصفاتها الخاصة بها والتي بسببه ظهرت النجوم والمجرات ، وهو المسؤول أيضا عن توحيد الذرات (تفاعل كيميائي) ضمن نظام معين لتكوين المركبات الكيمائية والعضوية ، وهو المسؤول عن توحيد المركبات العضوية وتشكيل البروتينات والأحماض الآمينية لإنتاج الوحدة البنائية للحياة (DNA) ، والذي على هذا الثابت أيضا تم إنتاج الخلايا الحية ، والذي عليه أيضا تم توحيد الخلايا لإنتاج الأنسجة ، ثم إنتاج الأعضاء المختلفة في أجسام الكائنات الحية ، والتي بتوحيدها تم تكوين الأجهزة ، وبتوحيد هذه الأجهزة تم تكوين أجسام الكائنات الحية والتي كان آخرها ظهور الإنسان .فظهور الإنسان على سطح الأرض لم يحصل بشكل فجأئي كما يظن علماء الدين بأن الإنسان (آدم وحواء) قد هبط من السماء بعد طرده من الجنة ، ولكن الحقيقة أن عملية إعادة تكوين الإنسان بعد خروجه من الجنة في داخل الكون قد بدأت منذ بداية تشكيل الكون وإحتاجت إلى مليارات السنين بحيث كل جزء منه تم تكوينه بشكل منفصل عن الآخر ولكن في النهاية تم توحيد جميع هذه الأشياء داخل كائن حي واحد وهو الإنسان . فالإنسان هو كائن حي يضم في تكوينه جميع الكائنات -الحية وغير الحية- الموجودة في الكون كما يقول علي رضي الله عنه ( تحسب أنك جـــرم صغير ... وفيك انطوى العالم الأكبر) . ولهذا ليس من الصدفة أن ثابت البنية الدقيقة هو بالذات من بقية الثوابت الذي أخذ الرمز (α) اليوناني ، فحرف الفا (الألف) هو أول حرف في أبجدية معظم لغات العالم .

الثابت الكوني للبنية الدقيقة (α) بإختصار يتحكم في كل شيء في الكون ماديا وروحيا ، ولهذا كان رقم قيمة هذا الثابت الذي يعادل (١/١٣٧) هو رقم نقي خالص ليس له أبعاد أو وحدات قياس . وهذه الصفة في ثابت البنية الدقيقة مهمة جدا في فهم موضوع عقيدة التوحيد ولهذا سنحاول توضيحها :

إن وحدة القياس تختلف من أفراد منطقة لأفراد منطقة أخرى ومن عصر إلى عصر آخر بحيث تجعل وحدة القياس المستخدمة غير مفهومة إلا لأفراد المنطقة نفسها أو العصر نفسه . مثال بسيط : الكتب المصرية اليوم تذكر أن طول جسم توت عنخ أمون هو الرقم (١٦٨) سم ، أما الكتب الأمريكية فتذكر أن طوله هو الرقم {(٥) أقدام و(٦) بوصة} ، أما في زمن الفراعنة فكان طول عنخ آمون يعادل الرقم {(٣) ذراع و(١) كف و(١) أصبع} . اليوم نسبة كبيرة من المصريين سيفهموا كم طول توت عنخ آمون كما هو مذكور في الكتب المصرية الحديثة فقط كونها تستخدم وحدة القياس (السنتمتر) المتعارف عليها في مصر ، والأمريكي سيفهم ما تذكره كتبه ، وكذلك نفس الأمر عند المصريين القدماء . أما رقم الثابت (α) والذي يعادل (١/١٣٧) فهو من الله خالق هذا الكون لهذا فطريقة التعبير عنه هي واحدة لا تتغير في جميع الأزمنة والعصور وفي جميع أنحاء الكون . ولهذا نجد العالم الفيزيائي لورانس إيفيس الأستاذ بجامعة نوتنغهام، يقول أن رقم ثابت (α) (١٣٧) هو ذاك الذي بإمكاننا إستخدامه لإرسال إشارات إلى الكائنات الفضائية لنُظهر لها أن لدينا قدرََا من السيطرة على كوكبنا وأننا نفهم فيزياء الكم. فهذه الكائنات الفضائية هي أيضأ ستفهم هذ الرقم إذا كانوا قد وصلوا إلى مثل هذا المستوى لدينا من التطور العلمي .

هناك ملاحظة هامة جدا وهي أن الحكمة الإلهية أعطت الشعوب الشرقية (الآسيوية) مسؤولية تطوير العلوم الروحية (رمز العين اليمنى) ولهذا ظهرت فيها جميع الديانات العالمية ومنها إنتشرت إلى جميع شعوب العالم . وأعطت الشعوب الغربية مسؤولية تطوير العلوم المادية (رمز العين اليسرى) ولهذا نجد - وخاصة في عصرنا الحاضر- أن جميع الإختراعات والإكتشافات العلمية قد ظهرت في الشعوب الغربية . ولكن رغم ذلك نجد أن الكثير من علماء الدين الإسلامي والمسلمين العامة يتهمون الشعوب الغربية بأنهم هم سبب الإنحطاط الروحي الذي تعاني منه الإنسانية في عصرنا الحاضر ، وهذا الإتهام فيه نوع من الظلم لما يحدث في الواقع .فالحديث الشريف واضح وصريح (... وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ) فالآية القرآنية أيضا تفرض التعاون بين الشعوب {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا .... (١٣) الحجرات} فعلاقة الشعوب الغربية والشعوب الشرقية (روحيا) هي مشابهة تماما للعلاقة بين الذكر والأنثى ، فوجود مجتمع أفراده جميعهم من الذكور سيؤدي إلى إنقراضه وكذلك الأمر بالنسبة للمجتمع الذي أفراده أناث فقط ، وهذا هو ما يحدث في الواقع اليوم . فالنصوص الدينية تتكلم عن الكون بشقيه الروحي والمادي ، وبدون التعاون بين العلوم الروحية (الشرقية) والعلوم المادية (الغربية) سيؤدي إلى ظهور تفسيرات خاطئة لهذه النصوص كونها تستخدم عين واحدة (عين الأعور الدجال) التي ستجعل الباحث يرى فقط الآيات المتشابهات فيها ، حيث هذه الآيات المتشابهات كانت مناسبة لعصر معين بسبب بعض الظروف -غير المثالية- التي كانت تعيشها الإنسانية ، ولكن إعتماد هذا النوع من الآيات في عصور أخرى غير مناسب لها سيجعلها تأخذ دورا سلبيا ، فهي ستحاول عرقلة المخطط الإلهي في تطور الإنسانية {هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء.... (٧) آل عمران} فالآيات المحكمات هن الآيات الثابتات وهن أم الكتاب كونها تصلح لجميع الأماكن ولجميع العصور مثلها مثل ثابت البنية الدقيقة(α). ولهذا في جميع ابحاثي أعتمد الآيات المحكمات فقط والتي كثيرا من الأحيان تعارض الآيات المتشابهات . وهذا هو سبب إعتقاد البعض بأن المعلومات التي أنشرها في مقالاتي تعارض النصوص الدينية .

علماء الفيزياء الغربيين (عين الإنسانية اليسرى) قاموا بالدور المخصص لهم على أكمل وجه ، فهم إكتشفوا لنا أهم ثابت كوني يساعدنا في فهم قوانين تكوين الكون ، ولكن بما أن علماء الفيزياء هم كائنات إنسانية ، والإنسان كما ذكرنا في مقالات ماضية أنه كائن شامل (روحي - مادي) لهذا نجدهم بعد إكتشاف أهمية ثابت البنية الدقيقة (α) في التكوين المادي للكون ، تحرك في داخلهم الإحساس الروحي ، فراحوا يتساءلون مع أنفسهم بأن رقم هذا الثابت (١٣٧) من المستحيل أن يكون وجوده هكذا بدون معنى ، فهذا الرقم يأتي من جميع الإتجاهات وبطرق متنوعة ليفرض علينا حقيقة واحدة يؤمن بها الجميع شاء من شاء وأبى من أبى (لماذا تصر الطبيعة والكون على هذا الرقم (١٣٧) بالذات؟) فليس من المعقول أن لا يكون لهذا الرقم معنى له علاقة بوجودنا المعنوي كبشر . ورغم محاولاتهم في تفسير هذا الرقم ولكن حتى اليوم لم يتوصلوا إلى حل هذا اللغز . الفيزيائي الشهير ريتشارد فاينمان يقول عنه "أحد أعظم ألغاز الفيزياء ، رقم سحري يأتي إلينا من كل مكان دون أن يفهمه الإنسان ". أما الفيزيائي (فولفغانغ باولي) الحائز على جائزة نوبل والذي كان مهووسََا به طوال حياته ، يقول مازحا “حين أموت سيكون سؤالي الأول للشيطان هو: ما هو معنى رقم ثابت البنية الدقيقة (١٣٧)؟”

أكبر خطأ إرتكبه علماء الدين وعلماء العلوم الإنسانية في الشعوب الشرقية أنهم قد استخدموا المنهج المادي في البحث لإثبات عدم صحة أدلة الفيلسوف المزيف كارل ماركس بأن الله غير موجود ، وكذلك فعلوا مع نظرية داروين ، فهم لم يعلموا أن روح الأعور الدجال قد ظهرت في القرن (١٩) وأن خطورة ماركس وداروين لم تكن في تلك الإثباتات على عدم وجود الله أو صحة النظرية الداروينة أن أصل الإنسان قرد ، ولكن الخطورة الحقيقية كانت في نوعية المنهج العلمي (رؤية العين الواحدة) الذي أستخدمه داروين وماركس . ولهذا وقع علماء القسم الشرقي من شعوب العالم في فخ هذا المنهج المادي الأعور الذي يمنع تدخل الرؤية الروحية في أي بحث علمي مهما كان نوع العلم الذي ينتمي إليه سواء مادي أو روحي . ولهذا نجد أن كثير من علماء الفيزياء قد فارقوا الحياة ولم يحقق لهم أحد حاجتهم الروحية في فهم المعنى الروحي للرقم (١٣٧) والتي هي من إختصاص القسم الشرقي من شعوب العالم وخاصة المسلمين . الحمد لله أن الكتب المقدسة لا تزال موجودة كما هي لإننا إذا إعتمدنا على فهم علماء الدين للنصوص الدينية كما هو اليوم لظل الرقم (١٣٧) لغزا محيرا إلى يوم الدين .

كما ذكرت في مقالات ماضية أن لغة الأرقام ولغة الرموز هي اللغة الإلهية التي كُتبت بها النصوص المقدسة لتكون صالحة لجميع العصور ، فهذا العلم هو الذي يرى التعبير الروحي في الأشياء والأحداث فيقوم بتحويلها من صورة مادية إلى صورة روحية وبالعكس . لهذا نجد أن في جميع العصور يوجد قسم من العلماء يهتمون بتطوير هذا النوع من العلوم (الكابالا اليهودية ، الهرمسية ، البيثاغورية ، الغنوصية ، الصوفية ...إلخ) ولكن بسبب ضعف مستوى العلوم المادية في تلك العصور لم يستطيعوا تقديم أدلة صريحة تؤكد صحة وأهمية هذا النوع من العلوم . ولهذا كان هناك نسبة من علماء -وخاصة في العصر الحديث- يعارضون هذا النوع من العلوم حيث اعتبروه بأنه نوع من العلوم المزيفة الباطنية الخرافية وأن له علاقة بالتنجيم والسحر الأسود والشعوذة . فهناك فعلا بعض المطففين الذين أستخدموا هذا العلم في مثل هذه المجالات . واليوم أيضا رغم وجود بعض المفكرين في جميع أنحاء العالم يستخدمون علم لغة الأرقام ولغة الرموز ولكن المشكلة أنهم يستخدمون في أبحاثهم منطق المنهج العلمي الحديث (المادي) وليس المنهج الشامل (الروحي والمادي) . ولهذا نجد أبحاثهم بدلا من أن تساهم في توحيد الأمور في رواية إلهية واحدة متناغمة ومتكاملة ، نجد أن المواضيع التي يبحث فيها نفس الشخص تساهم في تفكيك الرواية الإلهية إلى أحداث متناقضة مع بعضها البعض . الحقيقة هي أن لغة الأرقام ولغة الرموز هي علم يعتمد منطق عالَم فيزياء الكم ولهذا فإن ظهوره -فطريا- منذ العصور القديمة لم يكن صدفة ولكن حكمة إلهية تؤكد على أن الإدراك الإنساني مختلف تماما عن الإدراك الحيواني .ولهذا نجد أن عالم الطفولة الذي تنسجم معه روح الطفل هو عالم يحكمه منطق الفيزياء الكمية وليس الفيزياء التقليدية. (منطق وقوانين علم فيزياء الكم تكلمنا عنه بشيء من التفصيل في الخاطرة (٢٩) بعنوان : عالم عجيب جدا)

وكما ذكرت في مقالات ماضية أن هابيل بعد وفاته تم بعثه وولد /٤/ مرات بأسم (إدريس، يوسف، عيسى، المهدي) وهو سيكون آخر مرسل من الله لإنقاذ المؤمنين من خدعة روح الأعور الدجال التي ستنشر الفتنة وتؤدي إلى إنتشار الزنى وكثرة القتل في جميع شعوب العالم . أول إنسان رفض القتال هو هابيل كون تكوينه كان خاليا من غريزة القتل (لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ) وهذا السلوك أمر الرسول عليه السلام أن يتبعه المسلمين في آخر الزمان عند إنتشار فتنة الأعور الدجال . ولهذا تم ذكر هذه الآية في القرآن الكريم في سورة (المائدة) التي ترتيبها رقم /٥/ وهو رقم المرة الأخيرة التي سيولد فيها هابيل .

وكما ذكرت في مقالة فلسفة الخروج من الجنة، بأن الخطيئة التي كانت سببا في طرد الإنسان من الجنة (رمزها أكل ثمار الشجرة الملعونة) كانت الزنى الروحي أي تزاوج غريزي وليس عاطفي . ولهذا كانت سورة النور في القرآن الكريم هي التي تتكلم عن الزنى . فكل ذرة هي نتاج تزاوج بين الجسيمات الأولية لهذا لها إنبعاث ضوئي خاص بها وكذلك كل نجم له صفاته الخاصة به ، وعن طريقة فحص نوعية طيف الضوء (النور) المنبعث منه يمكن معرفة هويته .

هابيل (إدريس ، يوسف ، عيسى ، المهدي) هو المخلوق الوحيد في الكون الذي تكوينه لم يتلوث بالشوائب الشيطانية (كل بني آدم يطعن الشيطان في جنبيه بإصبعيه حين يولد غير عيسى ابن مريم - حديث شريف) . فسورة مريم تأتي بعد سورة الكهف وكلمة (الكهف) هنا تمثل رمز الكون بأكمله، فسورة مريم لا تتكلم فقط عن عيسى عليه السلام الذي ولد قبل ألفي عام ، ولكن عن هابيل في جميع حيواته التي عاشها . ولهذا قصة حياة عيسى في سورة مريم وسور القرآن عموما تختلف كثيرا عما هو مذكور في الإنجيل الذي يتحدث عن حياة هابيل فقط عندما ولد بأسم عيسى قبل ألفي سنة . ولهذا أنجيل يوحنا يذكر (٨ : ٥٨ قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: قَبْلَ أَنْ يَكُونَ إِبْرَاهِيمُ أَنَا كَائِنٌ») أي أن عيسى كان موجودا قبل ولادة إبراهيم عليه السلام .

الرقم (١٠٣٧) كشكل -وليس كمقدار- مشابه كثيرا رقم ثابت البنية الدقيقة (١٣٧) . اللغة العربية (لغة القرآن) هي لغة شرقية ولهذا نحتاج إلى تعاون لغة غربية وهي اللغة اليونانية (لغة الإنجيل) لحل مشكلة الإختلاف البسيط بين الرقمين .

القيمة الرقمية لأسم هابيل في الكابالا اليونانية (ΑΒΕΛ) تعادل (٣٨) . من خلال فهم العلاقة بين الرقم (٣٨) والرقم (١٠٣٧) يمكن بسهولة إستخراج الرقم (١٣٧) . فحرف ألفا (Α) في نظام الكابالا اليونانية يعادل إما (١) أو (١٠٠٠) ، فأسم هابيل في اليونانية له قيمتين (٣٨) وكذلك (١٠٣٧) .

في اللغة العربية الحرف (أ) الموجود في أسم (هابيل) لفظه (ألف) ، وأحرف لفظ كلمة (ألف) هي نفسها أحرف كتابة الرقم (١٠٠٠) الموجود في الرقم (١٠٣٧) ، ولهذا إنفصلت قيمة الحرف (أ - Α) في أسم هابيل في العربية واليونانية عن أرقام الأحرف الأخرى في كلمة هابيل وتحول العدد من (٣٨) الذي يحوي رقمين فقط إلى العدد (١٣٧) الذي يحوي (٣) أرقام . هذا النوع من التحويل لا يمكن حدوثه في عالم الفيزياء التقليدية، ولكن الحكمة الإلهية تستخدمه لأنه من منطق عالم الفيزياء الكمية . فبهذه الطريقة أيضا تم وضع رمز الأعور الدجال (عدو المسيح) في سفر الرؤيا في النسخة اليونانية (١٣ : ١٨ هنا الحكمة من له فهم فليحسب عدد الوحش فانه عدد انسان و عدده ΞΧ6 (ست مئة و ستة و ستون) . الرمز (ΞΧ6) حتى تكون قيمته تعادل (٦٦٦) فيجب إعتبار أنه يتألف من قسمين: الأول (6) وهو رقم عربي (٦) . والثاني (ΞΧ) ويتألف من حرفين يونانيين قيمتهما (٦٠٠+٦٠) . وطالما أن الرمز (ΞΧ6) هو رمز الأعور الدجال لهذا كان شكل رمز هابيل (١٣٧) معاكس له : الأول (٣٧) يتألف من رقمين إثنين ، والثاني (١) يتألف من حرف عربي وهو حرف الألف (أ) .

الله عز وجل الذي خلق آدم وحواء في الجنة ، هو خارج هذا الكون الذي نعيش فيه ، وهو يعلم كل شيء ، لهذا فإن طريقته في إدارة الأمور لا تفرض عليه أن يكون مضطرا لمراقبة كل ما يحصل داخل الكون ليتدخل ويصحح كل خطأ صغير أو كبير يحصل داخله ، فاستخدام هذا الأسلوب يعني أنه يستخدم منطق قوانين عالم الفيزياء التقليدية الفقيرة وأنه لا يعلم شيئا عن الفيزياء الكمية (حاشاه ذلك) . الله عز وجل وضع شيفرة خلق الكون في روح هابيل لتقوم هي بمساعدة روح أمه (حواء) لخلق كل شيء داخل الكون {... قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ ... (٤٩) آل عمران} كلمة بيوتكم في الآية تعني هنا التكوين الروحي والمادي الذي وصل إليه كل إنسان . هذه القدرات لا يمكن أن يملكها أي رسول أو نبي أو أي إنسان مهما بلغ من العلم لسبب واحد فقط كونه ولد على سطح الأرض أي أن تكوينه لا يزال يحوي على شوائب شيطانية ، بينما هابيل فروحه ولدت في الجنة والله قد تقبل قربانه ، ولهذا أعطاه الله هو فقط القدرة في السيطرة على تنفيذ المخطط الإلهي منذ نشأة الكون وحتى نهايته ليمنع روح السوء العالمية (الشيطان وابنه الروحي الأعور الدجال) من تغيير إتجاه هذا المخطط ، ولهذا أختاره الله هو من جميع البشر ليأتي في آخر الزمان . ولهذا نجد إن مجموع القيمة الرقمية لأسم هابيل (٣٨) مع عدد الأسماء الحسنى(٩٩) يعادل (١٣٧) وهو قيمة ثابت البنية الدقيقة(α) .

نحن نعيش اليوم في أيام آخر الزمان وروح الأعور الدجال تنشر الفتنة في جميع أنحاء العالم لتؤجج الحروب والنزاعات ، والمؤمن اليوم هو الذي يمتنع عن إتهام الآخرين وتكفيرهم لكي لا يؤجج العداوة بين المذاهب والطوائف والشعوب ، ويترك هذا الأمر إلى المهدي -عجل الله قدومه- فهو أعلم الناس بمدى درجة مسؤولية ومساهمة كل إنسان في نشر الفتنة وتدمير العالم الذي يحصل اليوم .... والله أعلم.

في المقالات القادمة إن شاء الله سنذكر الأماكن الأخرى لوجود الرقم (١٣٧) لتساعدنا في فهم حقيقة عقيدة التوحيد .

وسوم: العدد 1085