الانتخابات الأمريكية المقبلة… ثنائية الدولار والمسدس
محاولة اغتيال الرئيس السابق دونالد ترامب ومرشح الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية المقبلة في نوفمبر، جاءت في وقت حاسم قبل مؤتمر الحزب بثلاثة أيام، لتعزز حظوظ ترامب وتعطيه دفعة جديدة لحسم الفوز وتغطي على إدانته بـ34 جنحة وإصدار غرامات مالية ضده تزيد عن النصف مليار دولار. كل ذلك أصبح من الماضي، وصورته التي ستستقر في أذهان مناصريه تلك اليد المرفوعة رمزا للقوة والعناد، مصحوبة بصرخته الشعبوية داعيا لمواصلة «القتال» كما سماه.
الأحاديث قبل محاولة الاغتيال كانت تشير إلى أن الولايات المتحدة ستشهد أسوأ انتخابات في تاريخها، حيث سيكون السباق بين عجوزين، واحد خرف تجاوز الثمانين لا يكاد يتقن التفوه بجملة واحدة دون الوقوع في مطب، ورجل ليس بعيدا عن عمر المنافس كثيرا تلاحقه التهم والمحاكم والإدانات. رجل عنصري فوقي ديماغوجي يكره الأقليات والسود والمرأة، ويعتقد أنه يستطيع أن يدير العالم، كما يدير واحدة من شركاته. لكن هذا الجدل تراجع كثيرا ولا نعرف هل سيستمر الحزب الديمقراطي بالالتفاف خلف بايدن، رغم علمه مسبقا بأن حظوظه قليلة، إلا إذا حدثت معجزة لصالحه على طريقة معجزة ترامب. العقبة الحقيقية لدى الحزب الديمقراطي أنه لا يملك شخصية قيادية بارزة تستطيع أن تجذب الناخبين في ما تبقى من أيام لا تزيد عن المئة يوم إلا قليلا.
الديمقراطية الأمريكية ومثالبها
صحيح أن النظام الديمقراطي تطور كثيرا في الولايات المتحدة في الـ200 سنة الماضية، كالسماح للمرأة بالتصويت عام 1921 والسماح للسود بالتصويت بعد ثورة الحقوق المدنية، التي قادها مارتن لوثر كنغ ومالكوم إكس في الستينيات، إلا أن عيوبا عضوية مستقرة وأخرى مستجدة تعتري النظام الديمقراطي الأمريكي، وأهم تلك العيوب:
*العنف، لقد دخل العنف والتحريض على العنف وكراهية الأجانب والتمييز في السنوات الأخيرة، كإحدى مثالب الديمقراطية الأمريكية. لقد فتحت حملة ترامب الأولى والثانية المصراع على غاربيه لجماعات العنصرية، ومن يسمون جماعة «تفوق العنصر الأبيض» والعمل ولو بالقوة لإبقاء تفوق البيض مستمراً. وبما أن العنف يولد العنف، فقد زادت نسبة الاحتكاكات والجرائم والقتل الجماعي في عهدة ترامب الأولى بشكل كبير وغير مسبوق. وتوج نهاية دورته بالدفع بأنصاره يوم 6 يناير 2021 لاحتلال مبنى الكونغرس، تلك الحادثة التي هزت المجتمع الأمريكي من الجذور. ونحن نرى الآن أن هناك من يتوجس من إعادة انتخاب ترامب، الذي قد يؤدي إلى انفلات العنف بشكل يخرج عن السيطرة، فأنصاره كلهم مسلحون. لقد صرح الرئيس بايدن في حملته الانتخابية أن «ترامب خطير وديكتاتور فاشي يجب وقفه»، وقد يكون الشخص الذي سدد بندقيته على رأس ترامب يريد أن يطبق ما قاله بايدن حرفياً.
القانون شيء وتطبيقه شيء آخر والأصعب من الاثنين هو خلق ثقافة عامة تقبل الآخر ولا تميز ضده، فالشعب الأمريكي بغالبيته البيضاء ما فتئ يميز ضد الأقليات
*المجمعات الانتخابية، لا يوجد بلد في العالم قد يكسب مرشح الرئاسة فيه أصوات الناخبين ويخسر الانتخابات إلا في الولايات المتحدة. وقد تكررت هذه الظاهرة خمس مرات في تاريخ البلاد نذكر منها حادثتين جرتا في زماننا، حيث حصل آل غور في انتخابات 2000 على أصوات أكثر من بوش الابن، وخسر الانتخابات وكذلك حصلت هيلاري كلينتون على مليوني صوت زيادة عن ترامب في انتخابات 2016 وخسرت الانتخابات. هذا كله بسبب المجمعات الانتخابية التي تمنح كل حصة الولاية لأحد المرشحين (ما عدا ولاية وين). فكل ولاية تنتخب الرئيس ونائبه على حدة، وتمنح كل الأصوات المقررة للولاية للفائز الذي يجمع 270 صوتا من مجموع 538 فيعلن أنه فاز بانتخابات الرئاسة.
*نظام الحزبين، قد تكون الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة التي تتبع النظام الرئاسي وليس البرلماني، ولا يوجد بها إلا حزبان رئيسيان يدخلان المنافسة في أي انتخابات وعلى أي مستوى، ولا يكاد يصل أحد إلى البيت الأبيض، أو مجلس الشيوخ أو حكام الولايات أو رؤساء البلديات، إلا إذا كان منتميا لأحد الحزبين. وهم ما سمي ديكتاتورية الحزبين، اللذين في كثير من القضايا يمثلان وجهين لعملة واحدة، خاصة في موضوع فلسطين.
*شراء الانتخابات بالمال، لقد صرفت لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (AIPAC) مبلغ عشرين مليون دولار لإسقاط المرشح الديمقراطي في الانتخابات التمهيدية، جمال بومان، من نيويورك، لصالح منافسه جورج لاتيمر المدعوم من اللوبي المناصر للكيان. كما عرض على اثنين من ولاية متشيغان مبلغ 20 مليون دولار لمن يترشح ضد رشيدة طليب. الانتخابات في الولايات المتحدة تحولت إلى تنافس مالي ولا علاقة للمبادئ والقيم والأخلاق في المنافسات، والقاسم المشترك «إسرائيل ودعم إسرائيل». تغيرت المعادلة عندما اعتمدت المحكمة العليا في الولايات المتحدة في شهر يناير 2010 قانونا جديدا، يرفع الحظر على كمية التبرعات التي تقدمها الشركات للمرشحين في الإنتخابات العامة. هذا القانون الجديد ألغى ممارسة كانت سائدة في الانتخابات الأمريكية منذ عام 1909 بوضع حد أقصى للتبرعات المسموح بها للمرشحين من الأفراد بقيمة 2600 دولار و5000 دولار من الشركات، على أن يكون المتبرع من ولاية أو منطقة المرشح نفسها وأن تكون التبرعات علنية ومصرحا بها. هذا القانون ببساطة فتح المجال أمام كبار الأثرياء لشراء الانتخابات، من خلال تمويل حملات المرشحين بكاملها. كما فعل الصهيوني شيلدون أديلسون الذي تبرع بملايين الدولارات لترامب مقابل الاعتراف بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل. وأرملته الآن تقوم بالدور نفسه وأكثر. لقد بلغت تكاليف الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمحلية عام 2016 نحو 2.9 مليار دولار.
*تهميش الأقليات، الحزب الديمقراطي الآن متخوف من ترشيح كمالا هاريس نائبة الرئيس، للانتخابات الرئاسية. الشعب الأمريكي بشكل عام غير جاهز لانتخاب امرأة من الأقليات. وهناك نظرية تقول، إن الحزب قد يدعم ترشح بايدن ـ هاريس، وإذا فازا في الانتخابات فقد يعلن في السنة الأولى عدم قدرة بايدن على الاستمرار في الحكم وبالتالي تصبح كمالا هاريس الرئيس الجديد المكمل لمدة الرئاسة (مثل فورد نائب الرئيس نيكسون). فانتخاب رجل أو امرأة من الأقليات ما زال بعيد المنال. فمن أكبر مثالب الديمقراطية الأمريكية هي الكيفية التي تم التعامل فيها مع الأقليات. على مر السنين. لكـن من المتوقع أن يناهز عدد الأقليات عام 2050 عدد السكان البيض. وبالتالي تتجه هذه البلاد إلى تركيبة مختلفة تماما، وهو ما يحاول ترامب وأنصاره من العنصريين البيض منعه ولو بالقوة. ولغاية الآن يشكل البيض من أصول أنغلو ساكسون نحو 62%. ويشكل الأمريكيون من أصول لاتينية حاليا 16% والسود نحو 12% والآسيويون 4%. أما السكان الأصليون فلا يزيدون عن 1% وهي نسبة العرب والمسلمين نفسها.
القانون شيء وتطبيقه شيء آخر والأصعب من الاثنين هو خلق ثقافة عامة تقبل الآخر ولا تميز ضده. فالشعب الأمريكي بغالبيته البيضاء ما فتئ يميز ضد الأقليات. وقد أصبح العرب والمسلمون في العقود الأربعة الأخيرة، خاصة بعد ثورة الخميني وحجز الرهائن الأمريكيين، مرورا بعمليات القاعدة وما فرخت من جماعات إرهابية متطرفة ضربت في عمق الولايات المتحدة، خاصة عندما شاهدوا برجي التجارة ينهاران أمام عيونهم يوم 11 سبتمبر 2011. والآن حرب الإبادة على غزة وتصوير الفلسطينيين بأنهم حيوانات بشرية، وأنهم اعتدوا على الإسرائيليين الحضاريين رفع من منسوب العنصرية ومهاجمة العرب والمسلمين ومؤسساتهم. فكيف سيكون الحال بعد انتخاب ترامب؟ قد يتعين علينا أن نبدأ في حزم الحقائب بحثا عن بلد بديل.
وسوم: العدد 1088