نتنياهو في مأزق… تراجع الردع وانكشاف الاحتلال

د. عبد الله خليفة الشايجي

لطالما فاخرت إسرائيل بقدرتها على شن حروب قصيرة ومباغتة ضد العرب على أراضيهم وهزيمتهم دون الحاجة لخوض حروب طويلة وتجنب خوض حروب على أراضيها التي احتلتها منذ نكبة 1948 ووسعتها ثلاثة أضعاف في نكسة حزيران 1967 ـ وغزت لبنان وخاضت ست حروب على غزة مع قمع الفلسطينيين في القدس والضفة الغربية دون دفع أثمان باهظة وتعاطف واصطفاف الغرب بازدواجية معاييره مع جرائمها وحرب إبادتها.

لكن قلبت عملية طوفان الأقصى تلك الأساطير وغيرت المعطيات وأثبتت أن قوات الاحتلال الإسرائيلي التي تفاخر بكذبتين فضحتهما عملية طوفان الأقصى: الجيش الذي لا يقهر والجيش الأكثر أخلاقية، لتثبت أنه جيش يقهر وغير مستعد ومدرب لخوض حرب ضد تنظيمات مسلحة في حرب غير متناظرة بين جيش نظامي وجماعات مسلحة.

لم ينتصر أي جيش نظامي في حرب متناظرة. كما شهد العالم في حرب الولايات المتحدة على أفغانستان ضد طالبان وفي العراق وسوريا ضد القاعدة وداعش، وقبلها ضد الفيتكونغ في فيتنام. والجيش الإسرائيلي ضد حزب الله في لبنان.

واليوم يشهد كيان الاحتلال الإسرائيلي سلسلة من النكسات في الشهر العاشر من حرب الإبادة على غزة.

أولى الانتكاسات : أصدرت محكمة العدل الدولية ـ المحكمة الأعلى في النظام العالمي وللمرة الأولى قراراً تاريخياً استشاريا من 140 صفحة يفصل ويصف «الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة منذ عام 1967 أنه غير شرعي وغير قانوني.

وأكد القرار على حق الفلسطينيين في تقرير المصير ووجوب إخلاء المستوطنات القائمة على الأراضي المحتلة».ويتهم قرار محكمة العدل الدولية إسرائيل بارتكاب جرائم حرب.

سارعت الرئاسة الفلسطينية بوصف قرار محكمة العدل الدولية بأنه «انتصار للعدالة ورفض للاحتلال ولقرار الكنيست (رفض بأغلبية ساحقة باستثناء تصويت النواب العرب قيام دولة فلسطينية ما ينسف سراب ووهم اتفاقية أوسلو لعام 1993) ـ والسياسات الأمريكية التي تدعم إسرائيل في احتلالها والرافضة لإقامة الدولة الفلسطينية».

حسابات نتنياهو الخاطئة وانتكاسات وفضح جرائم الاحتلال وتآكل قدرة ردعه، يدفع جبهات عدة إلى تحديه ومواجهته وتعميق مأزقه

أكد الوفد الفلسطيني إلى محكمة العدل الدولية بعد صدور القرار، سنذهب إلى الجمعية العامة كما طلبت محكمة العدل الدولية لاتخاذ ما يلزم من إجراءات. ورحبت السلطة الفلسطينية وحركة حماس والفصائل الفلسطينية ودول عربية وإسلامية بقرار محكمة العدل الدولية. وطالبت شخصيات فلسطيية بالتحرك وفرض عقوبات على إسرائيل…

كل ذلك دفع نتنياهو المأزوم مع كيانه، وكعادته برد موتور بانتقاده قرار المحكمة معلقاً «أي قرار خاطئ في لاهاي لن يشوه الحقيقة التاريخية لوجود الشعب اليهودي على أرضه»… «كما لا يمكن الطعن في شرعية الاستيطان في كل أنحاء الوطن» وانضم له الفاشيون في حكومته المتطرفة لحافة الانهيار العصبي والهذيان وترويج تهمهم الجاهزة والمفضوحة والمعلبة باتهام محكمة العدل الدولية وداعميها بالعداء للسامية وكراهية إسرائيل! وسبق أن طالبت محكمة العدل الدولية إسرائيل بعد مرافعة وفد جنوب أفريقيا بعدم ارتكاب جرائم إبادة بحق الفلسطينيين في غزة..

وبرغم أن القرار استشاري وغير ملزم إلا أنه ضربة مؤلمة للاحتلال الصهيوني وداعميه والمطبعين والمبررين والداعمين لاحتلاله وحرب إبادته على غزة الصادر من أرفع محكمة على المستوى الدولي.

واضح أن قرار الكنسيت غير الشرعي والقانوني برفض قيام دولة فلسطينية وقرار محكمة العدل الدوليةيُحرج الولايات المتحدة التي يساعد الكونغرس بمجلسيه لاستقبال مجرم الحرب نتنياهو لإلقاء خطاب في الكونغرس ولقاء بايدن الذي يفاخر بصهيونيته»! وكذلك يحرج المطبعين العرب وغيرهم الذين يغطون ويبررون سياسات الاحتلال وجرائمه بحجه أن تقاربهم وتطبيعهم يساهم ويساعد على قيام دولة فلسطينية!

وهكذا كشف ‏الصهاينة نواياهم وينهون ويدفنون مسرحية وهم اتفاق أوسلو.

وأود التذكير أن الولايات المتحدة استخدمت الفيتو في مجلس الأمن في شهر أبريل منفردة لإحباط مشروع قرار يمنح فلسطين عضوية مباشرة في الأمم المتحدة وصوت الكنيست الإسرائيلي على قانون يرفض قيام دولة فلسطينية.

رد فعل إدارة بايدن كما كان متوقعا التصريح «أنهم غير مسرورين» فقط!

بعد قراري الكنيست ومحكمة العدل الدولية على الدول العربية وخاصة المطبعين العرب وغيرهم رفض والتنديد بقرار الكنيست الغير شرعي وغير ملزم لمخالفته

القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن!! ولا يخدم كما يروجون ويبررون القضية الفلسطينية وحل الدولتين كما تطالب الإدارات الأمريكية منذ إدارة كلينتون!

الانتكاسة الإسرائيلية الثانية تساهم ببلورة ما يعرف: بتعدد وتوحيد جبهات المقاومة والإسناد في مواجهة وحشية عدوان الصهاينة في غزة والضفة الغربية ولبنان والجولان وتوسع المواجهة إلى اليمن والبحرين الأحمر والبحر الأبيض… نجح الحوثيون باختراق غير مسبوق لعاصمة الاحتلال المالية والاقتصادية وكبرى مدنها تل أبيب بضرب هدف على بعد 100 متر من مبنى السفارة الأمريكية بمسيرة(يافا) ـ إيرانية الصنع قطعت مسافة 2000 كلم من اليمن في اختراق وإخفاق أمني وتقني. بعد فشل أنظمة الرصد والرادارات الإسرائيلية. وتوعد الحوثيون في بيان بمزيد من الضربات بمسيرات طالما بقي الاحتلال والحصار الصهيوني!!

حسابات نتنياهو الخاطئة وانتكاسات وفضح جرائم الاحتلال وتآكل قدرة ردعه، يدفع جبهات عدة إلى تحديه ومواجهته وتعميق مأزقه وحلفائه المأزومين ويزيد الضغط لمنح الفلسطينيين حقوقهم وإنهاء الاحتلال!

وسوم: العدد 1088