الحالة السورية .. أكبر من مشروع مارشال

على الرغم من أن المسؤولية الأخلاقية بأبعادها الإنسانية والسياسية فيما جرى على الشعب السوري طوال ستة عقود، تقع عمليا في عنق حزب البعث العربي الاشتراكي طبقا عن طبق، وتتركز منذ عام ١٩٧٠ في أعناق حافظ وبشار الأسد ولفيفهم من فئام السوريين؛ إلا أننا لا نستطيع أن نخلي المجتمع الدولي، ممثلا في مجلس الأمن، وجميع المنظمات التابعة له من مسؤولية مباشرة عن الجريمة ومجرميها الذين ظلوا يتمتعون بالحصانة والاعتبار…!!

بالأمس كان خبيرا بالقانون الدولي من باريس يعلق فيقول: إن بشار الأسد في منفاه في موسكو، ما زال يحتفظ بحقه في الحصانة البروتوكولية..!! لكونه رئيسا لم يخلع بطريقة قانونية، ينسى الخبير القانوني، أن بشار وأباه لم يصيرا رئيسين بطريقة قانونية

إن ما جرى في سورية من من سلب ونهب وتخريب معنوي أولا ثم من قتل وتدمير وتشريد وتهجير ثانيا؛ كل ذلك كان يجري بنوع من التواطؤ الدولي، أقله التغاضي عن الجريمة، وإطلاق يد المجرم في فعل ما يشتهي، والتستر عليه، والاستمرار في دعمه على كل الوجوه.

تمر بنا بعد أيام ذكرى مجزرة حماة الكبرى في مطلع شباط من ١٩٨٢..

جريمة تجل عن الوصف، طويت صفحاتها على المستويين الإنساني والسياسي بل لم تنشر أصلا..!!

ونعود اليوم إلى الحقيقة المرة التي يعيش ظرفها الشعب السوري أجمع في ظل آثار الجريمة التي استطالت أكثر من نصف قرن، والتي بلغت ذروتها وعنفها وتوحشها منذ العام ٢٠١١ حتى نهاية العام ٢٠٢٤ لنقول:

إن مخرجات الجريمة المتعددة الوجوه، أكبر من أن تلقى على كاهل ثلة من رجال الإدارة السورية.. الذين هم إلى أشكال العون الإنساني والإداري والفني والاقتصادي…أكثر من حاجتهم إلى أكيال من الاشتراطات والتوجيهات والنصائح وصور التربص والانتظار…!!

الوضع العمراني، بمعنى العمران الخلدوني، أكبر من طاقة أي حكومة وطنية مهما كانت طاقتها وقدراتها بأبعاد هذه الطاقات.

السوريون. الراغبون في العودة إلى وطنهم، ما يزالون يرون أنهم إذا عادوا فسيكونون عبئا إضافيا على الإدارة الجديدة، وأنهم في ظل الوضع العام السائد، ليس بمقدورهم أن يكون بناة أو مفيدين. المساهمات الفردية الناجحة لا بد أن تعتمد على بيئة عامة مساعدة. لا طاردة.

ومن أسباب الهجرة الموصوفة المعترف بها حول العالم الأسباب الاقتصادية، وسورية ما تزال بعيدا عن التقويم الأمني، بلدا غير قادر ببنيته التحتية العامة على أن يكون أرضا يعمل فيها المحراث..!!

يذكر التاريخ الدبلوماسي مثل مشروع مارشال الذي أطلقته الولايات المتحدة الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية لإعادة إعمار الدول الأوربية..كان ذلك في العام: ١٩٤٧

اعتمد مشروع مارشال الامريكي على تقديم أشكال من الدعم المالي لدول أو حكومات كانت قائمة ومستقرة..

الأمر في سورية اليوم ليس كذلك، ودمار البنية التحتية في الحياة السورية، أكبر من أن تُحمّل مسؤوليته لإدارة ثورية ينوء كاهلها بكلف عمليات النهوض وإعادة البناء بثقلها الباهظ..

هذا ليس تشكيكا بقدرات فريق الشباب القائمين على الأمر، ولكنه تقرير لواقع، نحتاج إلى استنفار الخيرين على مستوى العالم للمساهمة بالنهوض به.

في الواقع السوري المساعدات المالية النقدية أو العينية وحدها لا تكفي..!!

نحتاج في سورية مع ضرورة المبادرة إلى رفع كل أشكال العقوبات التي فرضت على النظام المجرم المخلوع، والتي ورثتها إدارة الثورة بدون حيثيات مقنعة ، إلى تجاوز كل التحفظات غير المسوغة، التي تفرض على الإدارة الجديدة..!!

تحتاج الدولة السورية الجديدة إلى موقف دولي موحد يكف شر كل الأشرار الطامعين في الأرض السورية، سواء كانوا في الجنوب أو الشمال..

لا يمكن لدول مجلس الأمن أن تصمت عن الاختراقات الصهيونية لخطوط فصل القوات.. ولا يمكن لهم أن يصمتوا عن فيام فصيل مدعوم من دولة عظمى، بنهب ثروات الشعب السوري، وملايين السوريين يتضورون جوعا في الخيام…

تحتاج الإدارة الجديدة إلى أن تمكن من استثمار كافة الثروات الوطنية في سورية، لمصلحة كل السوريين.. وكفّ أيدي المتسلطين على هذه الثروات تحت كل عنوان..

يحتاج الشعب السوري أو الحالة السورية إلى مثل مشروع مارشال ولكن.. ليس في صورة مساعدات نقدية أو عينية، نحتاج مع كل ذلك إلى خبرة الخبراء، وروح العمل المنظم المجرب الذي تؤديه الشركات!!

ننتظر من أي دولة تريد أن تؤكد صداقتها للشعب السوري، أو أن تؤسس لهذه الصداقة، أن تتقدم فتتبنى عبر شركاتها وخبرائها ورأسمالها مثلا إعادة. كهربة أراضي الجمهورية العربية السورية… ويكون هذا عربون صداقتها..بما في ذلك بناء المحطات، وإعادة تأهيل الموجود، ومد خطوط الضغط العالي…من جنوب إلى شمال أو العكس…

ودولة أخرى…

تتبنى إعادة مد شرايين المياه، إلى بيوت السوريين، وإصلاح محطات المياه.. استجرارا وتنقية وحفظا وتوصيلا…

دولة ثالثة…

 تتعهد بإعادة تأهيل شبكة الطرق في المدن والمناطق وبينها.

دول رابعة..

 تتعهد بمشروع إعادة التأسيس للصناعات الكبرى أو الثقيلة..

وأخرى لإعادة بناء المدارس

أو إعادة تأهيل المطارات أو الموانئ أو أسطول الطيران السوري المدني…

يتم كل هذا بينما تتفرغ الإدارة الناشئة إلى مشروعات إقرار الأمن، والحفاظ على السلم الأهلي، ووضع الأسس للدولة السورية المأمولة…

لا بأس في إطار كل ما ذكر أن تتشارك دولتان صديقتان إحداهما بالخبراء والخبرة العملية. والتقنية والأخرى بالمال..

والأجمل في كل ذلك أن تعتمد كل هذه الأعمال على اليد العاملة الوطنية، والخبرات الوطنية المتوفرة بحيث تكون سورية سوقا جاذبة للعمالة الوطنية، وليس طاردة لها…

لا أريد توزيع الأدوار ولكن الذي يريد أن يشتري صداقة الشعب السوري، يمكن أن يسأل عندما يزور: ماذا تنظرون منا؟؟

وربما يكون الجواب العملي أقرب و أكثر عملية من الجواب الدبلوماسي… نحتاج إلى من يعيننا في….

ورحم الله من قال:

قالوا اقترح شيئا نجد لك طبخه

قلتُ اطبخوا لي جبة وقميصــــــا

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 1113