القضية الفلسطينية بين الحل العادل والدائم وبين التسويف الصهيوـ أمريكي والأوروبي

ما كاد الفلسطينيون يتنفسون الصعداء هم وأسر الرهائن الصهاينة إثر وقف العدوان  الصهيوني على قطاع غزة وجرائم الإبادة الجماعية، حتى طار رئيس الوزراء الصهيوني على عجل  إلى واشنطن للقاء الرئيس الأمريكي المنتخب ، وهو يصرح لوسائل الإعلام أنه سيطلب منه الضوء الأخضر كي يواصل عدوانه على القطاع  بعد تصفية موضوع الرهائن ، وكذا ضم يهودا والسامرة  أي الضفة الغربية خصوصا بعدما كان أول قرار أصدره الرئيس الأمريكي هو رفع الحظر عن بناء المستوطنات في الضفة الذي كان سلفه قد منعه .

ومع أن الرأي العام العالمي على قناعة تامة بأن القضية الفلسطينية حلها الوحيد العادل والشامل والدائم  هو وحده الذي به تطوى صفحة الصراع في أرض فلسطين حين يستعيد الشعب الفلسطيني حريته ، واستقلال بلاده ، فإن  طغيان الإدارة الأمريكية  المعهود، والذي ازدادت وتيرته مع  وصول الرئيس ترامب مرة أخرى إلى السلطة ، جعلها تعاكس قناعة الرأي العالم العالمي ، وتكرس الاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين متجاهلة حق الشعب الفلسطيني في استعادة حقوقه المشروعة التي تعرفها جيدا ، ولا يمكنها تجاهلها لأن  توطين اليهود بأرض فلسطين سنة 1948 ليس بالتاريخ البعيد  الذي يمكن طمسه ،إذ لا زالت أعداد الذين عايشوه من البشر أحياء يرزقون  في العالم، وهم يعدون بالملايين ، ولا زالت الأشرطة التي صورت  التصوير الحي والناطق هذا التوطين ، كما صورت التهجير القسري للفلسطينيين  موجودة ومتداولة ، ولا سبيل لتجاهلها أو إنكارها أو القفز عليها .

ولا  يمكن أن ينسى العالم بأسره مسوؤلية الاحتلال البريطاني المباشرة على توطين اليهود بأرض فلسطين، بدء بوعد الصهيوني بلفور ، ومرورا بتسليح العصابات الصهيونية ومساندتها لتهجيرالفلسطينيين قسرا، وانتهاء باعترافها بما سمي بالدولة العبرية فوق أرض فلسطين . وليست بريطانيا وحدها من تتحمل المسؤولية عن مأساة الشعب الفلسطيني، بل تشاركها في ذلك دول أوربا الغربية التي شاركت في توطين اليهود بفلسطين، وقد استقدموا من معظم أقطارها شرقيها وغربيها  ، وكذا من شتى بلدان العالم  في جميع القارات ، ولا تقل أيضا  مسؤولية الولايات المتحدة عن مسوؤلية دول أوروبا الغربية . ولقد كان توطين اليهود بفلسطين تكفيرا عن جرائم النازية في حقهم ليكون الشعب الفلسطيني هو القربان .  

ومع مرور الوقت، حصل إجماع بين دول أوروبا الغربية والولايات المتحدة على تعمد تجاهل وإهمال قضية الشعب الفلسطيني عن طريق التسويف المتعمد ، وعن طريق ذر الرماد في العيون بما سمي مسلسل السلام  الذي كان  في حقيقة الأمر عبارة عن استسلام مفروض على الدول العربية المجاورة لأرض فلسطين بعد هزيمتها  في حربين مع الصهاينة ،كانت القوى الغربية حاضرة فيهما بأسلحتها وجندها ، وكانت دائما ترجح كفة انتصار الكيان الصهيوني . ولقد نتج عن توقيع أنظمة الدول المجاورة لفلسطين على الاستسلام تحييدها  كليا عن الدخول في حروب معه إلى الأبد ، ومن ثم حملها على الانصراف الكلي عن المطالبة باستعادة الشعب الفلسطيني حقه  في الحرية فوق أرضه المستقلة .

وبتخلي تلك الأنظمة  التدريجي هي وغيرها من الأنظمة العربية عن القضية الفلسطينية مع مرور الزمن تحت ضغط الولايات المتحدة الأمريكية وحليفاتها الأوروبيات، انفرد الكيان الصهيوني كليا  بالشعب الفلسطيني الذي بقي وحيدا بحيث استحوذ على شريحة منه هم من يسمون بعرب 48  الذين لم يعد لهم دور في المطالبة باستقلال وطنهم ، وصاروا مواطنين مصنفين في مؤخرة تصنيف المجتمع الصهيوني الموسوم بالطبقية العرقية  ،  كما عمل المحتل أيضا على الفصل بين قطاع غزة والضفة الغربية ، وحاصرهما ، وعزلهما عن العالم الخارجي ، ومارس على من يوجدون  بهما كل أنواع الاستبداد، والظلم، والتقتيل، والإبادة الجماعية ، والتهجير القسري ، والاعتقال في معتقلات رهيبة تفوق قسوة  وهمجية المعتقلات النازية ، أوغيرها من المعتقلات التي شهدها العالم في أقطار الأنظمة الشمولية شرقا وغربا خلال  فترات تاريخية سوداء سابقة .

ومعلوم أن غرض الكيان الصهيوني من ظلمه للشعب الفلسطيني وتعسفه  هو أحد أمرين :  إما إخضاعه ليعيش تحت احتلاله البغيض ، وليسخره  كما فعل بغرب 48 أو يهجره قسرا  بالقوة كما فعل بأعداد كبيرة منه سنة 1948 ، وهذا ما تقره عليه الدول الغربية  التي تحالفه وتسانده بلا حدود ،وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، ودول أوروبا الغربية خصوصا صاحب الفيتو الذي يُستخدم دائما  لتعطيل كل القرارات الصادرة عن مجلس الأمن الذي أصبح مشلولا شللا كاملا هو ومحاكم العدل  الدولية التابعة له  عندما يتعلق الأمر بمحاسبة أو إدانة الكيان الصهيوني في حين تطبق قوانينه  وقوانينها على غيره من دول العالم .

وها هي اليوم الإدارة الأمريكية المستبدة بالعالم بأسره  تمارس سياسة لي أذرع أنظمة الدول المجاورة لفلسطين كي تنفذ مخطط تهجير أهل غزة تحت ذريعة إعادة بناء ما دمره الكيان الصهيوني بأسلحة الدمار الشامل التي أمدته بها من قبل والتي ستواصل إمداده بها لا محالة  بعد وصول رئيس وزراء الكيان الصهيوني إلى البيت الأبيض ، ونجاحه  في التأثير على الرئيس ترامب في  اللقاء المنتظر بينهما اليوم كي يلبي رغبته في مواصلة الحرب على غزة  بعد استعادة رهائنه  ، وتهجير أهلها  قسرا إلى مصر والأردن ، وربما إلى دول عربية أخرى ، وكذا إطلاق يده  لضم الضفة الغربية أو ما يسميه يهودا والسامرة ، وهو الحالم إلى حد الهوس بطمس معالم  القضية الفلسطينية إلى الأبد، وذلك ما لن يتحقق له أبدا طالما ظل الشعب الفلسطيني  موجودا فوق أرضه صامدا ثابتا ، صابرا ، يناضل بكل ما يتاح له من وسائل الدفاع عن وطنه المحتل ، ويبذل من أجل ذلك  التضحيات الجسيمة والغالية  ، وطالما ظلت الشعوب العربية والإسلامية تعتبر القضية الفلسطينية قضية دينية مقدسة قبل أن تكون مجرد أرض محتلة  .   

ولن ينفك العار أبدا  عن الدول الغربية المؤيدة للكيان الصهيوني، وعلى رأسها الولايات المتحدة حتى يتحقق الحل العادل، والدائم لقضية الشعب الفلسطيني ، ولن ينعم الكيان الصهيوني بالأمن والسلام  الذي يحلم بهما  أبدا ما دامت تلك الدول تنكر وتتجاهل  مسؤوليتها  التاريخية والأخلاقية عن توطينه  ظلما وعدوانا في فلسطين سنة 1948، وما دامت تسوف بخصوص  حصول الشعب الفلسطيني على حقه كاملا موفورا  غير منقوص  في استعادة حريته واستقلال وطنه ، وما ضاع حق وراءه طالب .  

وسوم: العدد 1114