نتنياهو وبار: احتدام التنافس على علامة قايين[قابيل]
الإصحاح 4:15 من سفر التكوين، في التوراة، يسير هكذا: «فقال له الربّ: ‘لذلك كلّ من قتل قايين فسبعة أضعاف يُنتقم منه’، وجعل الربّ لقايين علامة لكي لا يقتله أحد». وحسب بيني غانتس (رئيس حزب «الوحدة الوطنية»، والجنرال المتقاعد رئيس أركان جيش الاحتلال الأسبق، وزير الدفاع الأسبق، والعضو السابق في مجلس الحرب الإبادة ضدّ قطاع غزة…)؛ فإنّ أحدث حَمَلة علامة قايين هم جميع الوزراء الإسرائيليين الذين صوّتوا على إقالة رونين بار رئيس جهاز الأمن الداخلي (الشاباك)، وأوّلهم في استحقاق الدمغة الرجيمة رئيسهم بنيامين نتنياهو.
فإذا وضع المرء التوراة جانباً، وذهب إلى تاريخ دولة الاحتلال الحديث، فإنّ غانتس نفسه يستعيد مناحيم بيغن، أحد قادة عصابات الـ»أرغون» الإرهابية، وسادس رؤساء حكومة الاحتلال وبطل صعود اليمين الإسرائيلي للمرّة الأولى سنة 1977، وقصف المفاعل النووي العراقي سنة 1981، ومجرم الحرب وراء اجتياح لبنان سنة 1982. «سوف يتقلب في قبره»، يقول غانتس مخاطباً نتنياهو، «عندما يراك تجرّنا إلى الانقسام والتحريض وتقويض سيادة القانون».
احتدام التنافس على وصم علامة قايين، هنا وهناك، يمنة ويسرة، انتقل سريعاً إلى «الهستدروت»، المنظمة النقابية العمالية الأهمّ في دولة الاحتلال؛ التي يعود تأسيسها إلى سنة 1920 وتضمّ نحو 800,000 منتسب. هي اليوم متضامنة مع بار، وغاضبة من إعلان نتنياهو عدم الامتثال لقرار المحكمة العليا بتجميد إقالة رئيس الشاباك؛ وذهب رئيس «الهستدروت» إلى درجة تحذير الحكومة: «نحن على شفا فوضى تشرعنها الحكومة، ولن أقف مكتوف الأيدي بينما يتمّ تفكيك المجتمع الإسرائيلي»؛ وعدم تنفيذ قرار المحكمة يُعدّ «تجاوزاً للخط الأحمر الأخير»، وهذا وضع «لا يمكن القبول به».
كرة ثلج التضامن مع بار تدحرجت سريعاً، فالتحق بها «مقرّ الهايتك الإسرائيلي» الذي يمثّل عشرات شركات التكنولوجيا وصناديق الاستثمار؛ ولم يتأخر عن الركب منتدى رجال الأعمال، وعدد من الجامعات والمدارس الثانوية والمعاهد التعليمية، ونحو 40 من رؤساء بلديات ومجالس محلية وإقليمية؛ والكلّ تنادوا إلى أشكال مختلفة من الاحتجاج والإضراب على سبيل المطالبة بتنفيذ قرار المحكمة العليا.
وإزاء إصرار نتنياهو على تنفيذ قرار الإقالة، من منطلق «قانوني» بدوره يفيد بأنّ الحكومة وليس المحكمة العليا هي التي تعيّن رئيس الشاباك، فلعلّ الأجدر بالتقلّب في قبره صاحب كتاب، وفكرة، «الدولة اليهودية»: تيودور هرتزل، دون سواه! فالنقاشات الصهيونية ــ الصهيونية التي تدور اليوم في مؤسسات دولة الاحتلال المختلفة إنما ترتدّ إلى المؤتمر الصهيوني الأول، في مدينة بال السويسرية سنة 1897؛ حين احتدمت سجالات نوستالجية حول حلم هرتزل بالدولة اليهودية، مترافقة مع شجارات حادّة حول الواقع اليهودي الفقهي للدولة/ الحلم، أو حول معنى ما قبل وما بعد الصهيونية، ودولة القانون أم كيان الاستيطان والعنصرية.
وذاك كان احتقاناً مبكّراً داخل الصفّ الصهيوني، تكفّل بتقويض أوهام «بيت واحد متراصّ»، إذْ اتضح أنه بيوت أمريكية وبولونية وروسية وفالاشية ويمنية، أشكنازية أو سفاردية، أصولية أو أرثوذكسية، يهودية أو نصف ــ يهودية… وما المواقف المتنازعة إزاء إقالة بار، ومن خلفها هاجس أقرب إلى قلق وجودي مبعثه استخفاف نتنياهو بالمحكمة العليا ضمن جهود حثيثة متعاقبة لإحالتها إلى رفوف الغبار والإخضاع لسلطة الكنيست؛ سوى علائم لا تكفّ عن التزايد والتضخم، على تشتت «الحلم» بين يمين قومي وديني وعنصري حاكم، وشارع يتظاهر لعشرات الأسباب، وصندوق اقتراع شعبي أو شعبوي لم يخذل نتنياهو مرّة بعد أخرى.
وفي كلّ حال، مَن يجرؤ بين المتخاصمين على وصم هرتزل بعلامة قايين، وهو القائل: «في الدولة اليهودية القادمة، لا بدّ من بقاء الكنيس ماثلاً أمام البصر. ينبغي أن يظل مرئياً»؛ يبصره جميع الإسرائيليين، بلا استثناء!
وسوم: العدد 1121