جريمة الاغتصاب بين الشرع والقانون
نبض الحروف
الطيب عبد الرازق النقر
الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا
يتبين من المعنى اللغوي لجريمة الاغتصاب "أنها تقوم على فعل السلب بالقوة، أو بغير إرادة المسلوب منه، فالإغتصاب لغة يعنى السلب وهو أخذ الشئ بدون علم صاحبه أو إرادته، واصطلاحاً يعني مواقعة أنثى بغير رضاها أي إتصال رجل بامرأة إتصالاً جنسياً كاملاً دون رضاء صحيح منها بذلك"، وهذه الجريمة التي لا يرتكبها إلا من تفاقم شره، واستطار أذاه، يعد انعدام الرضا هو جوهر الجريمة التي لا تنشأ إلا به فى القوانين الوضعية "وذلك مرده إلى أن محل الحماية الجنائية فى جريمة الاغتصاب هو حرية المرأة الجنسية ولا يتصور الإعتداء على هذه الحرية إلا إذا كان فعل الوقاع قد حصل دون رضاء المرأة، فإذا حصل الإتصال الجنسي بين الرجل والمرأة الراشدة برضاء هذه الأخيرة، فإن الفعل لا يشكل جريمة اغتصاب، ولكنه قد يشكل جنحة الزنا، أو جنحة ارتكاب فعل مناف للحياء إذا كان الوقاع قد حصل علانية".
ولعل الحقيقة التي لا يرقى إليها شك، والواقع الذي لا تسومه مبالغة، أن هناك بون شاسع بين نظرة الشريعة لجريمة الإغتصاب وبين القانون الوضعي، فالشريعة تعتبر كل وطء نجم عن علاقة غير شرعية فهو زنا محض وتعاقب عليه دون أن تعول على رضا الطرفين، فإذا أقدم العاجز على مغالبة نفسه، ومجاهدة هواه، لقهر امرأة ومواقعتها دون رضاها أو برضاها، فالعقوبة التى تطوله واحدة فى كلا الفعلين وهى الجلد للبكر الذى لم يسبق له الزواج، والرجم للمحصن، فالشريعة الإسلامية تتسم نظرتها للجريمة بالشمول "فكل اتصال جنسي يتم بين ذكر وأنثى متزوج وغير متزوج، يعتبر فى نظر الشريعة إثماً كبيراً ويدخل ضمن جرائم الحدود، بينما تتسم نظرة القانون الوضعى بالتخصيص، فإن ارتكب الإتصال الجنسي برضاء الطرفين وتوافرت فى إحداهما سواء الرجل أو المرأة صفة الزوج، كان ذلك فى نظر القانون الوضعي زناً يعاقب عليه بعقوبة الجنحة، فإن كان هذا الإتصال الجنسى بدون رضا المرأة وكرهاً عنها سواء كانت متزوجة أو غير متزوجة، وسواء كان من واقعها متزوجاً أو غير متزوج، فإن الجريمة تسمى بالاغتصاب أو مواقعة أنثى بغير رضاها".
فالقوانين الوضعية لا تعتبر كل فعل محرم زنا، وأغلبها كما رأينا يعاقب على الزنا الذى يبدر من الأزواج، ونجد أن القانون المصرى يعاقب على الوقاع فى حالة الإغتصاب، ولكن إذا تم هذا الفعل المشين الذى استهجنته كل الشرائع السماوية، والفطر السليمة، التى تستنكف عن فعله ومواتاته بالتراضى،"فلا عقاب مالم يكن الرضا معيباً، ويعتبر القانون المصرى الرضا معيباً إذا لم يبلغ المفعول به ثمانية عشر كاملة، ولو وقعت بناء على طلبه هو-فإن بلغها اعتبر رضاه صحيحاً، والعقوبة فى حالة الرضا المعيب بسيطة، لأن الفعل يعتبر جنحة ولا يتعدى الغرامة المالية"، وليس الأمر مقصوراً على القانون المصرى بل يتعداه إلى معظم البلدان الإسلامية والعربية.