القرار المستقل ...

القرار المستقل ...

عقاب يحيى

حين فجر شباب سورية ثورتهم.. لم يكن يدور بخلدهم أن سورية ستتعرض للتفتيت ومخاطر إبادة الدولة، وإدخالها ـ قسراً ـ مطحنة الحرب المذهبية..وأن تدول قضيتها وتصبح بين ايدي اللاعبين الصغار والكبار..

كانوا يحلمون بوطن محرر تجوب فيه الحرية نمطاً واسلوباً وحاضنة . أن ينهوا حكم الفئوية والاستبداد والتخريب والنهب لإقامة نظام يختاره الشعب، فينهض الدولة المدنية الديمقراطية . دولة الحق والعدل والمساواة للجميع..

ـ شعاراتهم المختصرة عبّرت بجلاء عن رؤاهم، فتمسكوا بها وهي تجوب الأفئجة والعقول فينضمّ إليها معظم الشعب، ويلتحق بها أملاً وطريقاً للخلاص من كابوس رهيب..

ـ لم يخطر ببال أحد أن يكون القرار الوطني مجالاً للرهان والمساومة.. إذ اعتقدوا أنه بديهية البديهيات.. وأن بلاد النور والتحضر والأبدية، وحادي ركب العرب في معظم المراحل يستحيل أن ترهن قرارها لحد كائناً من يكون ..

ـ لكن.. وقد دخلت على الخط عوامل قهرية كثيرة، وامواج متغيرة الاتجاهات، قوية الدفع والإغراء.. بدأ القرار الوطني ينوخ بما حمّله أهل المعارضة من رهانات.. ثم راح يغيب في طيّات التدويل والتدخل الخارجي الفج ..

                                        ******

حين كشّرت الطغمة عن أنيابها الطائفية الحاقدة، ولؤمها، وطبيعتها التدميرية الإبادية.. وحين راحت تقتل الحياة، وتبيد الشجر والحجر..وتقوم بكل أنواع القتل والاعتصاب والمجازر المدروسة.. نبتت فكرة التسلح دفاعاً عن النفس والعرض والأملاك.. وسرعان ما تطورت، ودخل على خطها كل ما هبّ ودبّ..

ـ وسرعان ما برزت مراهنات فجة على تدخل خارجي ظهر لأصحابه كأنه قريب وفي جيوبهم فراحوا يمهدون له الطريق، ويفرشونه بالوعود والتنازلات.. ولسان حال" الواقعية" يطغى فيلف كثيرين.. ويأخذهم في ركابه..

دخل الكثير لعبة الرهان، أو نفق التعويل على الخارج، بينما أخذ القرار الوطني بالتهميش محاصَراً، تضيق مساحاته لتفسح الطريق إلى ما يعرف ب"أصدقاء سورية" ووعودهم ومسرحياتهم.. ثم انكشاف مشاريع معظمهم، ونواياهم الحقيقية..

ـ بلدان الخليج.. ومع كل التقدير لما قدمته وتقدمه من عون في أصعدة مختلفة..اقتحمت الميدان السوري بقوة المال.. وإغراءات التسلل.. وكل منها له رؤيته، وله علاقاته، وله مشروعه.. فاختلط الحابل بالنابل.. بينما كان القرار الوطني ينسحب إلى الظلال.. حتى صارت التدخلات سافرة بكل صغيرة وكبيرة.. وكانت توسعة الإئتلاف المثال الفج والصارخ..والمدخل الأوضح لمستوى ذلك التدخل وموقعه فينا ..

                                           ******

القرار الوطني المستقل ليس أغنية، أو شعاراً نرددهما وكفى المعارضة " وطنية" ووعياً بمخاطر فقدان الزمام، وتأثيره على مستقبل البلاد وسيادتها.. إنه تحصيل جهد ورؤى سياسية، ومهمات برنامجية تعي طبيعة التحالفات وموقعها، وتفرّق نوعياً بينها وبين التبعية والإذعان للخارج ـ أيّاً يكون ذلك الخارج ـ ومهما كانت نواياه، ودوافع مواقفه، وبغض النظر عن مستوى دعمه، وعن حاجة الثورة إلى ذلك الدعم..

ـ نعم نحن بمسيس الحاجة لمساعدات الأشقاء المفتوحة المالية والإغاثية والتسليحية، وغلى دعم المجتمع الدولي مختلف الأشكال.. لكن هل يمكن أن يكون ذلك على حساب قرارنا المستقل، ومصالح ومستقبل بلادنا؟.. هل يمكن التفريط ـ تحت مسميات الحاجة والواقعية ـ بأهم مبررات وغايات الثورة وسرّ ديمومتها : سورية المستقلة، الموحدة، المحررة ؟...

ـ ألا يمكن أن نبني معادلة صحيحة تقيم التوازن بين علاقات تحالفية قوية مع الأشقاء والأصدقاء وبين صيانة وحماية قرارنا الوطني.. لنكون نحن اسياده، ونحن من يقرره، ونحن من يجوب العالم بحثاً عن الدعم، وبمبادرات سورية، تضع الحدود والتكتيكات اللازمة بين الضرورات والأهداف ؟..

ـ نعم يمكن ذلك حين تجتمع الإرادة. تتفق وتتوحد حول المشتركات . حين نثق بقدراتنا، وبأنفسنا، وببعضنا.. ونؤمن بعظمة بلد اسمه سورية الأبدية ..