ما هي حقيقة الموقف الإسرائيلي من سوريا؟
ما هي حقيقة الموقف الإسرائيلي من سوريا؟
ياسر الزعاترة
قلنا مرارا إن ثمة تناقضا في التصريحات السياسية التي يطلقها أركان الساحة السياسية والأمنية والعسكرية الإسرائيلي حيال سوريا، إذ يمكن لشبيحة بشار في الداخل والخارج أن يستشهدوا ببعض التصريحات التي تشير لعداء الصهاينة لنظامهم الحبيب، في ذات الوقت الذي يمكن لمؤيدي الثورة أن يسوقوا الكثير من الدلائل على العكس.
ما إن احتفل بعض مؤيدي الثورة بالتصريحات التي نسبتها التايمز اللندنية لمسؤول أمني إسرائيلي كبير، والتي تتحدث عن تفضيل بقاء بشار على مجيء إسلاميين متشددين للسلطة، حتى جاءت تصريحات أخرى لموشيه يعلون ووزير آخر تنفي ذلك، وتذهب في اتجاه آخر، ما دفع بعض مؤيدي النظام إلى استخدام ذلك في سياق من الاستخفاف باحتفال بعض مؤيدي الثورة بكلام التايمز، والتأكيد من جديد على نظرية المؤامرة الكونية ضد نظام المقاومة والممانعة!!
حين كتبنا عن الموقف الإسرائيلي من بشار بعد ما نقلته التايمز، قلنا بوضوح إن بوسع مؤيدي النظام أن يستندوا إلى تصريحات أخرى معاكسة، وقلنا إن ما نستند إليه في تقدير الموقف لا يتعلق بما ذكرته التايمز، ولا أي مسؤول إسرائيلي، بل بتحليل دقيق لعموم الموقف من خلال الممارسة العملية.
يشار هنا إلى أن نتنياهو كان قد طالب الوزراء في حكومته بعدم إطلاق أية تصريحات تخص الشأن السوري، لكن ذلك لم يوقف التسريبات والتصريحات، أكان من سياسيين، أم من محللين وصحفيين، وصولا إلى مسؤولين أمنيين وعسكريين. وهي في العموم تعكس اجتهادات سياسية، لكن الموقف الحقيقي هو ما تبلوره المؤسسة السياسية والأمنية والعسكرية، ويصبح موقفا رسميا يُعبَّر عنه من خلال التواصل مع الجهات المؤثرة.
هنا نقول بوضوح إن قراءة الموقف الإسرائيلي من النظام السوري، ومما يجري في سوريا لا يمكن أن تتم بدقة من دون النظر إلى الموقف الأمريكي، إذ أن واشنطن لا يمكن أن تتحرك في ملف كهذا من دون موافقة إسرائيلية، هي التي لا تتحرك شرق أوسطيا إلا بناء على رغبة تل أبيب.
الموقف الأمريكي عمليا هو الموقف الإسرائيلي، وهو منذ البداية عمل على إطالة أمد النزاع في سوريا من خلال السماح بمد الثوار بأسلحة لا تكفي للحسم (من القوى الداعمة طبعا)، وإن سمحت بالصمود، فيما تضيق الخناق على النظام بعض الشيء، بحيث لا يتمكن من إجهاض الثورة.
الرؤية التي تقف خلف ذلك كانت في البداية تدمير سوريا من أجل إشغالها بنفسها لعقود، وذلك قبل أن يتبين أن الموقف يمكن أن يكون أفضل من ذلك بكثير، إذ يجمع إلى تدمير سوريا وإخراجها من معادلة القوة الإقليمية؛ يجمع إلى ذلك استنزافا لإيران (سياسيا وماليا)، وكذلك لحزب الله الذي تحول حزبا طائفيا مكروها عند غالبية الأمة؛ كما سيدته إيران. ثم هناك استنزاف تركيا التي بدأت تشكل إزعاجا لتل أبيب في السنوات الأخيرة. وهي كذلك استنزاف للربيع العربي وتهديد لمكتسباته الآنية والقادمة، ومنعا لتمدده نحو دول لا مصلحة لتل أبيب في وصوله إليها بسبب مواقفها السياسية (الدول إياها تفعل ذلك من تلقاء نفسها). ولا تسأل بعد ذلك عن فتنة سنية شيعية قد تؤدي إلى اقتتال وربما تقسيم لسوريا والعراق، وهي فتنة ستستنزف مقدرات الأمة. ونتذكر في هذا السياق توصية مؤتمر هرتسيليا الأخير الذي يعتبر أهم مؤتمر يستشرف التحديات التي يواجهها الكيان الصهيوني خلال الأعوام المقبلة، حيث تحدثت التوصية عن تشجيع فتنة سنية شيعية.
إنها أرباح صافية يجنيها الصهاينة من حرب لا يدفعون فيها قرشا واحدا، ولذلك فإن استمرار النزيف هو الحل الأمثل الذي لا ينبغي التخلي عنه، وهو ما يترجم من خلال السلوك الأمريكي الذي تمليه المصالح الصهيونية ولوبياتها.
أما تفضيل بقاء بشار بعد هذا الاستنزاف الذي يطول وينبغي أن يطول ما أمكن، فيتمثل في الخوف من قضيتين، الأولى أن تأتي جماعات إسلامية إلى السلطة، أو حتى نظام سياسي يعبر عن هواجس الشعب الذي يرفض وجود الكيان من الأصل، أما الثانية فتتمثل في الخوف من سقوط الدولة في هاوية الفوضى التي تستغلها جماعات جهادية في مهاجمة الكيان الصهيوني. ولذلك يفضلون بقاء بشار ضعيفا ومنهكا كما قال دانيال بايبس، كبير منظري الصهاينة الأمريكان، بدل “ثوار إسلاميين منتصرين وهائجين”. وفي هذا السياق جاء تصريح قائد القوات الجوية الإسرائيلية الذي قال، بحسب رويترز “إن إسرائيل مستعدة لمهاجمة سوريا لمنع وصول أسلحة متطورة إلى المقاتلين الجهاديين أو حزب الله في لبنان في حالة سقوط الرئيس بشار الأسد”.
إنها الخلاصة التي تعبر عنها وقائع السياسة بعيدا عن تصريح من هنا وآخر من هناك، مع أن أكثرها بات يؤكد ما ذكر آنفا، لكننا نتحدث في سياق التحليل حتى لا يرد علينا أحدهم بتصريح آخر.
يبقى القول إن وضع الحب صافيا في طاحونة العدو من خلال هذا الصراع ليس ذنب الشعب السوري الذي خرج يطلب الحرية والتعددية مثل سائر الشعوب الأخرى، وإنما هو ذنب الطاغية ومن وقفوا معه ودعموه بدوافع تتراوح بين طائفية ومذهبية وحزبية لا تمت إلى الأخلاق بصلة.