أطالب بحل هذا المجلس!
بدر محمد بدر
يوم 20 يوليو من العام الماضي أصدر د. كمال الجنزوري رئيس الوزراء السابق قرارا، بعد أن قدمت وزارته استقالتها رسميا، بتجديد تعيين 27 عضوا من أعضاء المجلس الأعلى للثقافة.
كل هؤلاء الأعضاء الذين يمثلون هوية الشعب المصري، هم من رموز المشروع العلماني المادي، بدءا من أقصى اليسار الماركسي، وانتهاء بأقصى اليمين الليبرالي، دون أن يكون من بينهم أي من رموز المرجعية الإسلامية، التي هي الهوية الأصيلة لشعب مصر منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام، ودون أن يكون من بينهم أي رمز من رموز شباب الثورة، الذين تصوروا أن من حقهم أن يكون لهم تمثيل في مؤسسات الدولة، فلماذا إذن كان الاستعجال في تشكيل هذا المجلس؟!
لماذا لم يناقش أحد من الجهابذة في وسائل الإعلام، كيفية صدور مثل هذا القرار الغريب، ولماذا لم يكشف لنا أحد من هؤلاء الخبراء والمحللين، أسباب ودواعي الاستعجال في تشكيل المجلس الذي يمثل الثقافة المصرية، خصوصا بعد أن قدمت الوزارة استقالتها، ولماذا كل الأعضاء من تيار الأقلية العلماني، أم أنه الصمت المريب عندما يسيطر على مؤسسات الوطن شيوعيون ويساريون وليبراليون، بينما لا يجوز أن يتم اختيار أحد من ذوي المرجعية الإسلامية لأن ذلك "أخونة"؟!.
من حق الشعب المصري بعد ثورة يناير أن يختار بكل حرية من يعبر عن هويته وثقافته وتدينه، وأن يقدم للقيادة من شارك بالفعل والقول في صنع نهضته، ودعم صموده في وجه الاستبداد والقهر والفساد، ومن حق الشعب المصري كذلك أن يرفض استمرار بقاء هذه النخبة العلمانية، التي شاركت النظام السابق في تضليل الشعب طويلا، وساهمت في تدجين الثقافة والمثقفين عن طريق حظيرة السلطة، ونشرت الشللية وثقافة الإقصاء والفساد، في كل مؤسساتنا الثقافية والأدبية والفنية.
من حق الشعب المصري الحر أن يرفض استمرار من كانوا رموزا مكرمين في حضن النظام السابق، يتقدمون إلى ساحات التكريم والتبجيل، ويحصدون الألقاب والجوائز، ويتصدرون الصفوف والمناصب والغنائم، ومن حق الشعب المصري الحر أن يرفض كل من ساهم بشكل أو بآخر في قمع الحريات، وتزييف الوعي، وتزوير الديمقراطية، وأن يرفض كذلك كل من مارس ولا يزال، سياسة الإقصاء والتهميش والموت الأدبي ضد الآخرين من التيارات الثقافية والفكرية المخالفة لهم.
لست معنيا بذكر أسماء أعضاء المجلس الأعلى للثقافة، وأنا هنا لا أتعرض لذواتهم كأشخاص، لهم احترامهم وتقديرهم أيا كانت مساحة الخلاف الفكري معهم، ولكني لا أعترف بأنهم يمثلون الثقافة في مصر، أو يعبرون عن هويتها ومرجعيتها الإسلامية، أو لديهم القدرة على صنع مستقبل أفضل للثقافة بعد الثورة، لأنهم لم يفعلوا ذلك في السابق، ولن يفعلوه بالطبع في الحاضر أو في المستقبل بل إن منهم زيفوا الثقافة، وزوروا القيم، وأفسدوا المبادئ، وخدعوا هذا الشعب الكريم طويلا.
أطالب الدكتور هشام قنديل رئيس مجلس الوزراء بإعادة تشكيل المجلس الأعلى للثقافة، وكل المجالس الوطنية الشبيهة التي تمثل الدولة بعد الثورة، وأن يتم اختيار رموز ثقافية وأدبية، تعبر فعلا عن الهوية المصرية الحقيقية، التي استردها الشعب في ثورة 25 يناير، والدين والحضارة الإسلامية مكون أساسي فيها، وأصحاب المرجعية الإسلامية من المفكرين والأساتذة والنقاد، معروفون ومنتشرون في الجامعات والمؤسسات وغيرها.
إن طريقة تشكيل المجلس الأعلى للثقافة هي نموذج فقط لما حدث في بقية مؤسسات وزارة الثقافة، والتي لم تتغير أركانها المهيمنة والمسيطرة مع الأسف، منذ رحيل وزير حظيرة المثقفين العلمانيين فاروق حسني، إنها رأس الحربة ضد الثورة المصرية الآن.