صراع بين مشروعين ( 2 )
بدر محمد بدر
الصراع في مصر إذن يدور بين مشروعين: المشروع الإسلامي الواعد، الذي تمتد جذوره عميقة في التربة المصرية، والمشروع العلماني الغربي الوافد، الذي بدأ نجمه يأفل الآن لأسباب كثيرة، بعد هيمنة لأكثر من قرنين من الزمان.
لماذا يثور دعاة العلمانية، أي فصل الدين عن الدولة، من أقصى اليمين الليبرالي إلى أقصى اليسار الماركسي، كل هذه الثورة على السلطة الشرعية المنتخبة في مصر الآن؟ ولماذا يستخدمون كل هذه الأسلحة غير الأخلاقية، بما فيها تمويل أعمال البلطجة والفوضى وحرق مؤسسات الدولة، في مواجهة استمرار واستقرار الوضع الحالي الذي اختاره الشعب؟ ولماذا لا يستخدمون مثلا الأسلوب الحضاري الديمقراطي، الذي كانوا يتشدقون به صباح مساء، في إقناع الشعب بتغيير السلطة.
ولماذا لا يعطون الإسلاميين فرصتهم كاملة في إدارة شئون الحكم والدولة، رغم أنهم ليسوا في السلطة حتى الآن، ولا يعنى وجود رئيس ينتمي للإخوان المسلمين، أتى لأول مرة بانتخابات حرة ونزيهة، أن الإخوان يحكمون، حتى يتأكد الناس مثلا من فشلهم في إدارة شئون البلاد، ويومها سوف يتربع هؤلاء العلمانيون على مقاعد السلطة الوثيرة، ويعودون من جديد إلى ممارسة سياستهم التي عرفناها، كالاعتقالات والتعذيب في السجون والمحاكمات الاستثنائية والصورية والعسكرية!
مصادر قوة العلمانيين في مصر اليوم تكمن أولا في الدعم الغربي السخي لهم، ماديا ومعنويا وسياسيا، باعتبارهم جبهة الدفاع عن مشروعه ومصالحه، وثانيا في سيطرتهم على كافة وسائل الإعلام ومنافذ الرأي والتوجيه، وهيمنتهم الكبيرة في مجالات الأدب والفن والثقافة، حتى إن وصول الإسلاميين إلى بعض المؤسسات الإعلامية والثقافية، يكاد يكون مستحيلا، رغم مرور أكثر من عامين الثورة، فمازالوا يديرون 95% من وسائل الإعلام و100% من هيئات الثقافة في مصر!!.
لكن أبرز نقاط ضعفهم أن تاريخهم السياسي في بلادنا ارتبط بالاستبداد والفساد وموالاة السلطة وإقصاء المنافسين، إنهم بوضوح تلوثوا بالعمل مع الأنظمة الفاسدة طوال عشرات السنين، إضافة إلى انحيازهم الواضح ضد الحريات العامة وسيادة الشعب ماداموا هم في قلب المشهد أو مستفيدون منه بشكل أو بآخر ونظرة بسيطة لتاريخ القيادات السياسية والثقافية، التي تتصدر المشهد الآن بكل جرأة، ودورها أثناء النظام الذي قام الشعب بثورة ضده، تتضح معالم أزمة هذه النخب العلمانية.
العلمانيون أيضا لا يملكون مشروعا سياسيا واضح المعالم، يمكن أن يلقى قبولا في المجتمع المصري المتدين بطبعه، وتكون له المقدرة على المنافسة الشريفة والحرة مع المشروع الإسلامي، عميق الجذور في التربة المصرية، على الرغم من ادعائهم المستمر بأن الإسلاميين لا يملكون مشروعا سياسيا، وبالتالي ليس لدى هذه التيارات العلمانية تواجد يذكر بين الناس، يمكنهم من الحلم بالمشاركة في السلطة ناهيك عن توليها، وهذا هو السر في رفضهم الاحتكام لإرادة الشعب الآن.
"الخائفون من الديمقراطية" سوف يعملون بكل وضوح مع أي فصيل، مهما كانت جرائمه وفساده، من أجل حرمان هذا الشعب من استكمال طريق الحرية والعدالة وسيادة القانون، وسوف يبذلون كل ما استطاعوا من مال وجهد ونفوذ، بهدف إجهاض حلم المصريين بعد الثورة في تحقيق النهضة والأمان والاستقرار والحياة الكريمة، حتى لو أدى هذا إلى التحالف مع الشيطان، والتنسيق مع الأعداء، والتعاون مع من لا يريدون لنا أي خير، لكن هؤلاء في النهاية عاجزون وفاشلون.
خيانة العلمانيين للديمقراطية، ورفضهم الخضوع لإرادة شعب مصر بعد الثورة، وتحالفهم مع أعداء الثورة لإسقاط الشرعية السياسية لأول رئيس مدني منتخب، هو دليل واضح على أفول هذه الحقبة المريرة من تاريخنا، وبداية عهد جديد.