بين ( فيتوات ) بوتين الأربعة و( لاءات ) أوباما المفتوحة
سنة خامسة ثورة
الدم السوري المسفوك ظلما
كلمة للتاريخ
بين ( فيتوات ) بوتين الأربعة
و( لاءات ) أوباما المفتوحة
زهير سالم*
رسخت في أذهان السوريين أصداء (الفيتوات) الأربعة التي اتخذها بوتين ضد إرادتهم وثورتهم . ظل إعلام هوليودي مهني يكرر في صور بصرية مؤثرة صورة ذراع ( تشوركين ) ترتفع للفيتو وتنخفض ببطء حركي مقصود ، ليرسخ تاريخيا في أذهان السوريين ، أن الروس هم ( العدو ) ، وبالمقابل فإن الآخرين هم ( الصديق ) ...
بكل تأكيد فإن عداوة الموقف ( البوتيني الروسي ) للشعب السوري وثورته وحريته ثابتة لا جدل ولا مراء فيها . تؤكد أربعة فيتوات روسية في مجلس الأمن إلى جانب سيل من المواقف والقرارات والسياسات العملية على الأرض العداوة البوتينية الروسية للثورة السورية وللشعب السوري ؛ ولكنها لا تثبت بأي شكل من الأشكال صداقة مواقف الدول التي تظاهرت بالمخالفة لهذه الفيتوات ، أو بالاحتجاج عليها .
وقبل أن نشرح في هذه المقاربة حجم ووزن ( اللاءات ) الأوبامية المتوحشة ضد الشعب السوري وأبعادها ؛ من المهم أن نشرح ما مدى الفائدة العملية من إثبات هكذا حقيقة في مثل الظرف الذي يعيشه الشعب السوري والثورة السورية . سؤال يطرحه عليّ ناصحون مذكرين دائما بوجهات نظر ( توازنية ) يرون أن طرح هذه الحقائق يحرجنا ولا يخدمنا . ودائما آمنت أن ( المعرفة يجب أن تنير دربنا ) . والقضية في هذا الموطن ليست قطعا للطريق على عمل سياسي يريد أن يستثمر في الممكن ؛ وإنما هو محاولة لوضع حد لمقامرات خاسرة في ظرف لم يعد يحتمل الكثير من المقامرات أو من المراهنات أو من إخفاء العجز بالتظاهر في انتظار ( غودو ) ثم الاعتذار أنه وعد ولم يأت ...!!
كلام كثيرا ما نسمعه من شخصيات احتلت مواقع متقدمة في مجموعات صنع القرار على مستوياتها المختلفة ؛ ثم نسمعهم يعتذرون : لم يساعدونا ..لم يؤيدونا .. لم يعطونا !!! الفقيه السياسي دائما ألح على أن قبول الولاية أي ولاية هو عقد بين متعاقدين . وقبول الولاية بشرطها وظرفها تسقط كل هذه الأعذار التي يتعلل بها المعتذرون ، إن لم ... فلا ..
نعود إلى لاءات أوباما الكارثية اللاأخلاقية التي كان لها دورها منذ الأيام الأولى للثورة السورية في سفك دماء السوريين ، وفي تدمير بلادهم ، والتي أدت على المستوى الإنساني والسياسي الأمريكي إلى استقالة كوادر مهمة في الإدارة الأمريكية بينما كانت بالنسبة إلى لقادة السادة من السوريين بوقع ( ما لجرح بميت إيلام ) كما قال الشاعر العربي ...
كانت ( اللا ) أوبامية الأخطر وما زالت بالنسبة للثورة السورية هو رفض أوباما المبدئي الاستراتيجي انتصار الشعب السوري ، والثورة السورية ، وتمسكه دائما ومن يدور في فلكه بما يسميه تمويها ورواغا ( الحل السياسي ) . أي الإبقاء على القتلة والمجرمين في قواعد النظام الأسدي من عسكريين وأمنيين وطائفيين في شراكة تسمى زورا ( وطنية) !! وهذه الشراكة في حقيقتها مدخل من مداخل الهيمنة ، والالتفاف على إرادة الأكثرية الشعبية التي تم سحقها على مدى عقود . وحتى لا يفهم هذا الاعتراض خطأ ؛ فإن الثورة السورية والثوار السوريين لم يتوعدوا أحدا من أعدائهم وخصومهم ( بالاجتثاث ) على الطريقة الأمريكية (البريمرية) في العراق . يبقى هناك مساحة كبيرة فيما نظن بين حبل المشنقة الذي علق عليه القادة العراقيون وبين أن تكون شريكا في نظام وطني يحرص على أن يكون بديلا لقاعدة الاستبداد والفساد وسفك الدماء ...
وكانت ( لا ) أوباما الكارثية الثانية رفضه إعمال قوانين الأمم المتحدة وقوانين المنظمات الإنسانية في ( حماية المدنيين ) في سورية . وقد صبر السوريون ثمانية أشهر تحت حر القتل وعار الاغتصاب وبشاعة الاعتقال وهم يتظاهرون بلا عصا ولا حجر ، وظل أوباما يدير ظهره للمشهد مكتفيا بتصريحات بلاغية باردة لا تحمي من قتل ، ولا تصون من توحش..
وكانت ( لا ) أوباما السوداء الثالثة هي رفضه وما يزال ، كل العروض الدولية والإقليمية لإعلان ( منطقة آمنة أو عازلة ) في سورية ، تحمي المدنيين من جرائر القصف الوحشي لطائرات بوتين وبراميل بشار الأسد . وكان الناتج الأقرب لهذه ( اللا ) السوداء هو تزايد عدد اللاجئين السوريين بالشكل الذي لم يشهد له التاريخ الإنساني مثيلا كما تقول المنظمات الحقوقية . وعلى الرغم من وجود خطط دولية وإقليمية تقدمت بها تركية وأيدتها دولة كبرى مثل فرنسة لتنفيذ قيام هذه المنطقة في الشمال ؛ إلا أن ( اللا ) الأوبامية ظلت لمثل هذه الخطوة بالمرصاد . وكانت ( اللا ) هذه في أثرها وتداعياتها أقسى وأكثر توحشا من كل فيتو اتخذه بوتين ومن شؤم كل ذراع رفعها تشوركين ...
أما ( لا ) أوباما الرابعة فقد تمثلت وما تزال ، في قرار القاطع الظالم أوباما ( لا ) لتسليح الثوار السوريين تسليحا مكافئا للمعركة التي يخوضونها . وتحت شعار منع الأسلحة الفتاكة ، وشعار المعارضة المعتدلة ؛ تم وضع قيود لا سقف لها على أي جهد لتسليح الثورة السورية وثوارها . ولم تتوقف (اللا ) أوبامية بالامتناع عن تسليح الثورة السورية كما سلحت روسية وإيران بشارا وعصابته ، بل إن أوباما وظف كل إمكانات الولايات المتحدة الاستراتيجية في منع دول الإقليم من إمداد الثوار السوريين بما يحتاجون . وهكذا أمّنت ( لا ) أوباما هذه طيران بشار الأسد القاصف الحارق المدمر القاتل من التسيد في الفضاء السوري ، ومن قتل عشرات الألوف من السوريين ومنهم آلاف الأطفال والنساء ، وتشريد مئات الألوف بل الملايين منهم . وذلك بإصرار أوباما على منع أي مضاد للطيران من الوصول إلى أيدي الثوار .
( اللا ) الخامسة من اللاءات التي تكفي كل واحدة منها لتقديم أوباما إلى محكمة الجنايات الدولية كشريك في حرب الإبادة التي تنفذ على الشعب السوري تمثلت في امتناعه عن الوفاء لخطه الأحمر بعد جريمة الغواطة في ليل 21 / 8 / 2013 عشية استعمال غاز السارين ضد المدنيين العزل الأبرياء . ولاسيما بعد أن أثبتت التسجيلات أن البنتاغون الأمريكي كان قد التقط الترتيبات للجريمة قبل حدوثها . مما يخوله بمكالمة هاتفية أن يحذر منها أو أن يمنعها . كان شريكا نعم كان شريكا وكل ما سمعناه بعد كان تفاصيل هوليودية ومكياج تجميل إنساني
هذه قبسة من لاءات أوباما الكارثية في الملف السوري ، وهي لاءات مفتوحة لمن أراد الاستقصاء أكثر . ولا ندري إن كان الرئيس باراك حسين أوباما سيكون أول رئيس أمريكي . يوصف بمجرم الحرب بعد أن تكتشف الإنسانية المزيد من أوراق الجريمة النكراء ...
الذي نحن متأكدون منه أن قيادات أمريكية عديدة رفضت أن تتحمل مع أوباما أوزار سياساته الإجرامية في سورية . منهم السفير الأمريكي السابق في سورية روبرت فورد ، ومنهم منافسة أوباما على كرسي الرئاسة في الحزب الديمقراطي ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون ، ومنهم تشاك هيغل وزير دفاعه ومنهم ومنهم ...
كلهم أبت عليهم ضمائرهم أن يكونوا شركاء أوباما في الجريمة جريمة إبادة الشعب السوري وتدمير سورية موطن الحضارة الأول في تاريخ الإنسان...
لكم أن توازنوا دائما بين لاءات أوباما وفيتوات بوتين ولكم وحدكم اتخاذ القرار من هو منهما العدو ومن هو الأشد عداوة ...
* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية