دموع في غير محلها
زهير سالم*
( إن درجة عالية من التهميش والإقصاء مورست على الغالبية العظمى من الساسة والمنشقين ) د. وائل ميرزا
كتب اليوم الدكتور وائل ميرزا وأظنه عضو الائتلاف الوطني مقالا في جريدة المدينة السعودية يتوجع فيه من الإقصاء والتهميش الذي يعاني منه المنشقون السياسيون في إطار الثورة السورية ويواجه به الثوار السوريين بما سماه ( أسئلة صريحة تواجه الثورة السورية )
وشرح الكاتب في مقاله هذا ما يعانيه هؤلاء المنشقون السياسيون من تهميش وإقصاء ولحظ الازدواجية في تعامل الثورة بين المنشق العسكري والمنشق السياسي .
ومع الاحترام الكامل للزميل الكاتب إلا أننا من حقنا أن نذكر أن كراسي السلطة التي أخلاها هؤلاء المنشقون لم تبرد بعد . تلك الكراسي التي مارسوا من فوقها أكبر عملية استئصال وإقصاء عاشها شعب بأسره على مر التاريخ .
يذكر متلمسو الحكمة من شهر الصوم أن ربنا فرض علينا الصوم لحكم منها أن نجوع شهرا فندرك مرارة الجوع لمن يجوع دهرا . لعل في بعض الإقصاء والتهميش – إن صح كما يقول الكاتب – أن يذوق جانيه وممارسه على الناس على مدى أربعين عاما بعض مرارته . ولاسيما ونحن لم ندخل بعد في فصل جني وحصاد ..
وربما لو أتيحت لي فرصة لكتابة مقال في جريدة المدينة لادخرته للتوجع لشهداء سورية وأيتامها وأراملها وجرحاها ومشرديها ولم أضيع الفرصة للتوجع للذين انتقلوا من قصر إلى حضن . ولولا شعوري أن المقال له ما بعده ، وأن مؤامرة كبرى تحاك لهذه الثورة . وأن المقال في سياق مقالات أخرى يشكل نوعا من رمي التمهيد لتمرير لعبة إعادة القسمة بين الحرس الصاعد والحرس النازل لما يظنه البعض كعكة الثورة ؛ ما أضعت وقتا في كتابة هذه الكلمات .
في التوجع مما يعانيه المنشقون السياسيون من إقصاء يتساءل الكاتب عن سر الثنائية في موقف الثورة السورية من المنشق العسكري والمنشق السياسي . ولماذا نحن أكثر احتراما للأول من الثاني ..ومع أن القاعدة المشار إليها ليست على إطلاقها ؛ إلا أن الكاتب يعلل ذلك تعليلا غير موضوعي ولا دقيق ويخفي في طيات هذا التعليل موقفا اتهاميا للوعي الشعبي والوعي الثوري . فيتساءل هل هذه الازدواجية بسبب جنوحنا إلى احترام القوة والأقوياء الذين يتجسدون بالثوب العسكري ؟!
وظاهرة اتهام الوعي الشعبي والوعي الثوري لمسناها ابتداء عند بشار الأسد . ثم بدأنا نسمع نغمتها من معارضة المعارضة الذين كانوا إذا تحدث بعضهم على الفضائيات اتهموا شعبنا بالتخلف والجهل والقصور وانعدام الفهم . والغريب أن النبرة الفوقية نفسها بدأت ترشح هذه الأيام من بعض من أريد لهم أن يمثلوا هؤلاء الثوار الأبطال.
أقول ابتداء إن الظاهرة التي رصدها الزميل الكريم من الثنائية في التعامل مع
المنشق السياسي والآخر العسكري ليست على إطلاقها أبدا . صحيح أن المعارضة استقبلت
انشقاق المقدم حسين هرموش والعقيد رياض الأسعد وزملائهما باحترام كبير إلا أنها لم
تفعل الشيء نفسه مثلا مع العميد مناف طلاس وهو عسكري وقوي في الوقت نفسه ..؟!
وإذا ما كان هناك حقيقة لقاعدة التفاوت في الترحيب فإن ذلك لم يرتبط بمنشق مدني أو
عسكري بقدر ما ارتبط بقرب المنشق من حلقة النظام الداخلية وخدمته فيها .
ثم لا يمكن أن ننسى أن المجتمع السوري بكليته كان ينظر إلى كل أبنائه في البنية العسكرية على أنهم لبنات في مشروع الغد المأمول . وكان الجميع يدرك كم يعاني هؤلاء الأبناء في وجودهم هناك من تمييز واضطهاد . كلنا أدركنا ذلك يوم خدمنا الخدمة الإلزامية كانت العيون دائما تؤدي رسائلها بصمت حزين . كان الضابط الكبير يحجب كلماته بدخول حاجبه . لا أدري إذا كان الزميل كاتب المقال قد جرب هذا أو مر به أو أدى الخدمة الإلزامية كما أديناها ، كانت هذه هي النظرة المكرسة لكل عسكري في بنية هذا الجيش ؛ بينما كانت النظرة الأخرى لمن هو في صفوف الإدارة والحزب على أنهم جزء من منظومة الاستبداد والفساد . كان هؤلاء في نظر كل الشرفاء جزء من منظومة الاستبداد والفساد من الذين طالما استبدوا واستأثروا بالموقع و الفرصة ومكنوا المستبد من ظهور مواطنيهم وطالما عاثوا فسادا في أموال أهليهم وأعراضهم وعبثوا بجراحهم وعلى الأقل سكتوا عن ظلمهم وغطوا على جرائم الظالم في النيل منهم.
أعتقد أن على هؤلاء في هذه المرحلة أن يكونوا قانعين بالسير في ركب الثورة وأن يقبلوا إن كانوا صادقين أن يخدموا وطنهم ولو لفترة وجيزة في الصفوف الخلفية .لن يضيرهم ذلك وربما الوقت وحده هو الكفيل ببرء الجراح . ليس من الحكمة أن يقفز بهم البعض من صهوة إلى صهوة نخشى نحن المستضعفين البسطاء المغفلين على قول والمقفلين على آخر أن نلمح بأيديهم نفس الكرباج ...وأن نشعر أننا بحاجة إلى ثورة على الثورة التي تريد أن تبقينا تحت نفس البسطار ..
* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية