"هيكل".. منتهي الصلاحية
"هيكل".. منتهي الصلاحية
علاء الدين العرابي
عضو رابطة الإسلام العالمية
في حديثه على قناة " سي بي سي " الفضائية وصف الأستاذ هيكل الرئيس الأمريكي الأسبق كارتر أنه قد انتهت صلاحيته ثم وصف نفسه أيضا بهذا الوصف ، وهو محق بالقطع في هذا ، لأن الكثيرين من أمثال هيكل قد تجاوزهم الزمن ، ورغم ذلك لا يزالون يعتبرون أنفسهم أوصياء على الحاضر والمستقبل ،كما كانوا أوصياء على الماضي ، فهو لا يزال مصرا على أن يضع بصمته على الواقع
وهنا أشير إلى موقف أحد الرموز المصرية الذي يحترم ذاته رغم قامته العلمية الكبيرة وهو الدكتور فاروق الباز عندما دعي إلى حوار التأسيسية فكان رده أن أمثاله لا يجب أن يشاركوا لأن الشباب هم الذين سيصنعون المستقبل
الأستاذ هيكل لا يزال يعيش في قصة الرئيس عبد الناصر كما يعيش الكثيرون غيره ويأبى أن يتجاوزها ، بل ويعتبر تلك القصة هي الكتاب الأوحد الذي يجب أن يُرجع إليه لرسم خارطة المستقبل ، على الرغم من أن نهاية القصة الناصرية كانت مأساوية كما نعلم ، وقد مات بطلها مات حسرة
الملاحظة الهامة في حديث الأستاذ هيكل أن مخزون التجارب الغربية لديه طاغ ، ويكاد المخزون الإسلامي ضئيل ، وهذا شأن كثير من العلمانيين في مصر ، فهم يتحرجون من استدعاء التاريخ الإسلامي ، وقد تضيق ذاكرتهم عنه لأنه ليس مصدرهم المفضل ، في حين تتسع ذاكرتهم لتاريخ الغرب القديم والحديث
ولكنه أحيانا يقدم معلومة إسلامية – وهذا قليل جدا – يستدعيها خارجة عن دلالاتها الحقيقية ، في معرض هجومه على أصحاب الفكر الإسلامي ، فكثيرا ما يستقطع عبارة من الحديث الشريف وهي " أنتم أعلم بأمور دنياكم " ليستدل بها على انفصال الدين عن السياسة ، وبالتالي يحرم على جماعة الإخوان المسلمين وغيرها ممارسة السياسة
في حديثه الأخير هجوم على جماعة الإخوان المسلمين كعادته ، ولكنه استخدم هذه المرة تعبيرا جديدا فوصفها بأنها " ظاهرة صوتية " وسبق أن قال أن الجماعة يجب أن تحل نفسها ، وعندما أراد أن يسدي نصيحته للرئيس القادم من هذه الجماعة نصحه بأن يرأس الوزارة بنفسه كما فعل بطل قصته الملهم عبد الناصر في الخمسينات ، وأن يفوض قادة ما تسمى بجبهة الإنقاذ تفويضا كاملا في كل ملفات تلك الوزارة ، ولا يخفى علينا أن هؤلاء من تلاميذه ومن نفس مدرسته فحمدين من مدرسة عبد الناصر وعمرو موسى والبرادعي من المدرسة العلمانية
المشكلة لدى هيكل أنه يعادي الفكرة الإسلامية ، وعدائه لهذه الفكرة يجعله يعادي أصحابها ، وهو لن يقتنع بأن رئيسا من التيار الإسلامي يمكن له أن ينجح في مهمته ، كما لا يقتنع تلاميذه بذلك
يظن هيكل ويظن مريدوه أن ما يطرحونه هو الصواب دائما ، حتى وإن قال الشعب غير ذلك ، رغم أن في طرحه ما يوحي بالسذاجة أحيانا فعندما يصف الدستور الذي صوت عليه الشعب بنسبة تقترب من الثلثين بأنه الطريق إلى النازية ، ولا يجب أن يفوتنا أننا سمعنا كلمة النازية وهتلر من تلاميذ الأستاذ هيكل في معرض اعتراضهم على الإعلان الدستوري ، فهل هذا توارد أفكار أم تنسيق بين أستاذ وتلاميذه ، وإني لأستغرب أي نازية تلك وقد سلب الدستور الرئيس صلاحيات كثيرة حتى بدا وكأنه رئيسا بلا صلاحية ، وأي نازية تلك التي تجعل الرئيس يتراجع عن قراراته استجابة لمعارضيه وحتى لا يحترق الوطن ، وأي نازية تلك التي تجعل رئيسا منتخبا يطاله الإعلام ليل نهار سبا وتجريحا ، وتطاله ألسنة من يسمون أنفسهم بالنخب على ساحات هذا الإعلام ثم يكونوا طلقاء ، وأي نازية تلك التي تجعل أتباع جبهة الإنقاذ يرمون موكبه بالملوتوف بل ويتبولون على جدران قصره
أظن أن هيكل قد صدم بنتيجة الجولة الثانية من الاستفتاء كما صدم قادة جبهة الإنقاذ ، فقد رأى في نتيجة الجولة الأولى أن مصر ذاهبة للعلمانية ، وأن زمن الإخوان في طريقه للنهاية ، وقد كنت أتمنى منه ألا يصدر حكمه على تجربة الإخوان في الحكم بالفشل خصوصا وأنهم لا يزالون على أبواب التجربة ، وهو الذي أعطى عبد الناصر ورفاقه الوقت الطويل يتعلمون السياسة في شعب مصر ، فقد كانوا حديثي السن والعهد بها فجميعهم لم يكونوا خبراء في السياسة قبل خوض التجربة ، وقد مارسوا أفظع ما مارست النازية
وأخيرا أعتقد أن هيكل لا زال يعيش في الماضي أسيرا لتجربة عبد الناصر الذي كان فاعلا فيها ، ولا زال يعيش في جلبابه ، كما كان يعيش القذافي ، وكما يعيش حمدين فأما الأول فقد ثار عليه شعبه وقتله ولم يشفع له هذا الجلباب ، وأما الثاني فقد صوت أهله في بلطيم بنعم ولم يستمع لندائه الرافض للدستور.