بعد تعزز دور جنود خمنئي وحزب الله في الحرب على الشعب السوري
بعد تعزز دور جنود خمنئي وحزب الله في الحرب
على الشعب السوري
استحقاقات إستراتيجية وتكتيكية...
زهير سالم*
( ليس مقالا عابرا إنه كلام له استحقاق .. اللهم فاشهد )
لم يعد سرا أمر مشاركة مقاتلين من إيران والعراق وحزب الله في الحرب التي تشنها عصابات الأسد على الشعب السوري . إن تصريحات كبار الساسة الإيرانيين أنهم لن يسمحوا بإسقاط بشار الأسد ، ونداءات آيات الله المتكررة والمتعالية لنصرة ( أهل البيت ضد من يسمونهم بالنواصب ) ، ثم مجاميع المقاتلين المتسللين من العراق والذين قال عنهم مقتدى الصدر أنهم يبادرون إلى الذهاب إلى سورية بغير إذنه ، أو مجاميع أولئك اللاجئين العراقيين الذين استطاعت أجهزة الأمن السورية أن تجندهم ضد الشعب الذي استضافهم على مدى عشر سنوات . ثم اعترافات حسن نصر الله المعلنة بكل التبريرات التي قدمها لدور دفاعي لمقاتلي هذا الحزب مع تركه الباب مفتوحا لإمكانية تصاعد هذا الدور فيم لو طلب النظام السوري من الحزب ذلك ؛ إن كل أولئك الأمور تجعل من اشتراك مقاتلين على خلفية مذهبية قتل السوريين وقتالهم حقيقة واقعية ذات استحقاقات استراتيجية وتكتيكية متعددة الأبعاد .
إن حقيقة اشتراك مقاتلين على خلفية مذهبية طائفية في الحرب على الشعب السوري أصبحت أمرا واقعا . وهذه الحقيقة لم تعد تعتمد في توثيقها على ما يؤكده الثوار على الأرض من وجود المقاتلين ( الإيرانيين والعراقيين والحزبللاوين ) في مواقع المواجهة المختلفة على الأرض السورية ، وما يلحظونه فيها من الدور الخاص للقناصة الإيرانيين الذين يستهدفون الأطفال في الأحياء السورية بشكل خاص ؛ وإنما أصبحت هذه الحقيقة واقعا سياسيا واستراتيجيا يعترف بها السياسيون ويهددون بها ويراهنون عليها . حقيقة يوثقها واقع دام على الأرض ويروح ضحيتها الآلاف من أبناء الشعب السوري ، وتنذر بمستقبل للصراع ربما يكون أكثر عنفا ودموية وانتشارا ..
إنه واقع استراتيجي وتكتيكي جديد يُفرض على الشعب السوري ، وعلى الساحتين الإقليمية والدولية ينبغي أن تكون له استحقاقاته من كل المعنيين بالمنطقة وشعوبها ومستقبل عقيدتها وثقافتها وأجيالها .
إن من أهم استحقاقات هذا الواقع أو هذا التحدي أنه لم يعد يجدي تجاهله ، أو السكوت عليه ، أو تسميته بغير اسمه . الحقيقة التي لا يجوز تجاهلها أن هؤلاء المقاتلين – الإيرانيين والعراقيين والحزبللاوين - إنما يندفعون إلى المعركة على خلفية عقائدية مذهبية غارقة في التعصب والقسوة والجهل .
لقد أراد شعب سورية العظيم لثورته أن تكون ثورة سلمية فأصر بشار الأسد على الزج بها في مستنقع الدم والعنف . ونجح في ذلك ليس لأنه كان قادرا على النجاح وإنما لأن القوى الدولية والإقليمية التي تراخت في الأخذ على يد القاتل ووضع حد لجرائمه هي التي أعطته الفرصة لهذا النجاح ...
ولقد أراد الشعب السوري لثورته أن تكون ثورة وطنية تنشد بناء إعادة بناء سورية دولة حديثة تمثل مجتمعا مدنيا موحدا فأصر بشار الأسد أن يلقي على هذه الثورة رداءه الطائفي وان يخرج بها من إطارها السوري إلى إطارها الإقليمي وها هو مرة أخرى يعطى الفرصة لتحقيق النجاح ..
لا يمكن لقوى المعارضة السورية ولا للشعب السوري بعدُ أن يتجاهلوا حقيقة أنهم يخوضون صراعهم مع نظام الاستبداد على ثلاث مستويات : مستوى دولي تنغمس فيه روسية بطاقاتها وخبرائها وعتادها وقرارها الدبلوماسي . ومستوى إقليمي لا تكتفي فيه إيران وحلفاؤها في المنطقة بتقديم الدعم المادي واللوجستي والمعنوي لبشار الأسد بل تتجاوز ذلك لتشارك هذه القوى ذات الطابع المذهبي الطائفي في العمليات الدائرة على الأرض من حي إلى حي ومن بيت على بيت ..
ثم المستوى الثالث هذا الصراع العملياتي اليومي الذي أردناه جميعا مدنيا سلميا وأصر بشار الأسد والمجتمع الدولي المتماهي معه على الذهاب به إلى حيث هو اليوم .
فإلى أي مدى يستطيع الشعب السوري أن يتجاهل أبعاد هذا الصراع ؟ وأن يخفي حقيقته ولاسيما في مستواه الثاني وأن يداري عليها ؟ ! وإلى أي مدى يستطيع أن يحتفظ بشعاره الوطني وهو يواجه حربا طائفية مذهبية إقليمية تعلنها عليه دول ومنظمات وتنظيمات كلها يجمعها الموقف الطائفي المقيت ؟
ألا يجب أن يسمع الشعب السوري من يقول له : لست وحدك في هذا الصراع المفتوح على أبعاده الدولية والإقليمية والطائفية المذهبية . أن يسمع من يقولها بلغة عملية استراتيجية مكافئة تحافظ كما يقولون على التوازن الاستراتيجي في مدخلات هذا الصراع وليس بلغة خطابية مع كل ما في لغة الخطابة من طنين ؟
ندرك أننا لا نملك تأثيرا فعليا أو عمليا في الموقف الدولي ، الذي لا تصعب علينا قراءته متماهيا مع اللعبة الشيطانية القذرة على أرضنا . مع أن التردد والتخاذل في الموقف الدولي حيال الصراع على الأرض السورية مما لا تسهل قراءته لمن يريد أن يتمسك بالاتجاه المعلن للسياسات الإنسانية والحضارية المتمثلة في دعم حركة الشعوب في اتجاه بناء مجتمعات الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان من جهة وفي اتجاه السياسات المزعومة الداعية إلى الحد من نفوذ إيران من جهة أخرى .
إن اللعبة الشيطانية القائمة على تأجيج الصراع المذهبي في المنطقة – الذي نرفضه ونأباه – تقتضي من القائمين على هذه اللعبة أن يعملوا على تمكين إيران من حد من القوة يساعدها على استدامة هذا الصراع ؛ ومن هنا فقد تم تقديم العراق لها على الطبق الذهبي ، وما يزال العالم يساعدها على الاحتفاظ بسورية كمنطقة نفوذ لتكون أداة على كبت تطلعات الشعب السوري نحو التحرر والتحرير ..
إنه حين يصر المجتمع الدولي حتى اليوم على قراءة الصراع في سورية خارج هذا الإطار فهو يتهرب عمليا من تحمل مسئولياته الإنسانية والسياسية ..
وحين تصر بعض القوى الإقليمية الرسمية والشعبية على قراءة الصراع خارج هذا الإطار فهي تتهرب عمليا من تحمل مسئولياتها الإسلامية والقومية ..
وحين تمتنع المعارضة السورية بكل مرجعياتها عن وضع الصراع في إطاره الحقيقي ، وتسمية الأشياء بأسمائها ، وتداهن للدولي والإقليمي والرسمي والشعبي العربي والإسلامي تحت عناوين الدهان المختلفة ؛ فهي لا تستهين بدماء شهداء سورية فقط و لا تغامر بمستقبل الثورة السورية فقط ؛ وإنما تغامر بوجود الشعب السوري وهويته ومستقبل أجياله .
إن من أهم استحقاقات انخراط المقاتلين الطائفيين بخلفيتهم المذهبية في الصراع اليومي الدائر على الأرض السورية أن يحدد المجتمع الدولي يمؤسساته وكذا القوى الإقليمية ومرة أخرى نصر على الحديث عن الرسمية والشعبية موقفها من هؤلاء المقاتلين . لقد أصبح من ازدواج المعايير المقيت أن يوصم ( الصريخ ) العربي والمسلم ب( الإرهابي ) بينما يغض الطرف عن هؤلاء المجرمين الطائفيين الذين يذبحون في سورية الأطفال وينتهكون الأعراض إن المجازر التي ارتكبها هؤلاء المجرمون ويرتكبونها بحق الشعب السوري فاقت كل حدود التصور. يجب أن يضع المجتمع الدولي حدا لإطلاق وصف الإرهاب على الهوية . ولا يجوز أن يتحمل الشعب السوري وحده إثم هذا الازدواج .
لقد قلنا ونكرر تمسكنا بسلمية ثورتنا أشهرا طوالا وما زلنا حريصين على ذلك ؛ ولكن المجتمع الدولي بتخليه وتراخيه هو الذي ساعد بشار الأسد على النجاح في دفع هذه الثورة إلى خندق الدفاع عن النفس . وأردنا وما زلنا حريصين على أن تبقى ثورتنا وطنية بكل آفاق الكلمة ؛ ولكن هل من فرصة تعطى لهذه الإرادة النبيلة ونجن نسمع ونرى ما يقوله ويفعله آيات الله في طهران وفي العراق وفي لبنان ؟! ؛ إن سكوت المجتمع الدولي عن التدخل الروسي والإيراني وتوابعه الطائفية كما أشرنا إليها لا يتساوق مع ما يستنكره من وصول أفراد مناصرين للشعب السوري على خلفية وصفهم بالإرهاب . إن المبادرة الدولية والإقليمية العملية الرشيدة والمتوازنة تجاه جميع الأطراف وبالقدر نفسه هي وحدها هي التي يمكن أن تضع حدا لكل هذا الذي يتخوف منه المتخوفون ..
إن الاستحقاق التكتيكي الذي يجب أن تدركه قيادات الثورة على الأرض أن قتال هؤلاء المستنفرين من إيران أو العراق أو حزب الله ليس كقتال طلاب المغانم من جنود الكتائب الأسدية حتى الطائفية منها . يجب أن نعيد حساباتنا فهؤلاء لا يقاتلون عمليا قتال ( الموظفين ) . وبالصراع معهم سيجد ثوارنا أنفسهم أمام مقاتلين من نوع آخر، مقاتلين ( عقائديين ) ( متعصبين ) ( قساة ) . الصراع مع هؤلاء سيكون صراعا في أفق آخر مما يقتضي أن يعد للأمر عدته ...
من جهة أخرى إن على كل مسلم يبعثه الشعور بالمسئولية الشرعية لنصرة إخوانه في سورية أن يقف عند قول الرسول الكريم صلى الله وسلم عليه : لا يؤم الرجل في سلطانه . إن نصرة الأخ لإخوانه ينبغي أن تكون تحت قيادتهم وفي خدمة مشروعهم : إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ ...
* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية