من يتعاقد معي ؟
من يتعاقد معي ؟
أ.د. حلمي محمد القاعود
لم يتوقف الشيوعيون والناصريون ومن يلوذ بهم عن البكاء على أطلال ما يسمونه منعهم من الكتابة ومصادرة مقالاتهم في الصحف القومية التي تعاقدوا معها نظير مقابل كبير . اتهموا رؤساء التحرير الجدد بأخونة الصحف ، وتحويلها لصالح الحزب الحاكم ، وأقاموا الدنيا ولم يقعدوها لأن إحدى المجلات نشرت رسما مصورا على غلافها يجعل رئيس الجمهورية المنتخب في صور فارس يقود البلاد في ثورتها وقالوا إن ذلك بداية النفاق وتأليه الحاكم ، وفي الوقت نفسه لم ينطقوا بكلمة عندما شتم بعضهم الرئيس ووصفوه بالعاجز وراعي الميليشيات والفاشل والعبيط و.. بل باركوا هذه السفالة وقلة الأدب وراحوا يلتمسون نماذج مماثلة في الغرب لتسويغ سفالتهم وانحطاطهم ..
حملة البكاء على أطلال الكتاب الشيوعيين والناصريين ومن يلوذ بهم تجاهلت بعض النقاط :
أولا : أن هؤلاء الكتاب كانوا في حظيرة النظام ومن خدامه المقربين ، وظلوا على حجره طوال وجوده الظالم المستبد وكانوا عونا له في حملته الإجرامية على الإسلام والمسلمين ولذا كافأهم بإقطاعيات ثقافية وصحفية وإعلامية ومنحهم جوائز وغنائم تم نهبها من الشعب الأسير المظلوم .
ثانيا : أتاح لهم النظام المجرم في سياق إنعامه عليهم فرصة التعاقد بمقابل كبير ليكتبوا في الصحف القومية اليومية والمجلات الأسبوعية ، فضلا عن مجلات الحظيرة ، وتفضيلهم على الفضلاء الشرفاء الذين تم حرمانهم من الكتابة ولو في بريد القراء ، لأنهم لم يكونوا من أنصار النظام وخدامه .
ثالثا : مع ظهور صحف الضرار التي أنشأتها أميركا والطائفيون المتمردون ولصوص النظام الكبار ، كانوا في مقدمة من تم التعاقد معهم نظير مقابل أكبر مما تدفعه الصحف والمجلات القومية ، وكانت الحفاوة بهم كبيرة وفوق المعتاد ، لأنهم كانوا طليعة التشهير والتشويه للإسلام والحركة الإسلامية ، ولم يؤثر عنهم كلمة حق واحدة تنصف الإسلام أو المسلمين .
رابعا : أتخم هؤلاء القوم مالا وشهرة نظير كتاباتهم التي لا تعرف كيف يجدون الوقت لتحبيرها أو نسخها ، بحيث لا تفتح جريدة عامة أو خاصة أو حزبية إلا وتجدهم أمامك برسمهم وشحمهم ولحمهم . هل هي مواهب خارقة أو هي تفوق غير مسبوق في الكتابة لدرجة أن تتساءل متى يقرءون ليمكنهم الكتابة ؟
خامسا : تلاحظ أن ما يكتبونه يكاد يكون نسخة واحدة مكررة مع اختلاف في الصياغات ، ما يعني أن من يملي الأفكار والآراء جهة واحدة تتغيا هدفا واحدا لا هدف سواه وهو التشهير بالثقافة الإسلامية ، وبالطبع لن تجد لديهم رأيا ذا قيمة لحل مشكلة وطنية أو توجيها نحو قيمة عليا .
على الجانب المقابل لا تجد اهتماما يذكر بقضية التعبير الإسلامي ، فالقوم في الصحف الحكومية والإعلام القومي المملوك للشعب ينظرون للإسلام والمسلمين على أنهم وجود طارئ أو نشاز ، لاحق له في التعبير أو التفكير ، بل إن الحملة الشيوعية الناصرية ومن يلوذ بها تراهم ظلاما وإظلاما يجب استئصاله من الوجود ، وكل من يكتب أو يبحث أو يفكر من خلال تصور إسلامي هو كيان مرفوض ومشتبه به ويجب إقصاؤه أو تهميشه أو استئصاله ، وإذا سمح له في حدود ضيقة أن يشارك بالكتابة أو التعبير أو التفكير فهذا استثناء لا يقاس عليه مع أنه يمثل الأغلبية الساحقة التي تنفق على الصحافة والإعلام ووسائط الثقافة والتعبير من عرقها وكدها ودمها!
بالطبع لا أتصور أن تبادر صحيفة أو مجلة قومية وتقول لي أنا الفقير إلى الله تعالى الذي يجتهد أن تكون كتاباته وفقا لمفهوم إسلامي ، وأصدر نحو سبعين كتابا في مجال التخصص والأدب والقضايا العامة : نريد أن تتعاقد معنا ولو نظير مكافأة رمزية لتكتب لنا أسبوعيا أو كل أسبوعين أو كل شهر، لا أحد سيقول لي شيئا من ذلك أبدا ، حتى الذين يؤمنون في قرارة أنفسهم أن ما أكتبه هو الأفضل والصواب - إن شاء الله - والنموذج الذي يجب أن يطالعه القراء لا يستطيعون أن يبوحوا بذلك ، لأنهم لو فعلوا فسيدفعون الثمن غاليا .
مثلي لا يطلب مقابلا ، ولا يكتب من أجل مقابل ، ولكنك لن تعدم بين هؤلاء القوم الذين عاشوا على حجر النظام المستبد الفاشي سنوات طوالا ، من يتهمك كذبا أنك تقبض من أموال النفط أو من دولة قطر، مع أنهم غارقون في أموال النفط الخليجي والشمال أفريقي والكردي والجنوب سوداني أيضا فقد أيدوا انقسام السودان وانفصال الأكراد . أليسوا تقدميين ومستنيرين ؟
في الخليج على سبيل المثال يحتكرون تحرير الصحف والمجلات الثقافية والكتب الملحقة بها وسلاسل الكتب الدورية ، فلا يكتب فيها إلا من على شاكلتهم أو اللائذ بهم ، ويجزلون لبعضهم المكافآت العالية ، ولا تملك أن تبدي اعتراضا على ذلك لسبب بسيط ، وهو أنك ظلامي أي إسلامي ، ومثلك ترفضه أميركا واليهود الصهاينة ومن والاهم من أمة العرب !
عندما تولي وجهك نحو ما يسمى بالإعلام الإسلامي صحافة أو تلفزة ، فالغالبية العظمى لا تمنحك شيئا ، وبعضهم يقول لك احتسب عند الله ما تقدمه فما عنده خير وأبقى ، والبعض النادر يقدم شيئا رمزيا ، لأن الأصل ألا تأخذ ، فأنت مشروع شهيد في كل الأحوال ، ناهيك عن الترهل أو الفوضى التي تواجهك عند الإسلاميين فتدفعك دفعا إلى الهروب من تقديم شيء ، لولا إيمانك بالواجب الذي يفرضه عليك الدين والخلق والواجب الإنساني ، من أجل الخروج من مستنقع الشيوعية والناصرية ومن يلوذ بهما ، وهو مستنقع فاسد آثم مؤذ !
البكاء على أطلال الشيوعيين الذين استغنت عنهم بعض الصحف الحكومية التي ينفق عليها المسلمون ، يفجر قضايا عديدة تفرض مراجعة واقع هذه الصحف والإعلام بعامة ، بحيث يكون المجال متاحا للناس جميعا ، وليس حكرا على طائفة بعينها ظلت على حجر النظام المستبد الفاشي ستين عاما فأقصت من يخالفها وهمشته بل استأصلته ، ووجدت في نفسها الجرأة والبجاحة لتقول : وحدي ولا أحد غيري !
وأعتقد بعد المراجعة لن أنادي : من يتعاقد معي ؟