اتقوا الله في أهل الثغور
ما يحدث في مناطق كثيرة من العالم الإسلامي من مقاومة الباغي، أمر يستحق منا كل تقدير للذين يقومون بهذه المقاومة، فهم - بفضل من الله و نعمة - حصن المسلمين، أراد الله لهم أن يتحملوا عن الأمة الدفاع عن إسلامها وإيمانها، وأن يكونوا حصناً منيعاً.
إن هذه الفئة المؤمنة القليلة ستار القدرة ينفذ الله بهم ما يختار بإذنه، فيكون منهم ما يريده بإذنه، وهي حقيقة خليقة بأن تملأ قلب المؤمن بالسلام والطمأنينة واليقين.
إنهم عباد الله، يحققون قدر الله النافذ. ثم يكرمهم الله – بعد كرامة الاختيار – بفضل الثواب.
فماذا علينا تجاههم؟
- هل نقف متفرجين أمام ما يحدث؟
- هل نساوي بينهم وبين غيرهم من المجرمين؟
هل نسينا الميثاق الذي أُخذ على العلماء؟: " وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلاً فبئس ما يشترون" (آل عمران 187)
قال ابن كثير: "هذا تحذير للعلماء أن يسلكوا مسلكهم – أي مسلك أهل الكتاب - فيصيبهم ما أصابهم ويسلك بهم مسلكهم، فعلى العلماء أن يبذلوا ما بأيديهم من العلم النافع الدال على العمل الصالح ولا يكتموا منه شيئاً، فقد ورد في الحديث المروي من طرق عدة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار".
هل نسينا دور العلماء العالمون العاملون في تثبيت الفئة المؤمنة مع طالوت؟
"قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِين" (سورة البقرة : 249).
وهل نسينا منهج السلف في تثبيت المجاهدين والذب عنهم وتحريضهم وتشجيعهم في مقاومة الباطل وأهله؟
وهل نسينا وصايا العلماء للأمراء بضرورة تقوى الله في أهل الثغور؟
عن الأصمعي قال: "دخل عطاء بن أبي رباح على عبد الملك بن مروان – وهو جالس على سريره وحواليه الأشراف من كل بطن وذلك بمكة في وقت حجه في خلافته فلما بصر به قام إليه وأجلسه معه على السرير وقعد بين يديه فقال يا أمير المؤمنين:
- اتق الله في حرم الله وحرم رسوله فتعاهده بالعمارة.
- واتق الله في أولاد المهاجرين والأنصار فإنك بهم جلست هذا المجلس.
- واتق الله في أهل الثغور فإنهم حصن المسلمين.
- وتفقد أمور المسلمين فإنك وحدك المسؤول عنهم.
- واتق الله فيمن على بابك فلا تغفل عنهم ولا تغلق بابك دونهم.
فقال - عبد الملك بن مروان - أجل أفعل ثم نهض وقام.
فقبض عليه عبد الملك فقال: يا أبا محمد إنما سألتنا حاجة لغيرك وقد قضيناها فما حاجتك أنت؟
فقال: مالي إلى مخلوق حاجة. ثم خرج.. فقال عبد الملك: هذا وأبيك الشرف!
إننا نعيش في مرحلة حرجة من التاريخ ينبغي لنا أن نؤدي واجبنا كاملاً غير منقوص بعد الاستعانة بالله، والاعتصام بكتابه وسنة نبيه ومستنيرين بهما ومنهج سلفنا الصالح.
ونعتقد - والله أعلم بمراده – أن هذه مرحلة المخاض التي لابد لها من آلام شتى ومتنوعة حتى يخرج الجنين صحيحاً مُعافى، بعد إشراف ومتابعة الأطباء الحُذاق ويخرج قادراً على العيش وسط هذه الأمواج المتلاطمة من الأفكار.
وهذا دوركم أيها العلماء العاملون والمصلحون المجدون فأعدوا أنفسكم، وكونوا أنتم الأطباء الحُذاق..
"وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُون" (سورة يوسف :21).