حكاية البعوضة والنخلة
حكاية
البعوضة والنخلة
أ.د/
جابر قميحةكانت النخلة تمتد شامخة في الحديقة ، تسحر الناظرين ، وتأخذ بالألباب ، إنها نخلة باسقة لها طلع نضيد ، و (تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ...) إبراهيم 25 . واستقرت فوقها بعوضة نحيلة عجفاء ، وفجأة وجهت البعوضة الحديث إلى النخلة :
ــ " يا نخلة إثبتي مكانك ، وتثبتي ، فأنا ــ للأسف ــ مضطرة أن أغادرك إلى مكان آخر " .
وطارت البعوضة والنخلة هي النخلة ... في امتدادها ، وزهوها وجذورها التي تضرب في عمق الأرض ، وما اهتزت النخلة ولا مالت .
ومثل هذه البعوضة ما دفعها إلى هذا الهراء الذي نطقت به إلا الغرور الضاري ، وتضخيم الذات ، والحماقة العاتية ، حتى اعتقدت أن تخليها عن النخلة سيهوي بها ، وينهي وجودها .
**********
وفي الحياة كثير من البعوض البشري بملامحه التي ذكرناها للبعوضة الحشرية ، وإذا نظرنا إلى دعوة الإخوان وجدنا تطبيقا عمليا لما ذكرنا آنفا :
1- واحد من البشر اسمه ( هـ . . . ) يدعي أنه أحد قادة الإخوان ، وأنه استقال لإن قياداتهم وكبارهم خرجوا على مبادئ الشورى والحق . وما كان هذا الـ ( هـ . . . ) قائدا له كيان .
2- وفي بدايات الدعوة اضطر الإخوان ــ وكان على رأسهم الإمام الشهيد حسن البنا ــ إلى فصل " أحمد السكري " لكثرة مخالفاته لنهج الجماعة ، ولكنه تقدم للإمام الشهيد مبديا أسفه ، وأنه سيكون نموذجا للالتزام الدعوي ، فعفا عنه الإمام الشهيد ، ثم استبد به الكذب واشترك مع حزب الوفد في كتابة مقالات في جريدة صوت الأمة التي تمثل حزب الوفد ، تحت عنوان : ( هذه الجماعة تهوي ) . ولم يهو إلا أحمد السكري وعاشت الدعوة شامخة كأقوى ما تكون ، وجاء شاعر الإخوان ( أظنه الأستاذ إبراهيم عبد الفتاح ) وكتب : هذى الجماعة تهوي = إلى سناها القلوب واتسع نور الجماعة ، وغزا القلوب ، وتحولت جمعيتهم إلى جماعة ، وتحولت الجماعة إلى تيار عالمي ، على امتداد كل القارات ، فليس هناك دولة في القارات كلها تخلو من ملايين من الإخوان المسلمين ، ناهيك عن تأثيرها على التيارات والجماعات الأخرى .
3- ليس هناك جماعة تعرضت للمحن : قتلا واغتيالا وشنقا وسجنا واعتقالا كما تعرضت جماعة الإخوان . ومع ذلك ظل الإخوان متمسكين بدعوتهم ، مؤمنين بالمبادئ التي عاهدوا الله عليها .
4- والنظام داخل الجماعة يقوم على الشورى الحقيقية التي تفوق أرقى مبادئ الديمقراطية في العالم . استقاء من توجيه الله لنبيه صلى الله عليه وسلم : " ... وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ... (159) " آل عمران . وقد صور الله سبحانه وتعالى المؤمنين بقوله : " وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (38) الشورى .
5- والنظام الإداري للجماعة يعتمد على قاعدة التدرج : فهناك الشُعب ، صعودا إلى المناطق ، ثم الهيئة التأسيسية ثم مكتب الإرشاد ثم المرشد العام .
6- والمرشد العام يفتح بابه لكل الوفود ، من كل الأجناس والأديان في سماحة وصبر وترحيب .
7- وفي صباح الأحد من كل أسبوع يجتمع أعضاء لجنة الإعلام وعلى رأسهم فضيلة المرشد الدكتور محمد بديع ، والأستاذ محمد مهدي عاكف ، لكتابة مقال فضيلة المرشد ، بعد تداول الآراء ، والاتفاق على ما يكتب في مقال المرشد العام اسبوعيا مستقى من آراء لجنة الإعلام ، كل أولئك بتواضع جم وإنسانية دفاقة .
8- واستطاع الإخوان بحمد الله أن ينالوا الأغلبية الساحقة في مجلسي الشعب والشورى ، زيادة على النقابات ، وذلك في أنزه وأنقى انتخابات عرفتها مصر في تاريخها الطويل .
9- يهتم الإخوان ــ بصفة خاصة ــ بالمنهج التربوي الشامل وخصوصا بالنسبة للنشء و للشباب ، وتصحيح المفاهيم والمصطلحات السائدة في كثير من الأقلام كقولهم : الإسلام السياسي ، والإسلام الاجتماعي ، والإسلام الديني ، وبلغ الأمر بإحداهن أن تقول : " والإسلام المصري أكثر سماحة من غيره ، ... " . وكل هذا يمثل سقوطا شنيعا ، فليس هناك إلا إسلام واحد ، ويمكن أن نقول : هو الإسلام الإسلامي الذي يتسع للسياسة والاقتصاد والتربية ، والجهاد ، والعلم ، ... الخ . وصدق الله سبحانه وتعالى إذ قال : " ( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ... ( آل عمران 19 ) . وقال : " وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ " ( آل عمران 85 ) .
**********
نقول هذا للبعوض البشري الذي يعتقد أنه بتخليه عن النخلة ستهوي ساقطة إلى الأبد ... نقول له كذبت وخسئت : فالنخلة تضرب بجذورها إلى عمق بعيد : " ... أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ " ( إبراهيم 24) .