تحديات إعادة إعمار وتأهيل مشاريع البنية التحتية للمدن والمحافظات السورية

مسودة ورقة عمل مقدمة إلى

المجلس الوطني السوري بعنوان:

تحديات إعادة إعمار وتأهيل مشاريع

البنية التحتية للمدن والمحافظات

(ضمن فعاليات مشروع الألف عام من أجل بناء سورية)

م. أسامة الطنطاوي

[email protected]

تعاني مدن ومحافظات وطننا الحبيب من غياب شبه كامل لمبادىء التخطيط الحضري السليم والتوزيع الأمثل للخدمات الأساسية للمواطنين وفقا للمعايير والمقاييس الدولية وذلك نتيجة لتراكم الأخطاء و السياسات الطائفية الممنهجة و تطبيقات النظريات و التجارب البالية المنبثقة عن أيديولوجيات نظرية بعيدة عن الاحتياجات الفعلية والتي تم انتهاجها لسنوات طويلة من قبل النظام المنهار وعدم اتباع برامج الصيانة والتشغيل التي تحافظ على المنشآت واستمرارية الأداء الوظيفي لها و كذلك انتشار الفساد الإداري والمالي الذي أصاب عموم قطاعات وإدارات الدولة بمختلف مستوياتها مما أدى إلى إهدار المال العام واحتكار الاستثمار بأيدي فئة قليلة من المنتفعين ضمن الدائرة الضيقة للموالين للنظام الشمولي ، ولعل أهم عوامل تدهور الوضع القائم للخدمات والبنى التحتية هو عدم توفر الخبرات والكفاءات والكوادر المؤهلة من أصحاب القرار حيث إن ذلك كان يعتمد على مدى الولاء للنظام والتوازنات السياسية واللوبيات والنسب والانتماءات الطائفية والعشائرية كمعيار أساسي لتبوؤ المراكز القيادية الرسمية والحزبية في الدولة وعدم الأخذ بعين الاعتبار معايير الكفاءة المهنية والإنجاز المتميز والإنصاف وإتاحة مبدأ تكافؤ الفرص وتغليب المصلحة العامة وإرساء قواعد التنافس الشريف .

ونتيجة لتلك التجاوزات والفساد الآنف الذكر ، تولد مانشهده حاليا من تكدس المنشآت والأبنية الخرسانية بشكل عشوائي لا يخضع لأية معايير تخطيطية أو بيئية وتهالك الحالة الراهنة للبنية التحتية والمرافق العمومية في كافة أرجاء الدولة ، وما يشكله ذلك من تزايد الصعوبات اليومية التي يعيشها المواطن من حيث الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي نتيجة عدم القيام بمشاريع توسعة الطاقة الاستيعابية للمولدات و المحطات المركزية لتوليد الطاقة وكذلك الأمر بالنسبة للمنشآت التعليمية والخدمات الطبية وضعف مشاريع الإسكان و مايلحق بها من خدمات صحية وشبكات تغذية المياه والصرف الصحي وتخطيط الطرق والجسور وغيرها .

   كما أن الاستيلاء على المناطق الخضراء والزحف العشوائي باتجاه المناطق الزراعية المحيطة بالمدن أدى إلى عدم توفر رئة صحية تقوم بوظيفة تتنفس من خلالها المجاورات السكنية و كذلك فإن تجاهل و إهمال التوصيات والمعاهدات الدولية المتعلقة بنظافة البيئة وتقليل معدلات التلوث ومراعاة متطلبات الحد الأدنى للظروف المعيشية أدى إلى تفاقم المشاكل البيئية المزمنة وترديها إلى مستويات قياسية يجعل من الصعوبة بمكان معالجتها مع تقدم الزمن .

ونتيجة لذلك صار لزاما أن يتم الإعداد المبكر للخطط والبرامج التنموية لإعادة إعمار وتصحيح ماأفسده النظام المنهار بالتزامن مع عملية التحول الديمقراطي والحراك الاجتماعي وبناء مؤسسات المجتمع المدني وتوطين مبادئ العدالة الأجتماعية ، حيث إن الاستقرار السياسي والاجتماعي مرهون بمدى فعالية الاقتصاد و منظومة الخدمات ورفع مستوى معيشة المواطن ، ولعل التجربة الأردوغانية في تركيا تجسد مثالا واقعيا عن النجاح الذي لا يتجزأ بشقيه السياسي والاقتصادي ومايتبعه من تحديات التقدم والازدهار الحضاري.

وفي إطار انتهاج خطط استراتيجية للتنمية الشاملة وإعادة هيكلة وتأهيل البنى التحتية والارتقاء بمستوى الخدمات العامة ، لابد من :

- القيام بعمليات مسح ميداني لمنشآت البنية التحتية القائمة تشمل كافة أوجه ومجالات الخدمات والمرافق العامة من قبل الإدارات والقطاعات ذات العلاقة ، ومن ثم يتم معاينة أوجه القصور والنقص فيها على مستوى مدن ومحافظات الدولة ، وعلى ضوء ذلك يتم تحديد حجم ومتطلبات وتقدير الميزانيات المخصصة للمشاريع المطلوبة وفقا لذلك .

- يتم اعتماد جدول بالأولويات المقترحة للمشاريع ذات الحاجة الملحة للتعجيل بتنفيذها وفقا لكل منطقة وظروفها الراهنة .

- وضع جداول زمنية محددة للتنفيذ والإنشاء وإعادة التأهيل بالاستناد إلى دراسات فنية محايدة معدة من قبل خبراء متخصصين .

- القيام بحصر الممتلكات التي تم الاستيلاء عليها من قبل أزلام النظام وكذلك نزع الملكيات للأراضي والعقارات المناسبة لتنفيذ المشاريع الحيوية والارتقاء بالنسيج الحضري والنطاق العمراني للتجمعات السكنية والصناعية والزراعية .

- تفعيل دور التقييم المستمر والمتابعة والتقويم والمراقبة والمحاسبة وإنشاء هيئة لمكافحة الفساد ووحدات المراجعة والتدقيق المستقلة بما يضمن أن تكون عقود المنافسات الحكومية خاضعة للقانون الدولي ( الفيديك ) وإقرار الرقابة الشعبية والمدنية وإقرار مبدأ محاسبة المسئولين في ظل استقلال هيئة القضاء.

وبالنظر إلى التدهور الكبير والنقص الحاد للخدمات الراهنة وخاصة بعد التخريب والدمار المتعمد الذي أحدثه النظام الفاشي ضد أبناء شعبه خلال الشهور الماضية للثورة ، فإن ذلك يستوجب سرعة إنجاز المشاريع الحيوية وتجاوز القيود البيروقراطية و تفادي إهدار الوقت والجهد وذلك بأعتماد آليات حديثة تقوم على مبدأ طرح المنافسات بصيغة "تصميم وتنفيذ" –

Design & Build

وكذلك اعتماد آلية "المشاريع المستعجلة" –

Fast Track Projects

ويتم الاستعانة بشركات دولية متخصصة بإنشاء البنى التحتية ضمن أعلى المواصفات وبأقل التكاليف باستخدام مبادئ "الهندسة القيمية" –

Value Engineering Principles

ويتم استخدام مبادئ "ضبط الجودة" في تدقيق مخرجات العمل –

Quality Control processes

 ويتم مراعاة مبدأ الشفافية في اختيار أفضل العروض بما يحقق المصلحة العامة ووفق الضوابط الدولية المعتمدة .

وفي ضوء الواقع الحالي والظروف الاستثنائية والتحديات الكبيرة التي يعايشها أبناء شعبنا الأبي و إصراره على الانتقال إلى عهد جديد من الديمقراطية و التقدم والرفاهية وحقوق الإنسان ، تبرز الأهمية المتنامية لأسلوب وفن إدارة المشاريع وفق أحدث  التقنيات المعاصرة ، وكذلك الحاجة الملحة إلى تأهيل الكوادر البشرية فنيا وتقنيا وثقافيا و قانونيا للنهوض بالمهمات الجسام الملقاة على عاتقها وتجاوز عقود متراكمة من الفساد السياسي والاقتصادي والإداري  والاستعانة بالطاقات الشابة بالإضافة إلى الخبرات الدولية لمواكبة تحديات التنمية الشاملة للمجتمع والتسلح بالعلم والمعرفة والتكنولوجيا بديلا عن لغة القوة والقمع التي كانت سائدة في عهود الأنظمة الشمولية البائدة.