الكبيسي... وشيوخ الفتنة والتطرف

الكبيسي... وشيوخ

الفتنة والتطرف

علي الكاش

كاتب عراقي

" وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لاينصرون". سورة القصص آية/41.

في التصريحات الأخيرة لرجل الدين احمد الكبيسي تفاجأ الكثير من طروحات الشيخ بشأن الإنحياز لواحد من الخليفتين علي بن أبي طالب معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما. لم يترك لنا الشيخ خيار كإنه أخذ بقول طارق بن زياد المشهور"البحر من ورائكم والعدو أمامكم". فأما أن تصطف مع علي ضد معاوية. أو مع معاوية ضد علي! أما أن تحب معاوية أو علي! أن تحب كلاهما لايجوز! لأنه لاتوجد منطقة وسطى بين الحب والكراهية. رغم إنه خير الأمور أوسطها!

لاشك ان الكبيسي عالم في شؤون الدين لكنه كما تبين من طروحاته المضطربة لم يبلغ بعد الحلم في علم التأريخ. لذلك فقد أخطأ بدخول منطقة تأريخية مفخخة تتشظى فيها الحقائق والتحليلات وتفتق جروحا قديمة نأمل جميعا أن تندمل سيما في مثل هذه المرحلة التأريخية الحرجة التي يمر بها العالم الإسلامي عموما والعراق خصوصا.

فهل نحن حقا بحاجة الى هذا الإصطفاف المقيت أمام صحابين جليلين خدما الإسلام خدمة عظيمة ولكل منهما مزايا وعيوب شأنهما شأن بقية الخلق. وهل ظروف العراق المترنح السائر الى الهاوية تحتاج لمثل هذا الطرح؟ الطامة الكبرى في حديث الشيخ تمثلت في ردود الفعل تجاه تصريحاته الزلزالية! فقد هتف من- وصفهم بالروافض حسب تسميته- بطروحاته الجديدة وأسبغوا عليه كل صفات المجد والمرؤة والنخوة والشجاعة والتنوير والحرية والعلم والأنفتاح، بل وصفه أحد الكتاب ممن كنا نعتبرهم عقلاء ومنصفين بأنه" رائد الخطاب التنويري الحضاري" وآخر يعتبرها "خطوة نحو تجديد الخطاب الإسلامي"! كإنما فتح الكبيسي للإسلام بتهجمه على صحابي جليل فتحا جديدا!

من جهة أخرى عبس من (وصفهم بالنواصب) دون أن يتفهموا حقيقة موقف الشيخ الجديد! هل هو إنعطاف في مسيرته الفكرية من ناصبي إلى صفوي؟ هل إكتشف شيئا جديدا في التأريخ الإسلامي غير أفكاره بزاوية حادة؟ هل بدأ الشيخ يدفع ضريبة الشيخوخة من تخاريف؟ هل يطمع في ارذل العمر لمنصب سياسي؟ هل لبس حزام الأمان في طريق عودته لعراق الطائفة؟ هل قبض الشيخ صكا من الولي الفقيه في طهران؟ فرجال الدين كا عهدناهم يتلمضون عند ذكر المال، وهم ضعفاء إتجاهه، ولو كان ضعفهم أمام الله كضعفهم أمام المال لصلحت أنفسهم وأنفسنا. مهما كانت الدوافع لصب الشيخ الزيت على نار الفتنة، فإن الحقيقة ستتكشف عن نفسها وتفصح عن وجودها عاجلا أم آجلا.

الكبيسي كما هو معروف أحد نجوم (الستار دين) فهو يقف في طابور شيوخ وفقهاء الشاشة والنفط. الذين يعتاشون على نجوميتهم عبر شاشات التلفزيون وخدمة الأنظمة السياسية. شعارهم خدمة السياسة تسبق خدمة الدين وحياة الدنيا أهم من الآخرة. الدين عندهم بضاعة للتكسب ومعدن مطاوع يشكلونه حسبما اهوائهم حتى لو تعارض مع النصوص الثابته. خلاصة تأريخ الكبيسي يوجز بعبارة واحدة(متكسب) والعلم والتكسب لايجتمعان تحت مظلة واحدة أبدا. كما إن إستخدام الدين لأغراض سياسية ودنيوية أو لتعزيز النزعات الطائفية والعنصرية هو عيب كبير لايليق بمن يعلنون أنفسهم فقهاء الأمة. فهم في هذا الحال أقرب لمفهوم بلاء الأمة.

لا يحق لرجل الدين مهما كانت منزلته أن يتحدث بإسم جماعة دون أن يخولوه بذلك. فالإعمام سلاح خطر، وغالبا ما يرتد على صاحبه فيجرحه أو يقتله. كما إن صلاحية الكلام لاتجيز الإتهام ولأن أصل الشيخ من الأنبار، فهذا لا يمنحه حق التكلم بإسم سكان المحافظة جميعا ولا حتى بإسم عشيرة الكبيسات التي ينتمي لها.

لانعرف كيف تمكن هذا الشيخ الذي فارق بلده وشعبه منذ عدة عقود أن يجزم بأن محافظة الأنبار تكره الأمام علي(رض) وتفضل عليه معاوية(رض). هل أجرى الشيخ إستبيانا لأهل الأنبار حول أفضيلة الصحابة وخرج بهذه النتيجة المذهلة؟ هل جرت إنتخابات ترشح فيها الخليفتان ولم نسمع بها؟ من جهة أخرى هل يعني حديث الشيخ إن أصحاب معاوية قاتلوا قوات الغزو الأمريكي؟ في حين عاضد أصحاب علي قوات الإحتلال؟ هل قوات معاوية كانت مقاومة ومجاهدة وقوات علي متخاذلة وجبانة؟ هل قوات معاوية كانت قربانا للوطن وقوات علي قربانا للإحتلال؟ أين الشيخ من سورة النساء/95 " فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما". أي خزي وعار لبسه الشيخ؟ فبدلا من الإشادة بأهله الكرام من الأنبار وجهادهم الدؤب وصمودهم الأسطوري ضد الغزاة! تراه يعيبهم وينتقص منهم، وينسب اباطيل تسيء اليهم!

 

ما هي أسس المفاضلة بين الخليفتين؟

يدعي الشيخ بأنه إصطف إلى جانب الإمام علي ضد معاوية دون أن يوضح لنا الأسباب التي دعته لذلك الإصطفاف؟ وهل هناك ضرورة تستوجبه؟

فهل هي القرابة من الرسول(ص)؟ فإن كان ذلك حاججنا الشيخ بالقول: بأن معاوية يلتقي نسبُه مع النبيِّ (ص) في عبدِ مَناف، من جهة أخرى اليس أبو لهب عم النبي محمد(ص)؟ ألم يمت عم النبي ابو طالب كافرا على دين الجاهلية؟ إذ خاطب للرسول" يا ابن أخي، إني لا أستطيع أن أفارق دين آبائي وما كانوا عليه" فحزن النبي(ص) لموقفه هذا ونزلت الآية" إنك لاتهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين" سورة القصص/56.

وهذا ابن الحنفية(ع )يخاطب أبيه: أي الناس خير بعد رسول الله(ص)؟ فأجاب الإمام علي: أبو بكر. قلت: ثم من؟ أجاب: عمر. وخشيت أن يقول بعدهم عثمان فقلت: ثم أنت؟ قال: ما أنا إلا رجل من المسلمين.

هل هو السبق للإسلام؟ اليس أول من آمن بالرسول(ص) من الرجال كان الراهب ورقة بن نوفل ابن عم خديجة، وخديجة من النساء؟ فقد ذكرورقة" إني أشهد أنك الرسول الذي بشر به عيسى برسول يأتي من بعده أمه أحمد".

هل بالإنجازات والفتوحات ونشر الإسلام بين العالمين؟ فمن وسع خارطة الإسلام لتمتد إلى بلاد السند وكابل والأهواز وشمال افريقيا؟ من الذي بنى أول اسطول حربي في تأريخ الإسلام، وفتح به قبرص وجزر البحر المتوسط كرودوس وازواد؟ ومن أسس أول مصنع إسلامي لبناء السفن لتبدأ صفحة جديدة في الفتوحات الإسلامية؟ هل يجهل الكبيسي حديث أم حَرَام الأنصارية أنها سمعت النبي (ص) يقول: "أولُ جيشٍ من أُمَّتي يَغزون البحر قد أَوجَبوا". قالت أم حَرَام: قلت: يا رسول الله، أنا فيهم؟ قال: "أنتِ فيهم". ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أولُ جَيشٍ من أُمَّتي يَغزون مدينة قَيصرَ مغفورٌ لهم". فقلت: أنا فيهم يا رسول الله؟ قال: "لا". وعن المُهلَّب بن أبي صُفْرَة الأندلسي قوله: "في هذا الحديث منقبةٌ لمعاوية، لأنه أول من غزا البحر، ومنقبةٌ لولده يزيد لأنه أول من غزا مدينةَ قيصر".

هل الحق في الخلافة؟ ألم ينأى عنها الإمام علي(رض) نفسه عنها وقال" دعوني وإلتمسوا خيري.. وأنا لكم وزيرا خير لكم مني أميرا". وعندما قتل عثمان(رض) وقف الزبير بن العوام في المسجد" قائلا قد تشاورنا فرضيا عليا فبايعوه". فأمسك الإمام علي بيده قائلا" ليس ذلك إليكم وإنما لأهل الشورى وبدر، فمن أمره أولئك كان أميرا". الأنكى منه إن الإمام نفسه قد مشى إلى طلحة والزبير(رض) وهما من كبار الصحابة والمهاجرين ومن المتبقين من مجلس الشورى السابق عارضا عليهما الخلافة بعد مقتل عثمان، قائلا:-" من شاء منكما البيعة بايعته! فرفضا وقالا:- لا! الناس بك أرضى". وبعد أن تسلم الخلافة عامل طلحة والزبير كعامة الناس سيما في العطاء فلم يروق لهما ذلك وكاشفاه في الأمر. فأجاب: " والله ما كانت ليً في الخلافة رغبة، ولا في الولاية إربة. ولكنكم دعوتموني إليها، وحملتموني عليها..".

 

معاوية والسبطان رضوان الله على الجميع

 ألا يعلم الكبيسي بأن الإمامين الحسن والحسين بايعا معاوية ولم يعارضاه خلال حكمه الطويل(20 عاما) ولم يخرجا عن طاعته مطلقا؟ فماذا يعني هذا الإلتزام من قبلهما؟ أما إن معاوية كان حسن السيرة فلم يعارضاه. أو إنه كان سيء السيرة فخشياه ولم يخشيا الله في السكوت عن ظلم الخليفة وفساده- حاشاهم-! وهذا ما لايليق بإخلاق وسيرة سيدا شباب أهل الجنة.

وهل الكبيسي أفضل من صحابة الرسول الذين لم يخرجوا عن خط معاوية؟ ليقرأ الكبيسي ما جاء في كتاب الرجال للكشي وهو من أمهات كتب الإمامية" عن أبي جعفر قال: كتب معاوية الى الحسن بن علي أن أقدم أنت والحسين وأصحاب علي. فخرج معهم قيس بن سعد بن عبادة وقدموا للشام فأذن لهم معاوية وأعد هم الخطباء. فقال: يا حسن قم فبايع! فقام وبايع. ثم قال للحسين: قم فبايع. فبايع. فقال: يا قيس قم فبايع! فإلتفت الى الحسين ينظر بأمره: فقال: يا قيس إنه إمامي- يعني الحسن". فإذا كان معاوية ضالا؟ إذن كيف يبايع السبطان جاحدا او ظالما او مستبدا أوعاصيا؟ اليست الإمامة منصبا إلهيا عند الأمامية؟ فكيف فرطا بهما السبطان لمعاوية؟ وأين هما من قوله تعالى" فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا" سورة الفرقان/ 52. وأين هما من حديث جدهم الرسول(ص) " ان رجلا سأل الرسول أي الجهاد أفضل؟ فأجاب" كلمة حق عند سلطان جائر" رياض الصالحين. وحديثه الشريف" إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه" سنن الترمذي / سنن ابي داود.

من جهة أخرى ورد في شروط الصلح بين الحسن ومعاوية" على أن يعمل معاوية بين الناس بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة الخلفاء الراشدين" ومعنى هذا إن معاوية لم يخل بهذا الشرط. لذلك لم يعارضا السبطان سياسته ولم يشيرا الى إخلاله بشروط الصلح. وإن قيل بأن الأمام الحسن كان مجبرا على المبايعة فهذ محض كذب، لأنه فقط كان بإمرة قيس بن عبادة اكثر من(40000) مقاتل ناهيك عن الآلاف من قريش وغيرها من الإمصار بما يمكنه من قتال معاوية. لذا بيعة السبطين لمعاية تلزمهما طاعته. ويرى بعض المؤرين إن معاوية لم يبايع الامام علي(رص) لذا ليس عليه طاعة واجبة للإمام. وهذا إبن كثير يخبرنا في كتابه البداية والنهاية" إذا لقى معاوية(رض) الحسن بن علي(رض) قال: مرحبا بإبن رسول الله، وأمر له بثلثمائة ألف، وإذا لقى أبن الزبير(رض) قال: مرحبا بإبن عمة الرسول وإبن حواريه، وأمر له بمائة ألف". هذا كانت العلاقة والصحبة بين المسلمين.

وذكر الإمام أحمد بأن" معاوية خال المؤمنين، وابن عمر خال المؤمنين". وعن عبد الملك بن عبد الحميد الميموني، قال: قلت لأحمد بن حنبل: أليس قال النبي (ص) بأن" كلّ صِهر ونسب ينقطع إلا صهري ونسبي"؟ قال: بلى. قلت: وهذه لمعاوية؟ قال: نعم! له صهر ونسب". وقد أعتبر النبي(ص) إن خلفه في الحكم رحمة لثلاث مراحل بقوله"سيكون نبوة ورحمة، ثم يكون خلافة نبوة ورحمة، ثم يكون مُلْكٌ ورحمة، ثم يكون مُلْكٌ عَضوض". وهكذا جرت الأمور.

الشيخ الكبيسي في رأي الصحابة والتابعين

يقول الإمام أبو زرعة" إذا رأيت رجلا ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله(ص) فأعلم إنه زنديق". ويقول الإمام أحمد" إذا رأيت الرجل يذكر أحدا من أصحاب رسول الله(ص) بسوء فإتهمه على الإسلام". فكيف بمن جمع شرف النسب والصحابة وكان من كتاب الوحي وجمع الحلم والعلم. فقال فيه رسول الله" اللهم إجعله هاديا مهديا، وإهدٍ به". وهذا أبو سفيان يناشد النبي في قبول طلباته الثلاث قال" عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت ابي سفيان أزوجكها؟ قال النبي: نعم ثم أردف أبو سفيان: وتجعل معاوية كاتبا بين يديك؟ قال: نعم. قال أبو سفيان: وتأمرني بالقتال حتى أقاتل الكفاركما كنت أقاتل المسلمين؟ قال النبي: نعم". يحدثنا الإمام أحمد عن قول الرسول(ص) في معاوية" اللهم عَلم معاوية الكتاب وقِهِ العذاب". وهذه شهادة الفاروق(رض) به "تَذكرونَ كِسْرَى وقَيْصَرَ ودَهاءَهُما؛ وعندَكم معاوية"‍‍. وشهاد أبوالدَّرداء" ما رأيتُ أشْبَهَ صلاةً برسول الله صلى الله عليه وسلم مِن أميركم هذا، يعني معاوية" وهذا حبر الأمة وبحرها وترجمان القرآن( أبن عباس) يشهد لمعاوية بالمعرفة فيصفه بأنه فقيه. وهذا الخلفة الراشد الخامس عمر بن عبد العزيز يرفض تفضيله على معاوية بقوله" لايقاس أحد بأصحاب النبي (ص) فمعاوية صاحبه وصهره وكاتبه وأمينه على وحي الله عزً وجلً.

لم تكن بداية النزاع بين الإمام علي ومعاوية حول الخلافة وشئون الدين وإنما حول مقتل عثمان ويحدثنا ابو مسلم الخولاني" قيل لمعاوية: أنت تنازع عليا أانت مثله؟ فأجاب: لا والله إني لأعلم أن عليا أفضل وأحق. ولكنكم تعلمون ان عثمان قتل مظلوما وأنا إبن عمه وأطلب دمه. ليدفع علي قتلة عثمان ليً وأسلمه الأمور. فأتوا عليا فكلموه فأبى عليهم ولم يدفع له القتلة". والنتيجة سلم قتلة عثمان بأنفسهم وسفكت دماء الآلاف من المسلمين الأبرياء من الجانبين. وقد إستند معاوية على نص قرآني في دعوته" من قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا". والإمام علي بإعتباره الخليفة فهذا يوجب على جميع المسلمين طاعته ومبايعته وعدم الخرج عنها. ومع هذا فلكل من الصحابيين الجليلين إجتهاده ورؤيته فإن أصاب له أجرين، وإن أحطأ له أجر واحد.

معاوية والإحتلال الأمريكي ومخلفاته من حكومات الفساد

الطامة الكبرى في حديث الكبيسي انه يحمل معاوية كل مصائبنا- وليس الإستعمار بشقيه القديم والحديث والصهيونية والحكام الخونة والعملاء- وهذا برًبي تخريف ما بعده تخريف. فما شأن معاوية بإحتلال العراق والتهجير القسري والبطالة وتفشي الفساد الحكومي وفرز خمسة ملايين أمي وملايين الارامل والأيتام ونهب مئات المليارات؟ هل الأمريكان والصهاينة من أتباع معاوية؟ هل اللصوص والعملاء الذين ساعدوا المحتل وجاءوا على ظهور دباباته من اتباع معاوية؟ من يحكم العراق حاليا أاتباع علي أم معاوية؟ هل الطالباني والمالكي ومقتدى الصدر وعمار الحكيم والشهرستاني وصولاغي من اتباع معاوية؟

كلا سيدي! على ومعاوية بريئان منك ومن حديثك المسموم وممن هم على شاكلتك من شيوخ الفتنة، سأقولها بصراحة بملأ فمي: أنتم علماء الأمة سبب نكبتها وخرابها سنة وشيعة. لقد شوهتم الإسلام الحنيف وحولتموه من دين التسامح والأخاء الى دين العنف والتطرف والإرهاب. ومن جهاد الى عمالة ومهادنة للغزاة.

علماء دين أم شيوخ فتنة؟

أنتم يامن تسمون أنكم علماء الأمة قد جعلتم الإسلام إضحوكة بفتاويكم العقيمة والرخيصة من إرضاع الكبير الى تفخيذ الرضيعة. أنتم من زرعتم الشقاق وبذرتم النفاق في عقول الأمة فحصدتم الطائفية والتخلف. أنتم وعاظ السلاطين وتجار الدين يا من تضحكون على ذقون الجهلة والساذجين. أنتم ابطال التكفير والتضليل والأفكار السقيمة والفتاوى العقيمة. أنتم معدوا نفوس الضعفاء والجهلاء للعنف والإرهاب والتطرف. أنتم صناع الموت والعنف وأعداء العقلانية والتنوير والإعتدال. فوراء كل ميليشيا مسعورة عمامة عقورة!

لم يكفيكم تخريب حاضرنا فرجعتم بمعاول الحقد الى الخلف تنقبون عن كل ما يسيء لتأريخنا المجيد ورموزنا الإسلامية العظيمة. غايتكم التفريق والتمزيق وشحن قوى البغضاء والضغينة بين المسلين. نعم أنتم سموم الأمة ومعدنها الصدي.

ألم يكن الأجدر بك وأنت في أرذل العمر وعلى حافة قبرك أن تأخذ بمقولة أبو جعفر الطحاوي" نحب أصحاب رسول الله(ص) ولا نفرط في حب أحد منهم، ولا نتبرأ من أحد منهم. نبغض من يبغضهم، وبغير الخير يذكرهم. ولا نذكرهم إلا بخير. فحبهم دين وإيمان وإحسان. وبغضهم كفر ونفاق وطغيان".

إستمع الى علماء الأمة ممن لاتبلغ عشر علمهم ومعرفتهم ماذا يقولون في الصحابة رضوان الله عليهم عسى أن ينقشع الضباب عن عقلك فتقييم الأمور بشكل صحيح. قال ابن حِبَّان: "كلهم أئمة سادةٌ قادةٌ عدول، نزَّه الله عز وجل أقدار أصحاب رسول الله (ص) عن أن يُلزَقَ بهم الوَهَن. وقال ابن عدي: "إن أصحابَ النبيِّ (ص) لِحَقِّ صُحبَتهم، وتقادُمِ قَدمهم في الإسلام، لكلِّ واحد منهم في نفسه حقٌ وحُرمةٌ للصُّحبة، فهُم أجلُّ من أن يتكلّم أحدٌ فيهم". وقال ابن حزم "الصحابة كلهم عدول رضي الله عنهم، لثناء الله تعالى عليهم". وقال ابن عبد البر: "ثبتت عدالة جميعهم بثناء الله عز وجل عليهم، وثناء رسوله عليه السلام، ولا أعْدَلَ ممن ارتضاه الله لصًحبة نبيِّه ونُصْرَته، ولا تزكيةَ أفضلُ من ذلك، ولا تعديلَ أكمل منه". وقال النووي: "الصحابة (رض) كلهم هم صفوةُ النَّاس، وساداتُ الأمَّةِ، وأفضلُ ممن بعدَهم، وكلهم عدولٌ قدوةٌ لا نُخالةَ فيهم، وإنما جاءَ التخليطُ ممن بعدَهم، وفيمن بَعدهم كانتِ النُّخالة". وهذا ابن تيمية الذي يكرهه الصفويون أشد الكره يذكر في منهاج السنة"جماهير أهل السنة متفقون إن عليا أفضل من طلحة والزبير فضلا عن معاوية وغيره". فإن كان الشيخ لم يسمع بهذه الأحاديث فتلك مصيبة! وإن كان يعرفها وتجاهلها فتلك كارثة!

نعم ايها الشيخ ان المسلم الحقيقي لايصطف لجانب صحابي ويبغض آخر فهم مثل الكواكب لكل منها بريقا وبعدا وجمالا وحجما. لكنها تبقى جميعها عالية نرفع رؤوسنا لنرى شموخها وعظمتها وجلال خالقها.

أحيانا يصدق المثل القائل" إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب". فليتك يا شيخ آثرت الصمت على الثرثرة. والدين على السياسة، والتجميع بدلا عن التفريق والتمزيق، والإعتصام بحبل الله بدلا عن قرضه، كي تبقى وقورا في نظرنا وندعو الله أن يطيل عمرك ويفتح لك باب المغفرة!

يكفي العراق ما فيه من حرائق يا شيخ فلا تنفخوا فيها! كفافكم ما فعلتم بالأحياء! فإتركوا الأموات في سلام وأمان، إن شأنهم بيد الحكيم العليم.