ترشيح الشاطر... ضربة معلم!!
ترشيح الشاطر... ضربة معلم!!
حسام مقلد *
أثار إعلان جماعة الإخوان المسلمين ترشيح المهندس خيرت الشاطر لسباق الرئاسة في مصر الكثير من الجدل واللغط والإرباك داخل صفوف الإخوان والإسلاميين عموما قبل غيرهم، وطبيعي جدا في مثل هذه الظروف الملتبسة أن يتوجه الكثير من سهام النقد للجماعة، والتشكيك في نواياها، واتهامها بإعلاء مصالحها الخاصة على حساب مصالح الوطن، أو على أقل تقدير نعتها بالتردد وقصر النظر!!
وأزعم أن الخطوة كانت نقلة نوعية في إدارة الإخوان للصراع السياسي الحاصل في مصر الآن، وبصراحة كانت هذه الخطوة في وجهة نظري (ضربة معلم) تحسب للإخوان لا تحسب عليهم، وهذا يبعث رسائل طمأنة عديدة لكثير من الجهات، وأولى أهم هذه الرسائل ـ في رأيي ـ رسالة تقول بكل وضوح وثقة: إن الإخوان المسلمين قد نضجوا بالفعل، وأنهم لن يعيدوا أخطاء الماضي، وأن التاريخ لا يمكن أن يعيد نفسه بالنسبة إليهم على الأقل!
الرسالة الثانية تقول لمن يتهمون الإخوان المسلمين بأنهم أساتذة متخصصون في إضاعة الفرص: كلا هذه تهمة ظالمة، أو أنها غير صحيحة على الأقل في حق الأجيال الحالية من الإخوان، فرغم تفاقم المشاكل، وصعوبة الأوضاع، وشدة تعقيد المواقف المحلية والإقليمية والدولية الراهنة، ورغم كثرة اللغط المثار حولهم إلا أنهم يثبتون كل يوم أنهم رجال المرحلة، وأنهم قادرون على إدارتها بكثير من الحنكة والاقتدار وبأقل قدر ممكن من الخسائر التي لا بد من وقوعها، وهذا لا يمنعنا من انتقاد أخطائهم وتنبيههم عليها ليعالجوها (ورحم الله من أهدى إليَّ عيوبي).
وفي تصوري أن جميع الإسلاميين الآن مطالبون بالتأني والتأمل قليلا والتفكير بشكل مختلف للخروج برؤية واضحة وتشكيل موقف موحد، والوصول إلى حل وسط يرضي جميع الأطراف، أو على الأقل التفاهم حول مواقف متقاربة وغير متصادمة؛ لتحقيق أقصى حد من المكاسب للمشروع الإسلامي الذي تحلم به مصر وأمتها العربية والإسلامية منذ عقود طويلة.
وقطعا المهمة بالغة الصعوبة وسط هذه الحال من الغموض والتشكيك وفقدان الثقة المتبادل، واختلاط مشاعر الاستياء بالغضب بالإحباط، وتشابك جميع خيوط اللعبة وتعقدها على هذا النحو شديد الالتباس، لكن لا بديل، وهذه هي السياسة، وتلك هي بعض تفاعلاتها وآثارها الجانبية التي ينبغي أن نتقبلها ونتعامل معها كأمر واقع.
وأزعم أن جميع الأطراف بشيء من التجرد والحيدة والهدوء والإنصاف والموضوعية والرغبة المشتركة في حلحلة الوضع والعبور بمصر إلى شاطئ الأمان ـ يتفقون على الآتي:
أولا: وقعت جماعة الإخوان في عدة أخطاء تكتيكية، ولم تراعِ عدة عوامل مهمة كمراعاة الأطياف الوطنية الأخرى، ولا سيما شباب الثورة وأحزاب المعارضة...، وأسفر ذلك عن اتهام الجماعة بأنها تتحالف مع المجلس العسكري، وأنها انتهازية وتبحث عن مصالح شخصية فقط، ولا بد من اعتراف الإخوان بهذا الخطأ وعلاجه في أسرع وقت ممكن.
ثانيا: كان على الإخوان وهم يعلنون ترشيح المهندس خيرت الشاطر لسباق الرياسة مراعاة العوامل النفسية لدى قطاع كبير من شباب ونشطاء حملة دعم المرشحين الإسلاميين الآخرين؛ فقد بذلوا جهودا كبيرة ومضنية للغاية طوال الأشهر الماضية، ومن الصادم لأي إنسان أن يجد كل ما بذله من جهود نفسية وجسمية وذهنية عرضة للضياع، وقد يروح سدى ويذهب أدراج الرياح!!
ثالثا: (وهو الأهم) لا شك مطلقا لدى قطاعات واسعة من الشعب المصري في أن الذي دفع الإخوان لترشيح المهندس خيرت الشاطر لسباق الرياسة هو الحرص على مصلحة مصر في هذه اللحظة التاريخية الفارقة، وأزعم أن ذلك كان واجب الوقت بالنسبة لهم، وهذا ليس مجرد إحساس شخصي، بل أتصور أنه تحليل دقيق تدعمه عدة أدلة ووقائع كثيرة تلاحقت منذ خلعِ الرئيس السابق، وسيطرةِ المجلس العسكري على الحكم في مصر، ومن أبرز هذه الوقائع مؤخرا ما يلي:
1. رفض المجلس العسكري إقالة حكومة الجنزوري رغم اتهام مجلس الشعب الصريح لها بافتعال الكثير من الأزمات الأخيرة كالسولار والبنزين واسطوانات الغاز، وكأن الهدف من حكومة الجنزوري أن تكون حكومة كوارث لا أن تكون حكومة إنقاذ وطني، وكأن دورها الرئيس هو التسبب في إحداث مشاكل كثيرة للشعب المصري، وصنع كوارث شديدة الخطورة لإجهاض أية حكومة إسلامية تأتي بعدها؛ لدفع المصريين للكفر بالثورة وما نتج عنها!
2. إصرار المجلس العسكري على حرمان الأغلبية البرلمانية من تشكيل حكومة وطنية، علما بأن هذا من حقها دستوريا، كما هو معمول به في الدول الديمقراطية، والهدف من هذا الإصرار إبعاد الإسلاميين عن القيام بأي دور تنفيذي في الحكم، حتى لا يوقفوا الكوارث التي تنهض بها حكومة الجنزوري حاليا.
3. محاصرة مجلس الشعب بالكثير من المشاكل لإغراقه في التفاصيل الكثيرة دون الوصول إلى حلول عملية يلمسها المواطن في أرض الواقع؛ لأن السلطة التنفيذية ليست من حزب الأغلبية، ولا سلطان عملي لمجلس الشعب عليها، وبالتالي يتم تفريغ مجلس الشعب من مضمونه، وتشويهه في أعين الجماهير بعد أن يتحول إلى مجرد مَكْلَمَة، ومع الوقت سيصب الشعب جام غضبه عليه؛ فهو لم يختر نوابه للكلام فقط!
4. افتعال أزمة اللجنة التأسيسية للدستور، وتشويهها والضغط على بعض أفرادها للانسحاب، ومن ذلك انسحاب الدكتورة منى مكرم عبيد والدكتور عمرو حمزاوي رغم أنهما في البداية شكرا مجلسي الشعب والشورى لانتخابهما لعضوية اللجنة، والدكتورة منى نفسها أثنت على الإسلاميين وشكرتهم لأنهم انتخبوها لعضوية اللجنة متقدمة على الداعية عمرو خالد بفارق كبير في عدد الأصوات (مع أنها امرأة وقبطية، الأمر الذي ينفي ويدحض فرية استئثار الإسلاميين باللجنة وتهميش المرأة فيها...!!) كما أن 55٪ من أبناء دائرة الدكتور عمرو حمزاوي (بحسب استفتاء نشره هو نفسه على صفحته على الفيس بوك) طالبوه بالاستمرار في عضوية اللجنة التأسيسية للدستور، ومع ذلك فقد ضرب بعرض الحائط آراء غالبية أبناء دائرته ورضخ للضغوط التي طالبته بالانسحاب من عضوية اللجنة.
5. إمكانية التلاعب في انتخابات الرئاسة القادمة، واستبعاد الإسلاميين منها بحجج مختلفة، كحجة حمل أحد أقرب المرشح الأقربين لجنسية دولة أجنبية... أو غير ذلك من الألاعيب السياسية التي لا تُعْجِز أعداء الثورة المصرية الكثيرين في الداخل والخارج!!
6. تلويح المجلس العسكري في أكثر من مناسبة بحل مجلسي الشعب والشورى، وبذلك تكتمل المؤامرة ويتم الالتفاف على ثورة 25يناير المجيدة، ويتم إعادة إنتاج نظام مبارك بوجوه جديدة، ويخرج الشعب المصري صفر اليدين بعد نحو عام ونصف من انتهاء الموجة الأولى للثورة، وهذا دون أدنى شك ينذر بأوخم العواقب، ويفتح ـ لا سمح الله ـ أبواب الشرور جميعها على المجتمع المصري الذي لن سكت على هذه المؤامرة بل سيدشن الموجة الثانية من ثورته وستكون لو وقعت ـ لا قدر الله ـ أكثر عنفا ودموية مما شهدته ليبيا وسوريا!!
رابعا: والآن ما المطلوب؟ وما الذي يجب على الإسلاميين عمله في هذه الأوقات الحرجة العصيبة؟
لا أدعي أنني أعلم ما لا يعلمه غيري، أو أنني سآتي بما لم يأت به الأوائل، لكن لا بأس من طرح الأفكار التالية لعل الله تعالى يكتب لها القبول ويجد فيها المعنيون شيئا مفيدا نافعاً:
1. لا بد أن يعترف الإخوان أولا بأنهم كانوا على مدى الشهور المنصرمة جزءا من أسباب هذه البلبلة؛ بسبب ترددهم واستغراقهم وقتا طويلا حتى اكتشفوا المؤامرة، أو بالأحرى حتى تعاملوا معها بجرأة وشجاعة...!
2. ينبغي لجماعة الإخوان أن تبادر فوراً باستيعاب واحتواء شباب الثوار، وشباب الإسلاميين من كافة الاتجاهات والمدارس الفكرية، وتطيب خواطرهم وتوضيح الحقائق أمامهم، والاعتذار لهؤلاء الشباب عما أحدثه تردد واضطراب قرارات الإخوان من تمزق وصراع نفسي فكري للكثيرين منهم.
3. يجب على الإخوان المسلمين المسارعة فوراً إعادة بناء الثقة ومد جسور التواصل المباشر مع كافة أطياف القوى السياسية المصرية، وفتح قنوات الحوار الصريح لمناقشتهم بكل شفافية ووضوح في كافة الأفكار المطروحة.
4. آمل وأتمنى وأرجو أن يتجرد جميع المصريين وتحديدا الإسلامين من العوامل الشخصية والرغبة في الانتصار للذات والمواقف الخاصة، والتفكير فقط في مصلحة مصر الأرض والشعب والمكانة والتاريخ.
5. أتوقع أن يتوصل الإسلاميون في الوقت المناسب لموقف موحد ويعلنون وقوفهم جميعا خلف مرشح واحد منعاً لتفتيت الصوت الإسلامي في انتخابات الرئاسة القادمة، وبعد أن تغلق أبواب الترشيح، وتتضح الرؤية كاملة حول مرشحي الرئاسة ونوعياتهم وتوجهاتهم وأحجامهم وأوزانهم الانتخابية في الشارع ـ لا أستبعد مطلقا أن يتنازل الإسلاميون لواحد منهم تكون لديه فرصة أكبر في الفوز، فنحن نثق في أن الإسلاميين المصريين مخلصون لمشروعهم الإسلامي، وأنهم يسعون بكل طاقتهم وبتجرد وإخلاص لنصرة هذا المشروع لأنه نصرة لوطنهم الغالي مصر وشعبها العزيز، بل نصرة للأمة العربية والإسلامية كلها!
* كاتب إسلامي مصري