مطلوب إرهابي

مطلوب إرهابي!

صلاح حميدة

[email protected]

قتل محمد مراح المشتبه بقيامه بقتل مجموعة من الجنود المسلمين في الجيش الفرنسي، وحاخام وطلّاب في مدرسة يهوديّة، وحسب ما نقل عنه وزير الدّاخليّة الفرنسي بأنّه فعل ذلك انتقاماً من مشاركة فرنسا في الحرب على أفغانستان، ومن قتل الجيش الإسرائيلي للكثير من الأطفال الفلسطينيين خلال عدوانها الأخير على قطاع غزّة.

تعيش الجالية المسلمة أسوأ أيّامها في فرنسا هذه الأيّام، وفي ظل حملة انتخابيّة يزاود فيها الجميع في الموضوع الإسلامي، وما يطلق عليه موضوع اندماج المسلمين في المجتمع الفرنسي، ويرى الكثير من المحلّلين أنّ القادم أسوأ للمسلمين الفرنسيين، بالرّغم من أنّ الرّئيس الفرنسي طالب بالفصل بين ما  فعله  محمد مراح، وبين ملايين المسلمين الفرنسيين، قائلاً أنّ الرجل " قتل جنوداً مسلمين قبل أن يقتل يهوداً".

ما يلفت النّظر أنّ هذا الشّاب كان تحت المراقبة من المخابرات الفرنسيّة، واعتقل في فلسطين المحتلّة وحقّق معه وتمّ ترحيله، وهكذا حصل عندما سافر لباكستان وأفغانستان وسوريا، وتمّ ترحيله لفرنسا أيضاً، وتمّ تركه ليقتل الجنود ويهاجم المدرسة اليهوديّة، ويتمّ الإعلان أنّ المشتبهين هم من النّازيين الجدد، ثمّ يتمّ إطالة محاصرته تحت تغطية إعلاميّة طويلة خلال حملة انتخابيّة، ثمّ يقال قد يكون قتل، ويقال أنّه ألقى بنفسه من النّافذة وقتل، ثمّ يقال قتله رجال الوحدات الخاصّة الفرنسيّة، ويذكّرنا هذا بقصّة قتل بن لادن وما قيل عن إلقاء جثّته في البحر، ثمّ يقال أنّها في الولايات المتّحدة، وهناك من يخمّن أنّه حيّ في مكان ما، وأنّ ما أعلن عن قتله مجرّد فلم هوليودي متقن. والغريب في الموضوع أنّ رجلاً تحت الرّقابة قام بكل ما قام به بدون أدنى عائق، كما كان من قاموا بتفجيرات لندن مراقبين أيضاً من قبل المخابرات البريطانيّة، وكما قيل عن منفّذي هجمات أيلول في الولايات المتّحدة، بانّهم كانوا تحت رقابة مجموعة من أجهزة المخابرات الدّوليّة؟!.

ففي الدّول العربيّة الّتي يتتلمذ ضبّطها على يد المخابرات الغربيّة يتمّ ملاحقة المستهدفين في صلاتهم وعملهم  وعلاقاتهم الاجتماعيّة، وإذا زار أحدهم صديقه أو قريبه يتمّ سؤاله عن ذلك، وتراقب هواتفهم وجوّالاتهم واجهزة الكمبيوتر خاصّتهم، حتّى أنّ بعضهم يتمّ التّنصّت عليهم في سيّاراتهم وبيوتهم وحتّى غرف نومهم، فكيف بمن يدرّبهم لا يستطيع أن يمنع شابّاً ذهب لأفغانستان وباكستان وفلسطين المحتلة  وسوريا، ليفعل شيئاً ما واعتقل ورحّل إلى فرنسا؟!.

من الواضح أنّ هذا الشّاب، وغيره الكثير من الشّباب العرب والمسلمين، يدفعهم الغضب الشّديد من الجرائم الّتي تقترف بحقّ المسلمين والعرب من قوى الاحتلال في العالم، وفي مرحلة ما من هذا الغضب يتّجه هؤلاء الشّباب لفعل شيء  للتّعبير عن هذا الغضب، وهنا يتمّ استغلالهم والتّسهيل لهم من قبل أجهزة مخابراتيّة عديدة، فمنهم من يتمّ تجنيده في إطار تنظيمات وهميّة ليقوم بأفعال تخدم سياسة دول وأجهزة استخبارات معيّنة، ويتمّ برمجة تلك الأفعال في أوقات حاسمة للعرب والمسلمين، كالانتخابات أو محاولة إحداث اختراق سياسي أو قانوني حقوقي لهم في الغرب، أو رغبةً في جعل تلك الجاليات الإسلاميّة في وضع دفاع عن النّفس والإنكفاء عن لعب أيّ  دور مؤثّر في الحياة العامّة في تلك الدّول، وقد يكون الاعلان في البداية عن دور لليمين العنصري في الجريمة الّذي تمّ نفيه فيما بعد، والإعلان عن دور مسلم فرنسي فيها، بهدف إثارة حالة من التّعاطف مع اليمين الّذي تمّ "ظلمه" بالاعلان عن دور له في الجريمة.

بالرّغم من أنّ هذا الشّاب مسلم، وما أعلن من تصريحات وأفعال له نقلت للجمهور عبر قنوات أمنيّة فرنسيّة، إلا أنّ دافعه لما قيل أنّه قام به كان سياسيّاً وليس دينيّاً، وإن كان هناك من يرغب بزجّ الدّين في الجريمة، فالدّين الإسلامي لا يجيز قتل الأطفال، كما نقل عن محمد مراح أنّه لم يهتم لقتل الجنود الفرنسيين المسلمين لكونهم يطبّقون سياسات فرنسا الإستعماريّة في أفغانستان، وهو هنا لا يحرّكه دافع قتل غير المسلمين، ولكن دافع قتله لهم لما يقومون به من أفعال. كما أنّ ما قام به لا يعود لعدم قدرة المسلمين أن يندمجوا ويكونوا مواطنين في فرنسا، ولكنّه يعود لعدم قدرته على أن يكون إنساناً وفرنسيّاً ومسلماً وعربيّاً وأن يتعايش مع حقيقة ظلم فرنسا للكثير من النّاس في بلاد أخرى، ولدعمها لمن يقتل أطفالاً في بلاد عربيّة وإسلاميّة، وبالرّغم من قيامه بفعل عنيف للتّعبير عن شعوره بالغضب من سياسات فرنسا، إلا أنّه يعبّر عن إنسانيّته زمشاعره الصّادقة بطريقة غير صحيحة، وتمّ استغلاله من قبل أناس يهمّهم فقط استثمار أفعاله والرّقص على نتائجها.