ماذا حصل ولماذا وإلى أين نتجه؟ 

ماذا حصل ولماذا وإلى أين نتجه؟

محمد العبدالله

حصلنا على فيتو مزدوج، غير متوقع لحد ما، كانت نسبة إمكانية تمرير القرار مقبولة. أفرغت موسكو القرار من العديد من النقاط المهمة. تذرعت روسيا بالتدخل العسكري، والعقوبات، وإجبار الأسد عن التنحي، فحذفت جميعها من مشروع القرار. بقي سطر واحد لا تستطيع موسكو طلب إزالته: دعم المبادرة العربية كاملة (التي تنص على تنحي الأسد). لذلك صوتت روسيا (والصين) بالفيتو، بسبب هذا السطر تحديداً.

لكن لماذا تغطي موسكو نظاماً متهاوياً وقاب قوسين أو أدنى من السقوط؟

1- تشعر روسيا من خلال الملف السوري أنها عادت إلى الساحة الدولية كلاعب أساسي. تستطيع المنافسة على السياسات الدولية، إبتزاز المجتمع الدولي، فرض أجندتها الخاصة. "كبر رأس" وزير الخارجية الروسي لحد أنه امتنع عن الإجابة على مكالمات وزيرة الخارجية الأميركية. حتى إن دعوة موسكو لحوار يجري على أراضيها لا تهدف لإنهاء الأزمة وحقن دماء السوريين أكثر مما تهدف لإظهار روسيا كلاعب دولي له دور في الساحة الدولية.

2- الحملة الإنتخابية لبوتين (الذي يواجه صعوبات كبيرة في حملته) تعتمد على قدرته على إظهار موسكو كطرف دولي قوي، وكقطب ند للولايات المتحدة. هذا ينعكس في الملف السوري. زاد الوضع سوءاً لبوتين أن وزيرة الخارجية الأميركية وصفت انتخاباته الأخيرة بالمشوبة بالعيوب والانتهاكات وهذا أثار جنون موسكو التي بدأت ترى الولايات المتحدة تتدخل حتى في عقر دراها. لا تملك روسيا إلا الرد في السياسة الدولية. الملف السوري مرة أخرى.

3- مصالح روسيا مع النظام القائم كبيرة. سوريا هي منطقة النفوذ الروسية الوحيدة التي بقيت في المنطقة، ممثلة بميناء طرطوس العسكري. صفقات السلاح أمر أساسي أيضاً. دعم نظام الأسد يعني بشكل غير مباشر دعم لطهران التي تراها موسكو كخط دفاع أول في وجه أي مد عربي- سني تجاه دول الاتحاد السوفياتي سابقاً والمجاورة لروسيا (الشيشان).

4- ثم إن روسيا ليست على حياد في هذه المعركة. هي طرف يقف إلى جانب النظام. حاولت موسكو إجهاض العملية السياسية عبر الفيتو الذي ينتج عنه مباشرة فشل المبادرة العربية وإنهاء دور كل من الجامعة العربية ومجلس الأمن والمجلس الوطني السوري، على اعتبار أن التقدم السياسي اصطدم بجدار وأصبح غير ممكن، وبالتالي إخراج المجلس الوطني السوري من المعادلة كلاعب ونقلها للمنشقين والمسلحين الذين سيكون لهم دور وكلمة أكبر 

هنا يغدو صوت السلاح مسموعاً أكثر. الشعب السوري سيتسلح للدفاع عن نفسه وسيطلب النظام المزيد من السلاح الروسي لقمع الثورة والمنشقين، فتحصل موسكو على مردود مالي إضافي من صفقات السلاح.

الأسباب السياسية للفيتو كثيرة لا تنتهي. عشرات التحليلات ممكن أن تتناولها. لكن ما سر الفيتو الصيني الذي "ضمنته" المملكة العربية السعودية سابقاً؟

الصين لم تكن لتصوت فيتو (في المرتين وليس فقط هذه المرة) ما لم تصوت روسيا. رأت بكين أن القرار انتهى بفيتو روسي على أي حال وأن مصالحها مع موسكو أكثر فصوتت إلى جانبها، إلا أن دورها ثانوي كونها لا تعاني من "عقدة النقص" الروسية التي تحاول بسببها موسكو إثبات أهميتها عبر الفيتو وعرقلة أي قرار بخصوص سوريا.

لكن هل قامت المجموعة الغربية (الولايات المتحدة تحديداً) ما يكفي من ضغوط لحسر دور موسكو أو حتى إحتواءه؟

للأمانة، لا. الإدارة الأميركية ترفض مبدأ "الإبتزاز الروسي" من وجهة نظرها. ولن تقدم لروسيا شيئاً وستتركها تواجه العزلة الدولية وخسارة الحلفاء والخجل بسبب سياستها تجاه سوريا.

طلبات روسيا أكبر مما تستحق وأكبر مما يمكن لأي طرف أن يقدم. روسيا تطلب من أميركا إيقاف برنامج الدرع الصاروخيي الأميركي في أوروبا والولايات المتحدة لن تقدم لها شيئاً... 

أكثر من ذلك، حملة أوباما الإنتخابية تقوم على تعزيز تقدم الولايات المتحدة سياسياً (بعد أن فقدت دورها السياسي وسمعتها بسبب الجمهوريين وحروبهم في المنطقة)، كما تقوم على دعم الحريات والربيع العربي عموماً وهذا يدفع أوباما لرفض المساومة على الملف السوري ورفض التفاوض مع روسيا عليه بإعتبار أن مفاوضات مع روسيا ستوصل لحلول وسط وليس لرحيل النظام.

إلى أين نتجه؟ وماذا يمكننا أن نفعل؟ 

بعيداً عن كل التحليل السابق أعلاه. إلى أين أوصلنا الفيتو الروسي؟

1- إنهاء العملية السياسية وبالتالي إيقاف دور المعارضة السياسية كما أسلفت.

2- إرتفاع وتيرة المطالبة بالسلاح والتسليح ودعم الجيش الحر للإعتماد على الذات.

ماذا سنفعل؟

لعل من إيجابيات الفيتو الروسي هو إنهاء دور مجلس الأمن. ستحول الجامعة العربية دون وأد مبادرتها خلال إجتماعها المزمع عقده الأحد القادم (12 شباط)، لكن دور مجلس الأمن انتهى. وبالتالي أخرجتنا روسيا من حربها الباردة التي زجتنا بها ولعبت دوراً معرقلاً من خلالها. لذلك ما سنقوم به هو التالي:

1- التحرك بالمبادرة العربية إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة للحصول على قرار بدعمها المطلق وتبنيها. لا فيتو في الجمعية العامة وتكفي غالية بسيطة لصدور القرار.

2- دعوة بشار الأسد للاستقالة من قبل الدول العربية وبسحب السفراء من دمشق وطرد سفراء النظام من العواصم العربية، تنفيذاً لقرار الجامعة العربية ذي قضى بمعاقبة النظام، والمضي في العقوبات وحظر الطيران التجاري.

3- إعتماد قرار الجمعية العامة كغطاء سياسي لتشكيل تحالف دولي للدول الصديقة للشعب السوري. "تحالف الراغبين" كما يعرف في السياسة. سيلعب دوراً في ترتيب الأجواء للعب دور جدي وتدخل حقيقي لحماية الشعب السوري. العمود الفقري في هذا التحالف سيكون الدول العربية وتركيا التي قد تكون قواتهما هي المساهم الأساسي في حماية الشعب السوري ومساعدته.

4- يقوم التحالف بتدريب الجيش الحر وتنظيمه وتسليحه بشكل غير مباشر. لن تقوم أي دولة أوربية أو غربية بذلك ولا حتى الولايات المتحدة، لكنها ستغض الطرف عن ذلك وتشجع وتأمن دعماً لوجسيتاً وغطاءً سياسياً (في شهادة مستشار وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلنتون فريدريك هوف أمام الكونغرس، سأله الكونغرس: لماذا لم تسلحوا المعارضة السورية؟). طبعاً هذا يعكس دقة المرحلة ووصولها لمرحلة الحسم بالسلاح.

5- تأمين دعم إغاثي عاجل (مالي وعيني) للشعب السوري يساعده على الصمود في معركته والإستمرار باعتبار أن المعركة قد تطول قليلاً.

هذا يتطلب صموداً كبيراً جداً، واستمراراً في التظاهر. طبعاً لا خوف على معنويات الناس. فبالرغم من كل الدماء والمجازر فإن الشعب يدرك أنه أساس التغيير وانه يجب ان يعتمد على نفسه أولاً وأخيراً

لم ننطلق في ثورتنا من درعا بانتظار أي قرار دولي. ولم نصمد في حمص معولين عليه! إن أتى القرارفعلى الرحب والسعة، وإن لم يأت، سنعتمد على الله وعلى أنفسنا وعلى جيشنا الحر (الجيش الحر بحاجة ماسة للتنظيم الحقيقي والسلاح، سأكتب عنه مفصلاً على ضوء ما سنصل إليه من قرارات مع الدول الصديقة بدعم وتنظيم وتسليح الجيش الحر).

طريقنا وعرة قليلاً لكنها أصبحت واضحة المعالم. الحرية قاب قوسين أو أدنى...

يرونها بعيدة، ونراها قريبة.