إيران والإخوان
صلاح حميدة
اتسمت االعلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين وبين الجمهوريّة الإيرانية بنوع من الودّ بشكل عام، وكان يشوبها بعض من البرود أحياناً، وتعود الجذور التّاريخيّة للعلاقة بين الطّرفين إلى ما قبل سقوط الشّاه وقيام الجمهوريّة الإيرانيّة على يد الخميني الّذي عاد من منفاه في باريس، فقد قام الإيرانيون بترجمة كتب مفكّري جماعة الإخوان إلى الفارسيّة، ودرسوها واعتمدوها في عملهم الميداني، وبعد نجاح الثّورة وقيام الجمهوريّة، تقارب الطّرفان لدرجة معيّنة، وسمّي "مرشد" الثّورة تيمّناً ب " مرشد" الإخوان في مصر.
لكن تأييد إيران الخمينيّة لنظام الأسد في حربه ضدّ الإخوان وما تبعها من مجازر حماة وغيرها، بالإضافة لاضطهاد النّظام لأهل السّنة والعرب الشّيعة في إيران، أوصل الإخوان إلى قناعة بأنّ هذا النّظام طائفي قومي ذو خطاب شعوبي ولا يحمل مشروعاً حضاريّاً جامعاً لكل مكوّنات الأمّة، وبالتّالي فقد اتّسمت العلاقة بين الطّرفين غالباً بالفتور.
بقيت العلاقة على حالها في ثمانينات القرن الماضي، ولكنّ الحياة دبّت في تلك العلاقة في عقد التّسعينات وحتّى نهاية العقد الأول من القرن الحالي، وكان عنوان هذه الحيويّة التقاء الجانبين في دعم الجناح الفلسطيني للإخوان " حركة حماس"، وعداء الأنظمة العربيّة المدعومة أمريكيّاً لهما، بالإضافة إلى تبلور ما أصبح يعرف بحلف المقاومة والممانعة الّذي أضيف إليه بعض القوميين واليساريين العرب وبعض دعاة الوحدة الإسلاميّة – الإسلاميّة والتّقارب السّني - الشّيعي، ومن الممكن إطلاق صفة "الرّبيع" على العلاقة بين الطّرفين في تلك الفترة، حيث اختار الإخوان تأجيل الملفّات السّوريّة والدّاخليّة الإيرانيّة وما قامت به المخابرات الإيرانيّة من جرائم في العراق، وقدّمت الملفّات الّتي يتّفق عليها الجانبين، الإقليمي منها والدّولي.
فجّرت ثورات الرّبيع العربي بعض الملفّات المسكوت عنها بين الطّرفين، فبينما التقى الطّرفان على تأييد الثّورة في تونس ومصر واليمن، جنحت أطراف إيرانيّة للميل لصالح القذّافي من باب دعوته لإحياء الدّولة الفاطميّة ودعمه السّابق لإيران في حربها ضدّ العراق، أمّا الملف السّوري فقد وصل إلى درجة لا يمكن احتمالها مع تفجّر الثّورة ودعم إيران وحلفائها الطّائفيين لأعمال القتل الوحشيّة والممنهجة للجماهير السّوريّة، ففي السّابق كان الإخوان السوريون يدفعون وحدهم ثمن التّقارب الإيراني – الإخواني في الملف الفلسطيني، وهو ما كان يعتبره الإخوان محتملاً، ولكن أن يقتل ويذلّ ويضطهد غالبيّة الشّعب السّوري تحت هذا العنوان، فهذا لا يمكن قبوله ولا تبريره، وما زاد حدّة التّوتّر بين الطّرفين ما قام به صنيعة إيران في العراق بحرب استئصال لشركائه السّنة في العمليّة السّياسيّة، وهو ما كشف أنّ إيران ومن معها لا ينظرون لهذا التّقارب إلا مرحلة لالتهام الآخرين فقط، وهم على استعداد للتّحالف مع الأقليّات وإثارة خوفها من أهل السّنة وتصويرهم كوحوش في سبيل إبقاء نفوذهم المطلق هناك، وإقصاء العرب السّنّة عن أيّ دور في المشهد السّياسي، كما ظهر بوضوح في العراق وسوريا ولبنان.
أعلنت إيران ترحيبها بما قامت به الشّعوب العربيّة في كلّ من تونس ومصر واليمن، وتعاملت بخطاب مزدوج تجاه ما جرى في ليبيا، وهي تعمل بطريقة مماثلة لما تقوم به الدّول الغربية لمحاولة احتواء تلك الثّورات وتجييرها لصالح مشروعها في المنطقة، وبدأت فعليّاً بغزو تلك البلدان استخباراتيّاً عبر مشاريع اقتصاديّة وخيريّة، مثل مشروع الأطراف الصّناعيّة في ليبيا والاستثمارات الصّناعيّة في صعيد مصر.
ولمّا فوجئت إيران بأنّ نتائج الانتخابات لم تفرز أطرافاً مواليةً لها، طفقت هي وإعلام حلفائها في الانتقاص من الإخوان وتشويههم، حيث يصوّرون أيّ لقاء مع مسؤول غربي من قبل الفائزين في الانتخابات كما لو كان عملاً خيانيّاً، ويعملون على اتهام قادة الإخوان الّذين كانوا مشرّدين في أوروبّا بسبب قمع الأنظمة العربيّة لهم – ومنها السّوري- محاولين إظهارهم كعملاء لتلك الدّول الّتي آوتهم، بينما يتناسون أنّ الخميني عاد إلى طهران من باريس، كما عاد حلفاء إيران إلى العراق من بريطانيا على ظهور دبابات أمريكا وحلفائها؟!.
نتائج الانتخابات المصريّة والتّونسيّة مثّلت هزيمة كبيرة للطّرف المدعوم إيرانيّاً، وليس سرّاً أنّ إيران تلتقي مع بعض دول الرّجعيّة العربيّة في انزعاجها من فوز الإخوان في الانتخابات، فإيران الطّائفيّة والظّلاميين العرب لا يريدون رؤية بناء نموذج سياسي مبني على المشاركة السّياسية من الجميع، يقوم على التّوزيع العادل للثّروة، والعدالة الاجتماعيّة لكل أطياف المجتمع، نظام لا يستأثر به دكتاتور تحت مسمّيات وليّ الأمر أو الوليّ الفقيه، ففي الاسلام يمكن للمسلم أن يحاجج ويحاسب الخليفة أمام النّاس، ولا قداسة فيه لبشر.
بالرّغم من كون بعض الدّول الظّلاميّة العربيّة تسعى لإجهاض نموذج الثّورة والمشاركة والعدالة الّذي يشكّل الاخوان عموده الفقري، فإنّ تلك الدّول تعادي إيران ومشروعها في نفس الوقت، وهذا العداء مشترك لإيران وللإخوان، بالإضافة إلى بقاء الملف الفلسطيني كنقطة لقاء بين الطّرفين حتّى الآن، وقد يكون هذا عائداً إلى عدم وجود قوّة موازية للإخوان في فلسطين تقبل أن تكون أداة يضرب ويناكف بها الإيرانيون إخوان فلسطين، بالإضافة إلى أنّ أيّ تصرّف من هذا القبيل بحقّ إخوان فلسطين سيضرب الدّعاية الإيرانيّة في الصّميم.
إذا نجح الإخوان في بناء نموذج جامع مانع للأمّة، نموذج لا يقصي ولا يقتل مخالفيه، نموذج ناجح سياسيّاً واقتصاديّاً واجتماعيّاً واستراتيجيّاً، حينها سيزداد التّوتّر بينه وبين أنظمة الظّلام والدّكتاتوريّة العربيّة، بالإضافة إلى احتمالات كبيرة لتوتّرات ظاهرة مع المشروع القومي – الطائفي الإيراني.