الكعكة في يد الكريم
أ.د/
جابر قميحةيقول المثل العامي : " الكحكة في إيد اليتيم عَجَبَة " .
ولكن الكحكة هذه المرة ليست في يد اليتيم ، بل في يد من يستحقها ، وحرص على أن يطعم منها الآخرين .
لقد تذكرت هذا المثل العامي وأنا أرى الحرب من جهات متعددة ، وقد شُـنت في أبشع صورها على الإسلاميين الذين فازوا بالأغلبية باستحقاق في الانتخابات النزيهة الأخيرة لمجلس الشعب .
وَوُجهت السهام الملوثة ضد هؤلاء الإسلاميين ، مع البكاء المر ــ بدموع التماسيح ــ على مستقبل مصر الذي ستحكمه ، ويتحكم فيه أصحاب اللحى والمسابح.
لقد كان الافتراء والكذب أحد الآليات لتشويه سمعة الإسلاميين ؛ فقد سمعت أحد المثقفين الكبار يقول في حشد حاشد بالحرف الواحد " ... إن كبيرا من هؤلاء السلفيين يحرم الكهرباء ؛ فقد سأله واحد من الشعب : ابني الصغير أمسك بسلك كهربي عارٍ ، فصعقته الكهرباء فسقط ميتا . فكان جواب السلفي الكبير : بعد ذلك يحرم عليك وعلى من في رعايتك استخدام الكهرباء ؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا ضرر ولا ضرار " . فلما سألتُه بيني وبينه هلا ذكرت اسم هذا السلفي حتى يحذره أمثالنا ؟ كان جوابه المفضوح : إن اسمه أشهر من أن أذكره .
*********
ووجهت السهام إلى الإسلام نفسه بالمغالطات المقصودة ، وبالجهل المفضوح بطبيعة الإسلام وحقائقه : يقول " يوسف " رجل برنامج صباح الخيرعلى قناة
( ontv ) وهي قناة تتبع نجيب ساويرس : إن دعاة الإسلام السياسي سيضرون بالإسلام إضرارا بالغا إذا " مسكوا الحكم " . ونسي بل جهل هذا الدعي حقيقتين :الحقيقة الأولى : أن الإسلام في صورته الصحيحة ـ كما جاء به رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا يعرف ولا يعترف بهذه "الإسلامات" المدعاة "إسلام سياسي ـ إسلام روحاني ـ إسلام اقتصادي ... إلخ" لأنه دين واحد شامل فيه العبادة والروحانيات، والسياسة، والاقتصاد، والجندية، والقيادة، والعلم، والتعليم، والتربية، لذا كان الأصح أن نقول: القواعد السياسية في الإسلام "هو الأصل" الذي ينسب إليه، لا "المنسوب" الملحق بغيره، فنقول: السياسة الإسلامية لا الإسلام السياسي، ومن ثم لا تصح عقيدة مسلم يزعم أنه يؤمن "بالإسلام الروحي" عبادة وشعائر، ويكفر بما عدا ذلك من سياسة وتربية وسلوك.
والحقيقة الثانية : أن القرآن وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أبانا عن طبيعة هذا الدين قبل أن يفارق الدنيا : فيقول تعالى : " (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا) (المائدة: 3). وقوله تعالى : " (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ) (آل عمران: 22). وأيضا قوله تعالى : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (آل عمران: 85).
وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا : كتاب الله وسنتي " . وقوله : " ... فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ، عضوا عليها بالنواجذ.. " .
*********
وأغرب من ذلك تقسيم الإسلام على أساس إقليمي فسمعنا السيدة شاهندة مقلد ــ في مقام الحديث عن تسامح الإسلام ــ تقول : " المسيحية المصرية مسيحية مصرية . والإسلام المصري إسلام مصري !!!!! " .
وأسأل السيدة الفاضلة : أليس من حق الشعوب الأخرى أن ينسب الإسلام إليهم ليكون هناك : إسلام لبناني ، وإسلام عراقي ، وإسلام باكستاني ، وإسلام إيراني .... الخ ؟! .
لقد نسيت السيدة الفاضلة ــ أو جهلت ــ أن دولة الإسلام قامت على العرب مثل أبي بكر وعمر ، وعلى مسلمين من جنسيات أخرى : كـصهيب الرومي ، وسلمان الفارسي ، وبلال الحبشي !! . وصَهَرَ الإسلام كل هؤلاء في جنسية واحدة هي " الجنسية الإسلامية " . فلما سُئل أحد المسلمين عن نسبه أقيسي هو أم تميمي ؟ كان جوابه :
أبي الإسلام لا أبا لي سواهُ
إذا افتخروا بقيسٍ أو تميم .*********
وعن حصول الإسلاميين على أغلبية مقاعد مجلس الشعب نذكر هؤلاء وغيرهم بالحقائق الأتية :
أنها كانت أنزه انتخابات في تاريخ مصر . وذلك بشهادة العالم كله .
أن دلالة هذه الانتخابات تتلخص في أن الأمة تعتز بدينها ،وتعتز بهويتها الأصيلة ، وتعتز بمن يدعون إلى القيم الإنسانية والسياسية والاجتماعية العليا . ولم يعد المواطن المصري ينساق بالمال لاختيار شخص معين . وهناك من هؤلاء المرشحين من أنفق على الانتخاب عشرات الملايين من الجنيهات ، ومع ذلك سقط سقوطا ذريعا .
أن هذا الحكم على الإسلاميين ومستقبل مصر قبل أن يتولى هؤلاء تسيير الأمور ... هذا الحكم القَـبْـلي مرفوض بميزان العقل والشعور، لأننا يجب أن ننتظر حتى يتولى هؤلاء الأمر ، ويديروا الأمور من وجهة نظرهم . ونقول لهؤلاء كيف تصدرون حكما نهائيا على من لم تجربوه .
أن هؤلاء ــ وأغلبهم من عتاة العلمانيين ــ مازلوا يذرفون دموع التماسيح على الموت المنتظر للسياحة في مصر ؛ لأن هؤلاء الإسلاميين سيحرمون الخمر والسباحة بالمايوهات .
ونسي هؤلاء ــ أو جهلوا ــ حقيقة معروفة ، وهي أن السائح لا يأتي إلى مصر لكي يشرب الخمر ويسبح في الشواطئ ، ولكنه يأتى ليرى مصر على حقيقتها ، ويرى آثارها الثاوية في أرضها من آلاف السنين . ولكنها المغالطة وسوء النية ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
وأخيرا نقول لهؤلاء إن التجربة هي التي ستقودنا إلى الرأي الصحيح ، والبقاء للأصلح لا للمغالط والكذاب .