الكعكة الحجرية
سلام خوري
أنا لست أخشى الذئب ذئبا ، انما أخشاه في جلد الحمل ،
رعبى عدو لا أراه ..
أو لا أراه ،إلا إذا فات الأوان !
وأنا كأهل الشعر معلول البصر ،
خمن .. أطول أم قصر ؟ !
- الأمر فى الحالين ضعف فى النظر !
- ماذا إذا كان الذئاب هم الرعاة ؟” (نجيب سرور)
وفي عصرنا الذئاب هم الرعاة ومعظمنا معلول البصر، والذئب أقنع البعض بعدم ذئبيته بأن أكل الذئب الأعجز منه، تماما كأننا نعيش رواية لنجيب محفوظ فبعد أن تقوم العركة في الحارة وغالبا يشترك فيها جميع أهل الحارة إلا أنه دائما ما يأتي قيصر آخر يحل مكان قيصر القديم وغالبا ما يكون القيصر الجديد أبشع من القديم، ويكفي أن تقرأ من يترحمون على أيام عبد الناصر أو حتى السادات ومن يترحمون اليوم على أيام مبارك، ففي تاريخنا المعاصر لم يأت على مصر حاكم إلا وهو أسوأ من الذي قبله ودائما ما تكون ألقابه أرفع بقدر ما هو أسوأ فبعد أن رحل الزعيم الملهم أتى لنا الزعيم المؤمن ثم أتانا صاحب الضربة الجوية واليوم لدينا الهيدرا ذو الرؤس التسعة عشرة ولا تتكلم رأس من هذه الرؤس نيابة عن الهيدرا وكل رأس تخبرك أن باقي الرؤس تمثل نفسها فقط. فلا عتمان، ولا شاهين، ولا الفنجري، ولا حتى طنطاوي يمثل المجلس العسكري، لكن المجلس له ألقاب وسلطات أكثر من مبارك والسادات ربما مجتمعين، فهو حارب كما حاربوا وكما قال طنطاوي إنه أربعين سنة بيقاتل وهايقاتل طبعا مش عارفين كان بيقاتل مين الثمانية وثلاثون سنة الماضية ولا هايقتل مين بعد كدة، وليس فقط أنه حارب كما حارب السادات ومبارك، لكنه زاد عليهم بأنه حامي الثورة، وإنه رجل شريف محدش قال له أضرب وهو قال لأ، وإن كان ممكن من الأول نبقى زي إللي حولينا. يعني ببساطة يا شعب يا ناكر الجميل إحنا نقدر نموتك لكن ماموتنكش، أي نعم محدش فينا حماك لكن إحمد ربنا إننا ما موتناكوش !!.. فلما نموت منكم شوية عدوها بقى فرصيدنا يسمح!. ومن ناحية السلطات حدث ولا حرج، فالقيصر الجديد ليس كالقديم بل أكبر وأحقر، فهو يمتلك جميع سلطات القديم زائد السلطة التشريعية والقضائية، يعني ببساطة كدة بين يديه الحل والرب والعنعنات وكل ما يفرخ الإمعات - مش عارف إن كان ده ببساطة ولا بتعقيد - لكن المهم، خلصنا من عدو رأه معظم الناس بعد تلاتين سنة، إلى ذئب لازال كثير من الناس يظنه حملا،. فبعد أن غار مبارك الذي لم يكن يختلف عليه كثير - حتى المدافعين عنه وأبنائه يعترفون بفاسد فترته - جاء لنا طنطاوي - أو الهيدرا العسكرية - الذي يختلف عليه الجميع، حتى الأخوان الذين أذلهم حكم العسكر من أيام عبد الناصر لليوم يلعقون بيادة العسكر، حتى الأقباط الذين لم يحسن لهم عسكر مصر يوما صاروا يلعقون بيادته. والجميع إلا من رحم ربي يتهمون الضحية دفاعا عن الجلاد، فهل الأمر فعلا كما قالها نجيب سرور علة في البصر؟ لكن علة البصر والرومانسية داء الشعراء وليس داء أهل السياسة؛ فهي الصفقات والمصالح إذن بين ذئاب لا يختلفون سوى في اللون والملبس. ما بين مجلس عسكري وما بين طرطوف الذي وصفه نجيب سرور وصف في غاية الدقة:
طرطوف الماكر كالحرباء ،
تلقاه هناك بكل عقيدة .
في شملة أى نبي ليس يهم !
وبأى كتاب ليس يهم !
فلديه من الأزياء ألوف ،
أستاذ ( الموضه ) طرطوف !
وخبير في حالات الطقس ،
ولديه من الكتب الوف
فوق رفوف
وهناك تنام التوراة
جنب الانجيل
جنب القرآن و ( رأس المال ) ،
و ( رجوع الشيخ ) ، وما لايخطر حتى للشيطان ببال ،
فالحيطة رأس الحكمة والأيام دول !
فقط أنظر إلى التلفاز فلن تجد أكثر من الطراطيف، ما بين طرطوف يشكر المجلس العسكري على الوقوف فجابن المسيحيين يدا بيد، وطرطوف يقول إن الخروج على المجلس حرام، وطرطوف يقول إنه سينزل بنفسه للميدان لكي يؤدب البلطجية، إلى أقذر الطراطيف الذي مايقوم بفتح فمه حتى تشم رائحة هرائة من خلف شاشة التليفزيون وجدناه يلعن الثورة وما أتت به من أخلاق ويتهم الجميع بالخيانة والعمالة..
لكن رغم كل هذا، ورغما عن أنف كل طرطوف وكل قيصر لن ينهزم هذا الشعب فلقد رأى الوجوه الحقيقة وعرف ما خلف القناع.
فقد” سقط الغدر عندما ظهر الجند بالدروع..
أسقطوا الأقنعة..
كل قناع كان خلفه وجه قرد.
نحن لن نرقص بعد اليوم يا زمان القرود، يا زيول اليهود.
ستريكم عجينها الفلاحة..
خبزت مصر كعكها الحجري.. والسيادة منذ الآن للفرن والكانون” (نجيب سرور
)وليلتق الأحرار حول الكعكة الحجرية في وسط الميدان؛ لكي يكملوا إنتصارهم المنتظر.