المبادرة الروسية، هل تنقذ الأسد؟
م. عبد الله زيزان
الموقف الروسي والموقف الغربي
امتاز الروس منذ انطلاقة الثورة السورية بأنهم من أكثر دول العالم وضوحاً وصراحةً بالموقف من الأحداث في سورية، فهي اختارت منذ البدء الانحياز لطرف نظام الأسد، وصمدت في موقفها دون تغيير حتى اللحظة على الأقل، ولم تُبدِ أي مرونة تجاه أي حل قد يؤدي لسقوط النظام السوري، أو تحييد بشار الأسد عن قمة هرم البلاد...
وحين الحديث عن وضوح وصراحة -بل وقاحة- الموقف الروسي، فإن هذا يقابله غموض وربما خداع من أغلب دول العالم، وعلى رأسهم من يسمون بأصدقاء الشعب السوري، الذين لم يناصروا هذا الشعب إلا من خلال المنابر الإعلامية، بتصريحات التنديد والإدانة مستلهمين ذلك من البلاد العربية التي لا تملك من أمرها غير الإدانة والاستنكار، فكان الموقف الأمريكي وكذا الغربي لا يعدو مجرد ثرثرات للاستهلاك المحلي وأحياناً للاستهلاك الخارجي أيضاً..
والمبادرة الروسية الأخيرة لا تخرج عن نطاق الوصف السابق، فهي تأتي في إطار الجهود الروسية لإنقاذ نظام الأسد المتهالك، مقابل لا مبالاة غربية، بل وبرود غريب تجاه تطورات الأحداث في سورية، وانسداد تام في أفق التفكير حول حلول عملية لوقف حمامات الدم في البلاد.
لماذا الآن؟
رغم أن هذه المبادرة لم تكن الأولى التي يطرحها الروس، ومن خلفهم الراعي الرسمي لنظام الأسد في إيران، إلا أنه لا بد من التوقف قليلاً حول توقيت هذه المبادرة، والتي زعم أصحابها أنها ستكون مختلفة عن غيرها، وأنها ستحمل أفكاراً جديدة وجريئة ستعطي المعارضة مكاسب أكثر من أي وقت مضى، وستتخطى بعض الخطوط الحمراء التي رسمها الروس والإيرانيون من قبل، وذلك وفق تسريبات متعمدة عبر وسائل قريبة من النظام وحلفائه...
فالمبادرة تأتي مع تقرير الواشنطن بوست الذي نشر أواخر عام 2014 الماضي، الذي تحدّث عن تلاشي أكثر من نصف الجيش السوري وانخفاض أعداده إلى ما دون 150 ألف عنصر، معظمهم في وظائف إدارية أو هندسية غير قتالية، مما يعني انخفاض القدرات القتالية للجيش السوري بصورة تهدد قدرته على الوقوف في وجه الثوار لمدة طويلة..
وتأتي المبادرة أيضاً وسط سخط وتململ في صف مناصري النظام وكذلك حليفه الرئيسي حزب الله، مع تزايد أعداد قتلاهم، مما أثار العوائل العلوية في الساحل السوري، وكذلك الشيعية في لبنان، وسط استنزاف لافت للنظام في أغلب الجبهات السورية...
فإذا ما أضفنا إلى ذلك كله التراجع الحاد في أسعار النفط العالمية ليصل إلى ما دون الخمسين دولاراً فإن الصورة ستكتمل عن توقيت المبادرة في هذه المرحلة تحديداً، حيث أدى تراجع الأسعار العالمية للنفط إلى تهديد مباشر للاقتصاد الروسي، الذي سيدخل في ركود أكيد خلال العام الجديد 2015، مما سيحد من قدرة روسيا على المناورة السياسية، وقد تنشغل بمشاكلها الداخلية إذا ما استفحلت الخسائر الاقتصادية لهم...
وهذا تماماً ما ينطبق على الإيرانيين، حيث يعتمدون بصورة مباشرة على النفط كوسيلة أساسية لتمويل عملياتهم وإجرامهم في الخارج، حيث جاء انخفاض أسعار النفط مع تمدد عملياتهم الخارجية لتشمل اليمن، مما ضخم ميزانية العمليات الخارجية مع تراجع الدخل العام للبلاد وهو ما سيؤثر بصورة أو بأخرى على موقفهم في سورية ودعمهم للنظام هناك...
هدف المبادرة
يدرك الروس وكذلك الإيرانيون بأن مبادرة تبقي على بشار الأسد في سدة الحكم لن تلقى النجاح ولن يقبلها الشعب بعد التضحيات الهائلة التي بذلت، وآلاف الشهداء والجرحى وملايين المهجرين داخل البلاد وخارجها...
لذا فإن هذه المبادرة لا تهدف إلا لتشتيت المعارضة وقسمها على بعضها، وبعثرة موقفها بين مؤيد للمبادرة ومعارض لها، خاصة أن الروس اعتمدوا على توجيه رسائل فردية للمعارضين بشخصهم لا بصفتهم للمؤسسات التي يتبعون لها، مما يؤكد هذه الفرضية، وهو ما جعل المبادرة تولد ميتة..
ربما ستتمكن المعارضة من تجاوز هذا المطب المرسوم لها، في حال وضعوا مكاسبهم الشخصية جانباً، وجعلوا إيقاف المأساة السورية هدفاً أساسياً في تحركاتهم ونشاطاتهم بعيداً عن خلفياتهم وبعيداً عن الأجندات التي يتبعون لها، والجهات التي تمولهم، التي لا هم لها إلا مصالحها الخاصة...
وهنا يسجل لإخوان سورية موقفهم الحاسم النهائي برفض المبادرة، ورفض المساومة على حقوق الشعب، وهذا ما ينتظره الشعب من بقية مكونات المعارضة السورية، وعلى رأسها الائتلاف السوري، الذي وصف المبادرة بوصفها الدقيق حين قال إنها "حوار بين النظام والمعارضة" وليست مبادرة متكاملة للحل والانتقال الكامل للسلطة، وهو ما يحسب أيضاً للرئيس الجديد للائتلاف الذي بدأ مهامه كرئيس برفضه لهذه المبادرة ورفضه الجلوس على طاولة واحدة مع النظام..
الموقف الأخير من رئيس الائتلاف وتمسكه به، مع تطور العمل الثوري على الأرض بتوحد الفصائل بكيانات كبيرة موحدة، سيكونان الأمل الرئيس للخلاص من النظام السوري ومن المأساة عموماً، لتكون المبادرة القادمة هي للتفاوض على إخراج الأسد وعائلته بعد محاصرته في عقر داره، وما ذلك على الله بعزيز...