أوفر حظا من خور عبد الله
كاظم فنجان الحمامي
[email protected]
غاب خور عبد الله عن حلبة المناقشات العلمية والحوارات البحثية في جامعاتنا العراقية, وتراجع عن أولويات مؤسساتنا الرسمية التخصصية, واختفى تماما منذ اليوم الذي تفجرت فيه أزمة (ميناء مبارك), الذي أنشأته الكويت فوق حافة الممر الملاحي الوحيد الذي تسلكه السفن العابرة للمحيطات في طريقها نحو ميناء أم قصر أو خور الزبير.
وطوى زعماء قبيلتنا الخرائط التي رَسَمت مقتربات حدودنا البحرية المنكمشة إلى الداخل في خور عبد الله ورأس البيشة, ولم يعد يذكرها أحد, وتعمدوا تجاهل الموضوع حتى لا يتسببوا في زعل القبائل الشقيقة والصديقة, فجنحت بنا دفة الضياع نحو تطبيق سياسة اللامبالاة, ولاذ الجميع بالصمت المطبق, باستثناء فئة قليلة من أصحاب المواقف المنددة, الذين أبحروا وحدهم خارج مسارات الأسراب المؤيدة. .
أما مؤسساتنا البحثية المتخصصة في المجالات البحرية, (التشريعية والملاحية والجيولوجية والهيدروغرافية), فقد أشاحت بوجهها عن خور عبد الله, وانشغلت بتنفيذ مشاريعها الروتينية, ولم يعد لديها أي اهتمام بأطماع دول الجوار, ولم تكترث بتجاوزاتها المتكررة على مسطحاتنا المائية وممراتنا الملاحية, فسجَّلَ الجغرافيون والجيولوجيون والملاحون والمهندسون الساحليون غيابا ملحوظا, ولم يشتركوا في الندوات والحلقات النقاشية, التي عقدتها المنظمات الجماهيرية في المدن العراقية للذود عن
حقوقنا السيادية المسلوبة في خور عبد الله, ومما يبعث على الغرابة ان العاملين في المراكز العلمية العراقية تأثروا كثيرا بما فعلته الموجات المدية التي اجتاحت الجزر اليابانية, وغمرتها بالمياه, فوقفوا يذرفون الدموع على الدمار, الذي خلفته تلك الموجات الكارثية جنوب شرق آسيا, وكانوا يتابعون بشغف تغيرات قيعان البحار المصاحبة لآخر ثورات زحزحة القارات في واجهات الصفيح القاري, لكنهم لم يبدوا أي اهتمام بزحزحة الحدود البحرية الزاحفة نحو سواحلنا في الفاو, ولم يكلفوا أنفسهم مشقة الدفاع عن
قنواتنا البحرية, وبحرنا الإقليمي المنكمش على نفسه تحت ضغط الانتهاكات الحدودية المتكررة, ووجد الجغرافيون ضالتهم في التحدث عن جبال الانديز, وتضاريس البحيرات المرة, وهجرات السلالات البشرية من هضبة التبت, وارتفاع مستويات الرطوبة النسبية في غابات الأمازون, لكنهم كانوا يخشون التحدث عن جغرافية خور عبد الله, مفضلين عدم التطرق لظاهرة الاختزال الساحلي عند مقتربات رأس البيشة, فتجاهلوا المواضيع المرتبطة بمياهنا الدولية المتقلصة, وممراتنا الملاحية المتراجعة, والأغرب من ذلك كله أن جامعة
البصرة عقدت مؤتمرها العلمي الأخير على قاعة كلية الصيدلة في (كرمة علي), من يوم 12/12/2011 ولغاية 15/12/2011, لمناقشة التنوع الحياتي في المسطحات المائية العراقية والكندية, ومناقشة التجربة الكندية في التحكم بنهر (فريزر), لكنها لم تتطرق في مؤتمرها لمشاكل مياهنا الإقليمية في خور عبد الله, ولم تتناول العوامل السلبية لمشروع ميناء مبارك وآثارها المباشرة على المسالك الملاحية المؤدية إلى موانئنا في أم قصر وخور عبد الله. .
وهكذا كان نهر (فريزر) الكندي أوفر حظا في العراق من خور عبد الله العراقي, وتقدمت مشكلة الملوحة في شط العرب على أزمة الملاحة في قنوات أم قصر, وشتان بين الملوحة والملاحة. .
فسلطوا أضواء المؤتمر على نهر (فريزر), وابتعدوا عن مشروع (مبارك), وجاء الابتعاد في توقيتات حرجة ترسم أكثر من علامة استفهام كبيرة على واجهات مؤتمراتنا, التي انشغلت ببعض المهم وتجاهلت الأهم, حتى صارت الأنهار التي تجري في وديان جبال الروكي الضيقة, وتصب في المحيط الهادي عند مدينة (فانكوفر), الواقعة على الوجه الآخر من كوكب الأرض, أوفر حظا عندنا, وأكثر اهتماما من خور عبد الله القابع خلف قضبان الحدود المفروضة علينا بالقرار (833), ودعاماته
الحدودية الصفراء المغروسة في ظهر جبل سنام المهدد بالضياع. .
في البصرة كرسّ الأكاديميون جهودهم لدراسة تيارات نهر (فريزر) الكندي, وتحمسوا للتعرف على خبايا هذا النهر, الذي يجري في مقاطعة (كولومبيا البريطانية) بقارة أمريكا الشمالية من المنبع إلى المصب, لكنهم فقدوا حماسهم هذه الأيام, ولم يتطرقوا لجفاف أنهارنا, وخفتت أصواتهم في التصريح عن انكماش سواحلنا, وتجاهلوا مناقشة التغيرات الجيولوجية والهيدروغرافية والملاحية التي ستعصف بمسطحاتنا البحرية في خور عبد الله, وخور وربة, وخور شيطانة, وخور السقة, وخور بحرة, وخور الثعالب,
وخور الخفقة, وخور العُمَّية. والأخوار العراقية الأخرى التي لم يسمعوا ببعضها من قبل, ولا يعلمون حتى الآن أين تقع قناة (الروكا), التي تمثل العصب الرئيس, والركيزة السيادية لحقوقنا المنسية شمال الخليج العربي, ويرفضون الإشارة لانحرافات مدخل شط العرب ولو بالهمس من بعيد. .
نحن اليوم في أمس الحاجة إلى تعزيز قوتنا الثقافية التطوعية, وتوظيفها كلها في خدمة العراق لما لهذه القوة من أهمية كبيرة لبناء وطننا, الذي نخشى أن يصبح كما الجبل الذي تدكدك ثم مال بجمعه في البحر فاجتمعت عليه الأبحر, لذا فأن نداء الواجب يحتم علينا أن نندفع جميعا للعمل الوطني العفوي التطوعي , بحيث نكون أول المتصدين للأطماع الخارجية, وأول المتسلحين بمعاني العزة والكرامة والمروءة, في الذود عن مسطحاتنا المائية وممراتنا الملاحية ومنافذنا البحرية ودعاماتنا الحدودية,
وأن نقف صفا واحدا في مواجهة كل التحديات والمخاطر من دون خوف أو تردد, ومن دون يأس أو تخاذل . . .
الفرق بين الخور والهور
الخور: منخفض مائي في البحر
والهور: منخفض مائي في البر