كيف يستحق العالم المسلم شرف لقب (ورثة الأنبياء)
كيف يستحق العالم المسلم
شرف لقب (ورثة الأنبياء)؟!!
د. موفق مصطفى السباعي
هل يكفي العالم المسلم حتى يحصل على شرف لقب ( ورثة الأنياء ) .. أن يتبحر في علوم الفقه .. ويعلم الناس أحكام الطقوس التعبدية .. من نكاح وطلاق .. وصوم وحج ؟؟؟!!!
هل يكفي العالم المسلم حتى يحصل على شرف لقب ( ورثة الأنياء ) .. أن يجمع حوله عدداً من الناس كهولاً وشباناً في المسجد أو خارجه .. ويلقي عليهم المواعظ التي ترقق قلوبهم .. وتحببهم بالآخرة .. وتخوفهم من عذاب القبر .. وعذاب النار ؟؟؟!!!
هل يكفي العالم المسلم حتى يحصل على شرف لقب ( ورثة الأنياء ) .. أن يجلس في المسجد ويشكل حلقة من الشباب والأطفال .. ليعلمهم القرآن .. وأحكام التجويد من إدغام .. وإخفاء .. وإظهار .. ويمنحهم إجازات .. وشهادات النجاح بحفظ القرآن وتجويده وترتيله ؟؟؟!!!
هل يكفي العالم المسلم حتى يحصل على شرف لقب ( ورثة الأنياء ) .. أن يتقن ترتيل القرآن .. وأن يصدح بصوته العذب في تلاوته بالقراءات العشر .. ويتغنى بآياته في إيقاعات صوتية رخيمة .. حنونة .. دافئة تأخذ بألباب المستمعين حتى تجعلهم من فرط نشوتهم يموجون .. ويمورون .. وكأنهم سكارى .. وماهم بسكارى .. ولكن الصوت جميل ؟؟؟!!!
هل يكفي العالم المسلم حتى يحصل على شرف لقب ( ورثة الأنياء ) .. أن يعتلي المنابر .. ويهدر بصوته الجهوري .. داعياً الناس إلى الإلتزام يالآداب الإجتماعية .. والقيم الأخلاقية .. وحثهم على بر الوالدين .. وصلة الأرحام .. ووجوب طاعة الزوجة لزوجها .. وإلا يحيق بها غضب الرحمن ؟؟؟!!!
هل يكفي العالم المسلم حتى يحصل على شرف لقب ( ورثة الأنياء ) .. أن يقف بين المصلين يوم الجمعة والأعياد .. ليحدثهم عن أهوال يوم القيامة .. وعن عذاب الكافرين في النار .. وعن أوصاف جهنم ولظاها ونيرانها التي لا تخمد .. وعن الجنة ونعيمها وحورها .. وعن الصبر وتحمل الأذى من الظالمين والمستبدين والمستكبرين .. ووجوب طاعة الأمير .. ولو جلد ظهرك .. وأكل مالك .. وداس على رقبتك ؟؟؟!!!
هل يكفي العالم المسلم حتى يحصل على شرف لقب ( ورثة الأنياء ) .. أن يأمر بالمعروف .. وينهى عن المنكر في الطرقات .. والأسواق .. والمنتديات .. والإحتفالات .. والتجمعات البشرية الذكورية .. والأنثوية ؟؟؟!!!
كل هذه السلوكيات .. والتصرفات .. والأعمال ضرورية .. وأساسية .. ومطلوبة من العالم أن يقوم بها !!!
ولكن الإقتصار عليها وحدها .. والتفرغ لممارستها في حياة الناس .. يٌعتبر عملاً قاصراً .. ومنقوصاً .. ولا قيمة له البتة في حياة الناس .. ولن يؤهله للتشرف بلقب ورثة الأنبياء .. بل لا يتجانس .. ولا يتطابق مع الميراث الذي ورَثه الأنبياء !!!
كما جاء في سنن الترمذي :
وإن العلماء ورثة الأنبياء ، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ، ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر !!!
إن أهم .. وأخطر موضوع في العلم النبوي ..والمطلوب من حامل لقب .. وريث الأنبياء أن يعلمه للناس هو:
الكفر بالجبت والطاغوت .. ودعوتهم للخروج من عبادة العباد .. إلى عبادة رب العباد !!!
كما قال الجندي المسلم ربعي بن عامر لرستم قائد جيش الفرس .. حينما سأله : لماذا جئتم إلى بلادنا :
فقال :
إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد !!!
وهذا تصديق لقول الله تعالى :
فَمَن يَكْفُرْ بِٱلطَّـٰغُوتِ وَيُؤْمِنۢ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسْتَمْسَكَ بِٱلْعُرْوَةِ ٱلْوُثْقَىٰ لَا ٱنفِصَامَ لَهَا البقرة آية 256
إن الكفر بالألهة من الأوثان .. والبشر هي نقطة البداية للإيمان بالله الواحد الأحد .. وهي الخطوة الأساسية في سلم الإسلام .. وهي المهمة الضرورية والرئيسية للعالم المسلم .. بل هو الواجب الأول المفروض عليه القيام به .. لتعليم الناس حقيقة الدين .. وجوهر التوحيد !!!
وبدون تبيان حقيقة الدين .. الذي جاء من عند الله .. لينتزع سلطان الحكم والتشريع وسن القوانين .. من الألهة المغتصبين للحق الإلهي .. وللتمرد عليهم .. وإعادة السلطان كله .. في جميع أمور الحياة .. لله الواحد الأحد .. المهيمن على الكون والخلائق جميعها !!!
بدون شرح هذه الحقيقة الجوهرية للدين .. من قبل العالم المسلم للناس .. وتحريضهم .. ودعوتهم لرفض العبودية .. والطاعة .. للجبت والطاغوت .. لن تؤهل العالم ليكون من ورثة الأنبياء !!!
ولن يكون من الذين يوفون ميثاق الله الذي أُخذ عليهم !!!
كما قال تعالى :
أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَـٰقُ ٱلْكِتَـٰبِ أَن لَّا يَقُولُوا۟ عَلَى ٱللَّهِ إِلَّا ٱلْحَقَّ وَدَرَسُوا۟ مَا فِيهِ ۗ وَٱلدَّارُ ٱلْءَاخِرَةُ خَيْرٌۭ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ ۗ أَفَلَا تَعْقِلُونَ الأعراف آية 169
بل سيلعنه الله والملائكة والناس أجمعون لأنه كتم علماً أساسياً .. وضروريا طلبه الله منه .. أن يبينه للناس فكتمه !!!
كما قال تعالى :
إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلْنَا مِنَ ٱلْبَيِّنَـٰتِ وَٱلْهُدَىٰ مِنۢ بَعْدِ مَا بَيَّنَّـٰهُ لِلنَّاسِ فِى ٱلْكِتَـٰبِ ۙ أُو۟لَـٰٓئِكَ يَلْعَنُهُمُ ٱللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ ٱللَّـٰعِنُونَ البقرة آية 159
لأن
دعوة الأنبياء جميعاً .. من لدن نوح إلى محمد صلى الله عليهم جميعاً .. كانت واحدة متكررة :
كما قال تعالى عن كل نبي :
يَـٰقَوْمِ ٱعْبُدُوا۟ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُۥٓ الأعراف آية 59
وكما قال تعالى أيضاً عن المسيح بشكل خاص :
لَقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓا۟ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ مَرْيَمَ ۖ وَقَالَ ٱلْمَسِيحُ يَـٰبَنِىٓ إِسْرَ ٰٓءِيلَ ٱعْبُدُوا۟ ٱللَّهَ رَبِّى وَرَبَّكُمْ ۖ إِنَّهُۥ مَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ ٱلْجَنَّةَ وَمَأْوَىٰهُ ٱلنَّارُ ۖ وَمَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِنْ أَنصَارٍۢ المائدة آية 72
لم يخلق الله الناس ليعبدوه في الصلاة والصيام .. وليدعوه حينما يمسهم الضر .. ويعبدوا غيره في القضاء والتشريع والقوانين .. وإدارة شئون الحياة الإقتصادية والسياسية والإجتماعية !!!
إن الذين يعبدون الله في القسم الأول .. ويعبدون الجبت والطاغوت في القسم الثاني – بحجة تطور الحياة البشرية – هم يشركون مع الله آلهة أخرى .. ولو رددوا شهادة ( لا إله إلا الله ) ملايين المرات .. ولو تعلقوا بأستار الكعبة .. وحجوا البيت الحرام مئات المرات .. وعلقوا في صدورهم القرآن .. وهتفوا .. وبحوا أصواتهم بأنهم مسلمون ملايين المرات !!!
إن كل هذا هراء .. ونفاق .. وكذب .. وضلال !!!
وهذا ليس كلامي .. وإنما كلام الله تعالى .. الذي يحدد بشكل صريح وواضح .. من هم المشركون :
ٱتَّخَذُوٓا۟ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَـٰنَهُمْ أَرْبَابًۭا مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَٱلْمَسِيحَ ٱبْنَ مَرْيَمَ .. وَمَآ أُمِرُوٓا۟ إِلَّا لِيَعْبُدُوٓا۟ إِلَـٰهًۭا وَ ٰحِدًۭا ۖ لَّآ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ سُبْحَـٰنَهُۥ عَمَّا يُشْرِكُونَ التوبة آية 31
وهذا تفسير كلام الرسول صلى الله عليه وسلم :
عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ : أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي عُنُقِي صَلِيبٌ مِنْ ذَهَبٍ ، فَقَالَ : " يَا عَدِيُّ اطْرَحْ هَذَا الْوَثَنَ مِنْ عُنُقِكَ ، فَطَرَحْتُهُ فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَقْرَأُ سُورَةَ بَرَاءَةَ فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا ، فَقُلْتُ : إنَّا لَسْنَا نَعْبُدُهُمْ ، فَقَالَ : " أَلَيْسَ يُحَرِّمُونَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فَتُحَرِّمُونُهُ ، ويُحِلُّونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَتَسْتَحِلُّونَهُ ؟ " قُلْتُ : بَلَى ، قَالَ : " فَتِلْكَ عِبَادَتُهُمْ " سنن الترمذي !!!
وسؤال لكل ذي بصيرة ...
هل يقبل ملك من ملوك الأرض .. أن تطيع رعيته أوامره في بعض الأمور .. وتطيع ملكاً آخر مضاداً له في أمور أخرى ؟؟؟!!!
إذا كان الملك .. وهو عبد لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً .. وليس له أي فضل على رعيته !!!
لا يقبل أن يشاركه ملك آخر في حكمه والهيمنة على رعيته !!!
فكيف بملك الملوك .. وخالق الجن والإنس .. والمتفضل عليهم بكل شئ .. يقبل أن يشاركه آلهة أخرى في طاعته ؟؟؟!!!
وهو الذي يقول :
إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۚ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوٓا۟ إِلَّآ إِيَّاهُ ۚ ذَ ٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ يوسف آية 40
سيقول السفهاء من الناس .. والبلهاء .. والجهلاء .. إنك تكفر المسلمين !!!
قل لله المشرق والمغرب .. يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم !!!
وما أنا إلا عبد .. أنقل ما يقوله ربي .. ورب العالمين !!!
فمن شاء فليؤمن .. ومن شاء فليكفر .. إن الله غني عن العالمين !!!