مشروع إنقاذ وطني
د.عبد الغني حمدو /باحث وأكاديمي سوري
مع عذري للقاريء فالموضوع طويل وسوف أختصره ماستطعت إلى ذلك سبيلا
يتساءل الكثير من المتتبعين للشان السوري , لماذا لم تعترف بعض الحكومات العربية والدولية بالمجلس الوطني كممثل وحيد للثورة السورية ؟
والجواب السهل والبسيط على هذا التساؤل هو :
أن المجلس الوطني ليس لديه رؤية سياسية , ومشروع وطني يعرضه أمام حكومات الدول المؤيدة بشكل ضمني أو علني للثورة السورية
فأي حركة سياسية مهما كانت صغيرة أو كبيرة وعند الإعلان عنها , لابد لها من إيجاد ركيزة مبدأية تستند عليها , وهذه الركيزة تكون المنطلق لمشروعها المعلن لاحقاً , أكان سياسياً أم اجتماعياً أو عسكرياً وعدد ماشئت .
فوجدت أنه من الواجب علي تقديم هذه الرؤيا لعل المجلس الوطني إن استمر له الحياة أن تكون عوناً له على ذلك , أو كتلة أخرى ناشئة تحل محله لتمثل الثورة السورية .
ولكي لايتشتت القاريء , فسوف أحدد الان المجلس الانتقالي فقط , كمثل عشوائي , أو مايسمى بعلم الاحصاء العينة العشوائية البسيطة .
فلو أراد أعضاء المجلس الانتقالي الاستمرار في الحياة والوجود وتحنب السقوط المستقبلي فلا بد له من عرض مشروعه العلني السياسي والثقافي والعسكري , والتركيز بشكل كبير على العلاقات الدولية .
هنا يمكن اختصار برنامجه ببندين رئيسيين :
الأول : على المستوى الداخلي
الثاني :على المستوى الخارجي
فالبند الأول :
1- مسح شامل لتركيبة المجتمع السوري من حيث التركيبات العرقية والإثنية والعقدية , ومن خلال هذه التركيبة والمعروفة عند الجميع , فلا بد من صياغة اسم الدولة المقبلة , فعلى سبيل المثال يوجد حساسية معينة من قبل قوميات في سورية عند تسمية الدولة باسم الجمهورية العربية السورية , وحتى لانثير هذه الحساسية ,هنا يتوجب البحث عن تسمية جديدة تلغي هذه الحساسية كالقول مثلاً الجمهورية السورية
2- طبيعة الحكم في سوريا حكم ديمقراطي تداولي
3- السياسة الاقتصادية خليط بين الاقتصاد الحر والاقتصاد الاشتراكي
4- الدستور , العودة لدستور البلاد الشرعي والذي تم تبنيه عام 1951 , هذا الدستور يتم العمل فيه خلال الفترة الانتقالية بعد اسقاط النظام خلال مدة زمنية محددة لاتتجاوز ستة أشهر , يتم خلالها انتخابات حرة في سورية , يخرج عن هذه الانتخابات هيئة تأسيسة , مهمتها صياغة الدستور الجديد والتهيئة لانتخابات البرلمان الجديد في مدة لاتزيد عن ستة أشهر , وكذلك تشكيل حكومة مؤقتة من قبل الهيئة والتي فازت في الانتخابات على أساس النسبة التي تمكنها من إدارة البلاد خلال هذه الفترة الانتقالية
5- على أعضاء وقيادات المجلس الوطني المؤقت التخلي عن ايديلوجياته الحزبية والتي ينتمي إليها , وكل عضو يتحدث حسب ايديلوجيته الحزبية , فلا مكان له في هذا المجلس المؤقت , لأن هذه المرحلة لاتحتمل أية أجندات حزبية أو دينية أو عرقية أو طائفية , فالهدف الوحيد هو اسقاط النظام والانتقال للدولة السورية الحديثة , وعندما يجد أي اتجاه شعبيته هي الغالبة ولها أثر على أرض الواقع عندها يطرح مشروعه السياسي , وعليه أن يشارك بثقله في صياغة الدستور الجديد .
6- دعم الجيش الحر في سورية , وهو البديل القادم للجيش السوري , وهذ لايعني أنه سوف يكون هناك حل للجيش كله وإنما غربلة الجيش من العناصر الشريرة والخبيثة لكي يكون الجيش في المستقبل حامي الحمى وليس هو من يدمر الحمى , ووزارة الدفاع كأي وزارة خدمية أخرى تكون خاضعة للسلطة التشريعية .
7- الأمن مهمته أمن المواطن , ويخضع لقانون الجزاء عند ارتكابه أي مخالفة , ولن يكون بمنأى عن المساءلة القانونية
8- التعليم مجاني في جميع مراحله , ودعم المواد الأساسية والتي تهم الطبقة الفقيرة بشكل مباشر , ودعم القطاع الصناعي والزراعي , ودعم مطلق لمراكز البحوث العلمية , ودعم وتشجيع مؤسسات المجتمع المدني , مع حرية الإعلام واستقلال القضاء .والتأمين الصحي وما له من اهمية في حياة المواطنين
9- فلو سألتني كمواطن عادي من الطبقة الفقيرة في سورية , لقلت لك أريد هذا من الدولة السورية القادمة , لأنني في ظل حكومة كهذه أشعر بإنسانيتي وحريتي , وعندها أستطيع ان أبدع , وأحافظ على الملكية العامة كملكيتي الشخصية , ولن أحتاج لشهادة أمنية أو حزبية حتى أجد نفسي في براعتي بالمجال الذي أستطيع الابداع فيه
البند الثاني :
1- العلاقات الدولية المستقبلية , فإن أكثر مايشغل العالم ويبعده عن دعم الثورة هو إسرائيل , والسبب أن الكيان الصهيوني لن يجد نظاماً يحمي حدوده كما فعل نظام الأسد في تسليمه الجولان هدية , وفي حماية الجزيء الذي سلب لكي لايزعج من أهدي إليه الجولان , وكميزان للقوى العسكرية , فالحرب مع اسرائيل لن تكون مجدية , وإنما هناك القانون الدولي , فدول العالم لم تعترف بأن الجولان هو تابع للدولة العبرية , وفي اللجوء للمجتمع الدولي , يهمنا في الدرجة الأولى كسوريين استرجاع الجولان , وعودة أهله إليه .
وهنا يمكن تقديم ضمانات للمجتمع الدولي أن الحال لن يتغير في الوقت الحالي بعد سقوط النظام ونجاح الثورة
فهدفنا نحن الثورة هو بناء الانسان ورفاهية المواطن ورفع الظلم والتمسك بقوانين حقوق الانسان والحيوان , والحفاظ على البيئة .
2- يستبق البعض الأحداث وكل من ينتمي لاتجاه معين يحدد طبيعة الحكم القادم في سورية على نمط ايدلوجيته التي يتبناها , وهذال ليس بعيب بحد ذاته , ولكن يمكن تأجيل ذلك الكلام , عندما يعرض مشروعه السياسي على الشعب السوري , والشعب السوري هو من يحدد هذه الإديلوجية أو تلك , فالعالم الغربي على سبيل المثال يتخوف من سيطرة الاسلام السياسي في سورية , وهذا التخوف ينعكس أثره المتبادل في الداخل في التخوف من سيطرة الاسلاميين على السلطة .
3- لذلك التأكيد على ان المرحلة القادمة في سورية لن تكون أغلبية طائفية , وإنما ستكون هنالك أغلبية سياسية , وتكتلات سياسية , فقد يكون هناك تكتل لادارة السلطة في الفترة الاولى بين الاخوان المسلمين وبين الماركسيين , أو مع القوميين , وهذه التحالفات سوف تحددها على أرض الواقع النسبة من المقاعد والتي سيبحققها كل فريق .
4- تشير المعلومات عندما تم كتابة الدستور السوري والذي أقر سنة 1956 وجدت مادة خلافية بين الاسلاميين والأحزاب الأخرى على الفقرة والتي دعا فيها الاسلامييون لوضعها في الدستور , أن الاسلام هو المصدر الرئيسي للتشريع , بينما اعترضت عليها بقية الأحزاب وتم تعديلها ,بحيث أصبحت , الاسلام هو مصدر من مصادر التشريع , بموافقة الاخوان المسلمين على ذلك النص .
5- العلاقة بين سورية ودول العالم سوف تحترم كامل الاتفاقات والمعاهدات التي التي أبرمت في العهد البائت , مع جميع الدول , إلا المعاهدات التي تنتقص من هيبة وكيان الدولة والتي سوف يتم إعادة النظر فيها .
يضاف إلى ذلك , العلاقات مع الدول سوف تبنى على الاحترام المتبادل وا لمصالح بين الدول , والمبني على عدم التدخل في شئون الدول الأخرى
6- الحكومة السورية هي ضد الارهاب وبشتى أشكاله , وهي تنظر للإرهاب من منطلق تعريف الارهاب , وليس كما يملى على الناس من منطلق مصالح أو استرضاء لطرف ما , كالقول مثلاً : أن كل من ينتمي للفصائل الفلسطينية هم ارهابييون .
7- العلاقة بين سورية الجديدة وكلاً من القوتين الصاعدتين في المنطقة هي تركيا وإيران , فتركيا بطبيعة قربها واشتراك حدودها مع سورية , تعتمد فقط على المصالح المتبادلة بين الطرفين والتي تخدم كلا الشعبين , وعدم السماح للتدخل في الشئون الداخلية من الطرفين , بينما العلاقة مع إيران سوف تتحدد بشروط وقفها التدخل المباشر وغير المباشر في الشئون الداخلية , وعندما تكف عن ذلك , فعلاقتنا معها ستكون مبنية على المصالح والفائدة للشعبين المرجوة من تلك العلاقات .
8- سورية بسبب موقعها الجغرافي ومركزيتها في المنطقة العربية ومن حوض المتوسط , فستكون سوقاً حرة لجميع دول العالم الشقيقة والصديقة .
وأخيراً فإن ثورتنا هي لاسقاط نظام ديكتاتوري ظالم ,ستدعم الاستقرار في المنطقة , وليست هي ضد ولن تكون بؤرة توتر كما صنفها النظام السابق .
هي وجهة نظر أقدمها للحركات السياسية في سورية ووثيقة عمل مشتركة لكل التوجهات السياسية , لعلها تكون داعمة للثورة , وتعجيل النصر ودعم المجتمع الدولي لها حتى يسقط النظام