عسكرة الثورة السورية

د. أكرم حجازي

 منذ الأيام الأولى قلنا أن النظام الحاكم في سوريا، بخلاف المجتمع، هو نظام طائفي حتى النخاع، فتعرضنا للنقد من بعض الشخصيات السورية، التي رأت أن الحديث عن الطائفية يضر بالثورة والثوار!!! كما قلنا أن السجود لبشار الأسد وتأليهه على الفضائيات وإجبار الجنود على التلفظ بتوحيده بدلا من توحيد الله عز وجل ليس عملا فرديا أبدا بقدر ما هو سلوك يعكس عقائد كفرية لطائفة تسببت بنبذ ذاتها اجتماعيا. لكن التجاهل الإعلامي ظل سيد الموقف حتى نقلت إحدى القنوات الأجنبية، بعد خمسة شهور، مشاهد حية لجنود النظام يلطمون جنديا سنيا ويطالبونه بترديد عبارة: « قل لا إله إلا ماهر .. لا إله إلا بشار» !!! وقلنا أن الطائفة النصيرية التي تحكم لأول مرة في تاريخها بلدا مسلما سنيا ستمارس أبشع أنواع القتل ضد السوريين سواء كانوا أطفالا رضع أو عجائز، لأنها طائفة لا تؤمن بالله، ولا ببعث أو نشور، ولا بجنة أو نار إلا في الدنيا، وبالتالي لا يمكن لها أن تخشى على ما تراه جنتها التي تحققت في الأرض إلا من أولئك الذين يسعون لإزاحتها عن الحكم. فكان ما حصلنا عليه لقب محلل طائفي!!!

 المعلومات القادمة من ميادين الثورة السورية تؤكد بأن ألف عنصر من عناصر حزب العمال الكردستاني عبروا الحدود باتجاه لبنان، بتوجيه من النظام السوري، كي يتلقوا تدريباتهم في معسكرات حزب الله، في خطوة الهدف منها تركيا على وجه الخصوص. فالسوريون أعلنوا الحرب على تركيا. وبدؤوا ينشطون استخباريا، مع الإيرانيين، على أراضيها، ومؤخرا اعتقلوا قائد لواء الضباط الأحرار، المقدم حسين هرموش، بمساعدة ضباط إيرانيين وآخرين علويين في المخابرات التركية دون علم حكومتهم. أما انفجار أنقرة الذي أودى بحياة مواطنين تركيين فما من تحليل إلا واتجهت أصابع الاتهام فيه إلى النظام السوري.

 كل المراقبين والسياسيين والسوريين يعلمون علم اليقين حقيقة المواجهة مع هذا النظام، وإلى أين ستؤدي. وكل هؤلاء وغيرهم يعلمون أن درجة الاحتقان ما بين السنة والعلويين وصلت حدودا بالغة الخطورة، خاصة وأن الفرقة الرابعة تشهد تطوعا هائلا من أفراد الطائفة في صفوفها، الأمر الذي ضاعف أعدادها بشكل جنوني، أو بعد أن دفعت الثورة السورية ثمن « السلمية» آلاف الضحايا وآلاف المفقودين وآلاف المعتقلين ومئات آلاف المعذبين في المدن المنكوبة يوما بعد يوم.

 إنهم ببساطة يُسَرِّعون الخطى لتكون حربا طائفية في المنطقة لا تبقي ولا تذر. فهل يجب أن يفنى السوريون حتى يقتنع الإعلام ودعاة « السلمية» أن النظام لن يُسلِّم لهم بالهزيمة إلا على أشلائه؟ ألم يقل رامي مخلوف لصحيفة « نيويورك تايمز 9/5/2011» عباراته الثمينة: « هذا يعني الكارثة ولدينا الكثير من المقاتلين... سنجلس هنا ونعتبرها معركة حتى النهاية، ويجب أن يعلموا أننا حين نعاني لن نعاني لوحدنا »؟

 من هو الذي لا يعرف اليوم أن الجيش والشرطة السوريين يتركزان في الوسط والجنوب فيما الحدود التركية شبه خالية على عمق مائتي كيلومتر أو أكثر؟ ومن هو الذي لا يعرف أن حماة وحمص خاصة ومناطق أخرى، ليست درعا استثناء منها، باتت تتحضر صراحة لمواجهة عسكرية طاحنة مع نظام ليس مؤهلا إلا للقتل؟

 كل المؤشرات تدل على أن الثورة السورية تتجه نحو العسكرة ليس رغبة في الإطاحة بالنظام بقدر ما هي مرغمة على الدفاع عن النفس وحماية الأعراض والأرواح البريئة من أن يسفكها قتلة بلا مبدأ أكثر. أما الدعوات المنادية بالتدخل الدولي فنأمل أن يحكم أصحابها العقل والدين والضمير فيما يدعون إليه، لاسيما وأنهم يعلمون حقيقة المواقف الدولية من النظام السوري وحاجتهم إليه. فأي منطق يدفع الغرب لتقديم الحماية لشعب ذو تاريخية إسلامية عريقة ومميزة؟

صراحةً

 أي تدخل دولي لن يتمخض عنه إلا تدمير البلاد والفتك بالعباد. وبالتأكيد ستكون تكلفته أبهظ من الوضع القائم. أما إنْ كان لا بد من التدخل الدولي فمن الأولى عسكرة الثورة. فإذا حمل الثوار السلاح فسيكون بمقدورهم التربص بقوى النظام كالفرقة الرابعة والقوة الجوية والشبيحة والأمن، فضلا عن القدرة على اختيار أنسب الظروف في مواجهة النظام بأقل الخسائر المدنية والمادية، كما يفعل لواء الضباط الأحرار والجيش الحر اللذان نجحا في الإيقاع بمئات الشبيحة باستخدام الكمائن المباغتة. وأما الجيش فقد تشتد انشقاقاته إذا ما تمكن حينها من إيجاد ملاذات آمنة وأكثر مرونة وفاعلية مما هي عليه الآن. لكن ما الذي سيجنيه السوريون من التدخل الدولي إذا كان الثمن بنيتهم التحتية وربما مائة ألف من البشر أو يزيد؟

 هذه الشام ... الشام !!! إسرائيل منها على مرآى العين ومسمع الأذن. وأمنها مُقدم على ما سواها. وإذا ما حصل تدخل دولي فسيعيدها الغرب ( الشام) إلى العصور الحجرية، فينشغل الناس بآلامهم وقتلاهم وترميم أحزانهم ردحا من الزمن. وليس صحيحا أن التدخل سيوفر حماية للسكان من حاكم طاغية، حتى إذا ما تخلصوا منه، في بضعة شهور مزعومة، خرجت البلاد صحيحة وقوية تتمتع بالأمن والأمان والحرية والديمقراطية وخزعبلات الدولة المدنية!!!