الحادي عشر من سبتمبر.. قراءة في الحصاد
الحادي عشر من سبتمبر..
قراءة في الحصاد
د. عيدة المطلق قناة
عقد على ذلك اليوم الذي هز أمريكا وغير العالم ، وشكل نقطة تحول في تاريخ العلاقة بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي والعربي؛ ووضع العرب والمسلمين على مفترق طرق .. يوم اتخذت الولايات المتحدة من أحداثه منطلقاً لأولى حروب القرن .. فشنت حربها المركبة المفتوحة عدواناً واحتلالاً وإعلاماً وتحريضا وأفكاراً ضد الإسلام والمسلمين، وجعلت "الإسلام عنواناً رئيساً للإرهاب... ونصبت الولايات المتحدة من نفسها "هبل العصر".. وباتت امبراطورية حصرية للشر .
عقد تكالبت فيه الأمم علينا .. شهدت المنطقة أشكالا متعددة من الضغوط والحصارات والابتزازات والملاحقات للأنفس والأموال بذريعة ملاحقة الإرهاب وتجفيف ينابيعه الاقتصادية والمالية .. وتم الاستيلاء على مقدرات الأمة وإهانة كبريائها واستباحة دمائها وانتهاك كل مقدساتها وقمعت حرياتها .. وقتلت الآلاف.. وفتحت السجون السرية والعلنية ..والسجون الطائرة والثابتة .. وزج بعشرات الآلاف من المسلمين في هذه السجون الرهيبة ظلماً وبهتاناً..
عقد تعرض فيه العرب والمسلمين لمختلف ألوان التمييز والتضييق والتشويه .. حتى أصبح الانتماء إلى العروبة شبهة، وأصبح الإسلام مادة لحملات التشهير والإساءة.. !
حرب على الإرهاب شنتها أمريكا دون أن تحدد ماهية هذا العدو.. بل أخذت تتخبط في توسيع مفهوم الإرهاب .. وراحت تفرض رواياتها على العالم .. بل تجاوزت على القانون الدولي .. حين جعلت الإرهاب صنواً للمقاومة .. مما أدى إلى تجريم المقاومة العربية والإسلامية ، وتم إدراج جل منظمات المقاومة في لائحة الإرهاب – أي في بنك الأهداف – لهذه الحرب المفتوحة .. كما خيم صمت مطبق على ملاحقتها واضطهادها بل والحرب المفتوحة عليها ..
على ضفاف هذه الحرب نشأ حلف غير مقدس بين الأنظمة الحاكمة وقوى الاحتلال.. وتحت يافطة هذا التحالف .. شهدت جميع الدول العربية تضخماً غير طبيعي في أجهزة الأمن والقمع وشهدت الساحة العربية والإسلامية حالة غير مسبوقة من التنسيق الأمني المباشر مع قوى الاحتلال والعدوان .. وصل حد التعاون الأمني والاستخباراتي والعملياتي.. صودرت الحريات .. وتراجعت الحقوق وارتكبت انتهاكات فظيعة لحقوق الإنسان .. وعم الفساد المالي والسياسي والإداري .. وتم تهميش الشعوب وإقصائها عن المشاركة في الحياة العامة ..
عقد من المعاناة على غير صعيد .. تحالفت فيه كل قوى الشر العالمية ضد المسلمين ورمتهم عن قوس واحدة.. عبر موجة عارمة من هجوم سياسي وعسكري عنيف على المنطقة العربية ... فانقلبت موازين القوى .. وفرضت القوة المهيمنة روايتها وعولمتها وقيمها وخطابها .. وحين أخفق العرب والمسلمون في "صياغة تعريف خاص بهم للإرهاب" انصاعوا للأملاءات وانجروا وراء المفاهيم والتعريفات المتحولة .. كانت النتيجة أن وقعت الأمة بالمزيد من التبعية العربية للغرب، وخصوصاً في الجانب الاقتصادي ، لعل من أبرز دلالاتها صفقات خيالية للسلاح لا مبرر لها سوى إنعاش صناعات الأسلحة والاقتصادات الغربية.. وتحويل أوطاننا إلى مكبات لنفايات الأسلحة .. وساحاتنا وشعوبنا مختبرات لتجريبها..
على الصعيد الفلسطيني تم إطلاق يد إسرائيل للتنكيل بالفلسطينيين وخاصة في غزة والقدس.. والتمدد للتنكيل بالعرب والمسلمين ..
وفي سياق الحرب على الإرهاب تم احتلال العراق وأفغانستان .. وتمت مصادرة القرار العربي .. وانتشرت في أراضينا ومياهنا القواعد العسكرية والأساطيل..
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل برزت لدينا نخبة من المنافقين من بني جلدتنا ، باتت متخصصة بصياغة واختراع المسوغات لكل ما يجري من تشويه واعتداء على مجمل منظومة القيم.. بل ومطالبة الشعوب بالرضوخ للغطرسة والاستعلاء والتسلِّط والتجاوز على هذه القيم ... فتنبى بعض من نخبنا الرواية الأمريكية/ الصهيونية للعلاقة الوثيقة بين الإرهاب والإسلام.. وراحوا يروجون لخرافة اخترقها الإعلام مفادها أن "كراهية أمريكا لدى العرب والمسلمين إنما هي ثمرة للتعاليم والنصوص الدينية والبرامج الدراسية".. في تجاهل متعمد للسياسات الأمريكية العدوانية تجاه العرب والمسلمين .. وما تم تحت مظلتها من حروب إبادية واحتلالية للمسلمين وأوطانهم .. ناهيك عن الانحياز الأعمى للكيان الصهيوني والتغطية على كل جرائمه بحق الإنسانية .. !!
وفي كل عام - مع حلول ذكرى الحادي عشر من سبتمبر - يتصاعد النفاق بالحديث عن "النجاح الأمريكي في الحرب على الإرهاب" .. رغم أن معظم المحللين الأمريكيين لا يعترفون بهذا النجاح .. بل إن العديد منهم يقر بإخفاق الولايات المتحدة في هذه الحرب .. ويرون بأن العالم ما بعد هذه الحرب أصبح أكثر خطورة من عالم ما قبلها .. بدلالة ارتفاع عدد العمليات الإرهابية .. وانتشارها على الخارطة الكونية .. وارتفاع أعداد ضحاياها .. وارتفاع منسوب التوتر في العالم..
إن ما حدث في نيويورك وواشنطن في العام 2001 هو عمل إرهابي كبير – لا شك في ذلك- ولكن ما تلاه من أحداث هو – بكل المقاييس – أخطر وأعنف وأشد إرهاباً وتدميراً على العالم بأسره .. فقد برزت "الإمبراطورية الأمريكيَّة" كدولة عسكرية إرهابية تعيش حالة استنفار حَربي دائمة...دولة تحللت من حقوق الإنسان، دولة تجاوزت على القانون الدولي .. دولة تسعى للهيمنة وتصدير "النموذج الأمريكي" قَسرا .. وتطويع القانون الدولي لِخِدمة مصالحها، وتجريد المنظَّمات الدولية من الشرعية التي تتمتَّع بها.. وما زالت الإملاءات الأمريكية متواصلة لا تنتهي.. !!
إلا أن من الأمور التي لم يحسب لها أي حساب، هو أن هذا التهاون والتغاضي بل والتواطؤ العالمي - الذي وصل حد شرعنة الانتهاكات الفظيعة لمجمل منظومة الحقوق الإنسانية للعرب والمسلمين أفراداً وجماعات وأوطانا- استثار فيضاً من الغضب في الشارع العربي .. وتحول إلى بركان من الثورة اجتاح ويجتاح الوطن العربي .. هذا البركان الثوري كسر عن الأمة حاجز الخوف الوهمي الذي لازمها لعدة عقود .. وعندها وقف العالم مبهوراً أمام قدرة شعوب هذه الأمة على الثورة والتغيير والانتصار.. وعلى صياغة النظام الدولي الجديد على أسس أكثر عدلاً وإنسانية !!