وهناك رأي ثالث
د. عامر أبو سلامة
وصل الناس في سورية, إلى مرحلة الضرورة في الحسم الثوري, وما عاد الشعب يطيق هذه الحالة التي صار إليها؛ فالذبح في كل ساعة, والموت في كل بيت, ورائحة الدم في كل زاوية, والنظام يزداد عتواً, ويفجر في حق الشعب, ولم يستجب لكل نداءات أحرار العالم, رغم المطالب المستمرة, والرجاء الدائم.
تحولت بعض المدارس, إلى سجون مخابرات, ومثلها بعض الملاعب, وكذلك مراكز الطلائع, لأن سجون المخابرات لم تعد تتسع المعتقلين, لأن أعدادهم باتت كثيرة, بل نستطيع القول: إن سورية أصبحت سجناً كبيراً, بفعل هذا النظام, وحراكه السيء في هذا الشأن المزعج.
من هنا تعرف حجم المأساة, وعظيم المعاناة التي يعانيها الناس, في سورية, في بلاد الشام, التي دعا لها النبي- صلى الله عليه وسلم- في بلاد العزة والكرامة والمدد, على مدار تاريخ هذه الأمة.
وصار الناس يقولون: إلى متى سلمية هذه الثورة؟ وإلى متى نبقى مكتوفي الأيدي, والنظام يأتي ليذبحنا بدم بارد؟؟؟؟؟ وربما استمتع بمنظر دمنا, وأطلق العنان لنفسه السادية, لترقص على الجراح, وتشرب كؤوس الخمر على فطير معجون بدم (حمزة الخطيب) وأمثاله من أطفالنا!!!
إلى متى سلمية الثورة, والأمر يزداد حراجة؟ إذ العالم كله يتفرج علينا, وكأن الأمر لا يعنيه, لا من قريب ولا من بعيد, الّلهم إلاّ صيحات خجولة هنا وهناك, لم نر لها في واقعنا العملي أثراً يذكر, يغير من مسار السوء الذي يمارسه النظام, أو حتى يحرف العربة - ولو قليلاً- عن سكة الجريمة التي يرتكبها النظام.
أراد الشعب أن يغير واقعه, آمرين بالمعروف وناهين عن المنكر, متخذين من الوسائل السلمية, أداة لهذا التغيير, وسبيلاً إلى غد أمثل.
تسود فيه قيم العدالة والمساواة والحرية, فترفع المظالم, وتلتزم الثوابت, وتحترم القيم, ويعيش الشعب أبياً, مستمتعاً بثرواته, معلناً عن مجتمع يولد كأحسن ما تكون الولادة, لحياة جديدة, بطعم آخر, ولون ثان, ونكهة أروع, ورائحة أريجية, وصور أخرى تنبعث منها روائح الجمال الجديد, بحياته الوردية الأخاذة, وروعته الأنيقة الجذابة, ويطوون أربعين عاماً من القهر والظلم والسجون والسوداوية.
إلاّ أن النظام لم تعجبه سلمية الثورة, وراح يصعّد الأمر أكثر وأكثر, مع المحاولة المستمرة لاستدراج الشعب إلى حمل السلاح, وكانت فتوى العلماء بمنع ذلك, درءاً للفتنة, وحتى لا تتحول سورية إلى بركان دم, والدخول في هذا النفق الذي يشتهيه النظام الدموي, ليوقع الشعب في مستنقع, ستكون له تداعياته السلبية, التي ربما تترك آثارها العميقة, في أجيال من هذا الشعب.
ورؤية الساسة من المعارضين لم تكن بعيدة عن فتوى العلماء, لذات الأسباب, ولنفس العلل, وإن اختلفت المنطلقات, وتباينت الأفكار في بعض المفردات, إلاّ أن المحصلة واحدة في نهاية المطاف, والنتيجة متقاربة, لا يستثنى منها إلاّ الشكل والقالب.
وكان الناس يؤملون من بشار, أن يسمع النصح فيرحل, وأن يأخذ العبرة ممن سبقوه فيتعظ, وأن يجنب البلد الويل والثبور, الذي يمكن أن يصل إليه, إلاّ أنه ازداد عتواً ونفوراً, ولم يصغ لمطلب الشعب المنادي بسقوط النظام؛ بل ازداد في غيه, وتوحش في دمويته أكثر من ذي قبل.
صار الشعب يفكر بمخرج من هذه الفتنة, وأخذوا يبحثون عن سبل الحسم الذي يغير المعادلة لترجح لصالح الشعب, وتهزم النظام وتغلبه على أمره, فيسقط- بعون الله تعالى- وحينئذ يفرح المؤمنون بنصر الله, وتسودّ وجوه النظام ومن سانده.
فمنهم من يقول: لقد سئمنا هذا الحال, وما عدنا نطيق هذا الواقع, كفى.... كفى...... كفى... وليأتِ من يأت, من الشرق أو الغرب, وبأي أسلوب, وبالوسيلة التي يراها, لا يستثنون سوى الصهاينة, ويرون أنه لو أتى من أتى, لن يكون أشد علينا من هذا النظام, المهم أن نخلص من هذا النظام, وهذا تيار يمثل شريحة صغيرة من أبناء شعبنا, وقواه السياسية والوطنية.
وهذا من التفريط, الذي لا يقبل من الناحية الشرعية, ولا يمت إلى قيم المجتمع عامة, بأي صلة, ومرفوض لدى كثير من أبناء هذا الشعب الغيور النظيف.
ومنهم في الطرف المقابل, من يرفض أي تدخل في الشأن السوري, ولو تدخل الأحباب والأصحاب وإخوة الدين، ويقولون: ينبغي أن تنحصر القضية السورية بأبنائها, ولا يجوز أن تتجاوزهم إلى غيرهم, مهما كلف ذلك من ثمن, وما على الشعب إلاّ أن يصبر وصابر ويرابط, ويستعين بالله, فالله ناصره, ولن يخذله، ويرى كثير من المحللين, أن هذا التوجه فيه أثارة من تواكل, لذا فإنه رأي غير مناسب, لأن الأخذ بالسبب جزء مهم من معاني التوكل على الله.
وهناك رأي ثالث وسط بين الرأيين السابقين, مفاده: أن الحماية للشعب السوري, باتت ضرورة لا بد منها, وحالة لا يجوز السكوت من بعد ذلك عليها, وهذه المذابح التي تقع على شعبنا السوري الأبيّ البطل, لا بد من حل لها ووقف لشرها , ومن صور ذلك: أن يكون للعرب دور في هذا الأمر, وكذلك يكون نفس الدور للمسلمين, بالتعاون مع المجتمع الدولي, الذي ينبغي أن يضلع بمهامه, ولا يجوز له هذا الموقف الضعيف, الذي لا يعبر عن حقيقة المنظمات الدولية, وما ينبغي أن يكونوا عليه.
أليس من واجب الأخ أن ينصر أخاه, ولا يجوز له أن يخذله, بحال من الأحوال؟! إذن لماذا هذا التقاعس من العرب والمسلمين, عن نصرة هذا الشعب؟؟ وكل الذي نريده حماية هذا الشعب, من فجور هذا النظام.
والمرفوض في أي مشروع - حتى لو كان من أقرب المقربين- ما يأتي:
- احتلال البلد, فهذا مرفوض رفضاً قاطعاً, وإن من أقدم على مثل هذا العمل المشين, ليس له منا إلاّ السيف.
- العدوان على دم الشعب السوري, بعمد وسابق إصرار, فهذا خط أمر لا يجوز أن يتجاوز, وشعارنا ( الدم الدم والهدم الهدم), ولن نتساهل, في إراقة قطرة دم, من دم أبناء الشعب السوري.
- وجوب المحافظة على البنية التحتية للبلد, مثل الجسور والسكك, وكذلك المصانع والطرق, وغير ذلك مما يمثل شريان الحياة, والرئة التي يتنفس منها الناس, لأن العدوان - مهما كانت الذرائع- على البنية التحتية, عداوة صريحة للشعب وثرواته.
- المحافظة على الممتلكات الخاصة والعامة, ولا يجوز العدوان عليها, فإن حدث مثل هذا فهذا دليل على شر مستطير, ومكر كبير, ومخطط شرير, وفي هذه الحالة لا يجوز السكوت, بل يجب الجهاد.
فهذه رؤى بشرية, على طريق الثورة السورية, لها وعليها, وهي نوع من الحراك السياسي في التفكير لصالح هذه الثورة ولعلها خطوة على مائدة التسديد والمقاربة, تكون نافعة لذوي الشأن ونبراساً على خريطة الطريق, للوصول إلى نهايته بسلام وأمان.