هل نجاح الثورة الليبية سيعسكر الثورة السورية

م. عبد الله زيزان

[email protected]

تابع السوريون الأحداث الليبية الأخيرة بتفاصيلها الدقيقة، حتى باتت أخبارهم حديث الشارع السوري، فالعوامل المشتركة بين الشعبين كبيرة، فهنا طاغية دموي وهناك طاغية دموي، وهنا شعب ثائر حر وكذلك هو الشعب الليبي، وكلا الشعبين انتفض طالباً الحرية والكرامة، وكلاهما دفع لمطلبه هذا فاتورة كبيرة من دماء طاهرة عزيزة... الاختلاف الوحيد بين الشعبين أن أحدهما اختار عسكرة الثورة منذ انطلاقتها، والآخر يرفض حتى اللحظة رفع السلاح بوجه ظالمه...

والحقيقة أنه ومنذ انطلقت الثورة السورية كانت الدعوات لرفع السلاح موجودة، والفريق المؤيد لهذا الطرح يكسب أعضاءً ويخسر آخرين بحسب ما يستجد على الساحة السورية، في الوقت الذي يتمسك فيه فريق آخر بسلمية الثورة حتى تحقيق النصر... وكل فريق يدفع بحججه لإثبات رأيه، والكفة غالباً ما كانت ترجح للفريق السلمي، وذلك لأن الثورة بسلميتها حققت الكثير من الانجازات على الأرض، فاستطاعت أن تهز أركان النظام، وأضعفت موقفه في الداخل والخارج، وأكسب النهجُ السلميُّ الثورةَ تأييداً عالمياً واسعاً، أو بعبارة أدق أحرجت الثورة بسلميتها الغرب الذي كان يتمنى عودة الاستقرار إلى سورية وانتهاء هذه الأزمة بأي ثمن كان...

لكن وبعد أن وصل ثوار ليبيا مشارف عاصمتهم وبعد أن بلغت الأحداث هناك ذروتها انتهاءً بدخول الثوار العاصمة طرابلس وإحكام سيطرتهم عليها تجددت الدعوات في سورية لعسكرة الثورة، ووجد دعاة رفع السلاح حجة إضافية لموقفهم... فكسب هذا الفريق في الآونة الأخيرة مزيداً من المؤيدين، خصوصاً بعد أن أوغل النظام في شعبه قتلاً ونهباً وتعذيباً...

والسؤال الآن، هل هذا ما كانت الإدارة الأمريكية تريد الوصول إليه؟

إذا ما تتبعنا الثورات التي نجحت حتى اللحظة، فإننا نرى أن رأس النظام في تلك الدول هو من سقط ولم يسقط النظام كاملاً... ففي تونس، سقط زين العابدين فقط ولا زال بقايا نظامه يديرون دفة الحكم في البلاد... وكذلك في الحالة المصرية التي سقط فيها مبارك مع بعض الرموز المكروهة بين الأوساط الشعبية، لكن النظام لا زال قائماً وإن بصورة مختلفة وبإدارة العسكر هذه المرة... وكذلك الأمر في الحالة الليبية، لكن بطريقة مغايرة بعض الشيء، فالانشقاقات الكبيرة التي شهدتها البلاد في بداية انطلاقة الثورة الليبية ستسمح لهؤلاء المنشقين بإدارة البلاد والانسلاخ عن الماضي المرتبط بالعقيد القذافي وعائلته وبالتالي فإن بقايا نظام القذافي ستدير الحكم وتحفظ الأمن والاستقرار في المرحلة الانتقالية...

أما في سورية، فإن المؤكد في حال سقوط بشار الأسد هو أن كل أركان نظامه ستنهار معه... لأن التركيبة الأمنية للنظام السوري لن تسمح له بالاستمرار حال سقوط رأس هذا النظام البوليسي... وهذا تماماً ما يقلق الغرب، فسقوط النظام السوري كاملاً في ظل الرفض الشعبي للتدخل العسكري الخارجي سيزيد من غموض المرحلة القادمة وسيحجم الدور الأمريكي في منطقة إستراتيجية مهمة... وجاء تأخر الحسم العسكري في ليبيا ليضيف عاملاً قوياً في رفض تكرار تجربة التدخل العسكري الخارجي في سورية... وربما هذا ما دفع الغرب لتسريع وتيرة الأحداث في ليبيا وحسمها بطريقة دراماتيكية سريعة أدهشت حتى المحللين العسكريين...

والحق أن الغرب بحسمه للثورة الليبية بالتزامن مع تزايد القمع والوحشية في سورية استطاع إعادة الجدل حول عسكرة الثورة السورية وأعطى دعاة رفع السلاح في وجه النظام حججاً أقوى في سلامة خيارهم... فإن صح هذا التحليل فإن الغرب يعول على استنجاد السوريين بالخارج لأن الشعب لن يستطيع في ذلك الوقت حسم القضية عسكرياً، خاصة إذا ما توسع النظام بالقتل بأثقل الآليات لديه بحجة قمع "العصابات المسلحة"...

إن مخاوف الغرب من مرحلة ما بعد الأسد والذي يعززه فشل المعارضة السورية بالتوحد تحت راية واحدة تشكل في المستقبل بديلاً مقنعاً للنظام حال سقوطه وتمنع حدوث فراغ سياسي في البلاد يزيد من غموض المرحلة المقبلة يدفع بهم بالتفكير بالعمل العسكري والذي لن ينجح إن لم يقتنع الشعب بضرورة هذا التدخل وإن لم يتوفر غطاء عربي رسمي لهذا التدخل... وبما أن الغطاء العربي بدأ الآن بالتشكل من خلال المواقف الأخيرة لعدة دول عربية شجبت إراقة الدماء في سورية وسحبت سفراءها منها وتوِّج الموقف العربي باجتماع وزراء الخارجية العرب والذي أدان بدوره أيضاً العنف في سورية، فإن إرهاصات التدخل العسكري باتت واضحة ولا تحتاج الآن إلا إلى إقناع الجمهور السوري بضرورة هذا التدخل...

وهذا ما دفع المعارضة السورية أخيراً للتداعي لتشكيل مجلس وطني انتقالي ولا ندري إن كان هذا المجلس سيحقق الإجماع الشعبي والنخبوي عليه أم لا!!!

بناء على ما تقدم فإن تأخر المعارضة السورية في التوحد وتأخر الغرب في سحب كل الأوراق التي يملكها النظام السوري سيدفع الثوار دفعاً إلى حمل السلاح والذي له عواقب كبيرة مع حساسية الموقع الاستراتيجي لسورية والذي يعني أن الثمن لن يدفعه الشعب السوري وحده...