استقلال الثورة
محمود صالح عودة
إذا كان الطريق لنيل حقوق الشعب الفلسطيني اقتضى بذل جهود جبّارة من قبل المسؤولين الفلسطينيين في السابق، فإنه يتطلب جهودًا مضاعفة اليوم، ليس من قبل المسؤولين فحسب بل من قبل الشعب الفلسطيني بكل مكوّناته.
فإن ما جاء في الخطابين اللذين ألقاهما الرئيس الأمريكي باراك أوباما أمام مكتب وزارة الخارجية الأمريكية والـ"إيباك"، وفي الخطاب الذي ألقاه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام الكونغرس الأمريكي، أغلق باب الحل السياسي بين الإسرائيليين والفلسطينيين نهائيًا.
ملخص ما جاء في خطب الاثنين حول الصراع "العربي-الإسرائيلي" كالتالي: 1) لا عودة لحدود 1967. 2) القدس عاصمة إسرائيل الموحدة الأبدية. 3) التزام أمريكا بأمن إسرائيل أكثر من استراتيجي. 4) التحالف الأمريكي-الإسرائيلي من فولاذ وغير قابل للزعزعة. 5) الأراضي المحتلة عام 1967 ليست محتلة إنما هي ملك الشعب اليهودي.
أما عن الثورات العربية والإسلامية فتمّت محاولات مفضوحة من قبل الجانبين لامتصاص الغضب الشعبي العارم تجاه أمريكا وإسرائيل، ومحاولات بائسة لاحتواء الثورات التي هي بالأصل على أنظمة عميلة أو على الأقل متواطئة مع أمريكا وإسرائيل، سرًَا أم علنًا. ففجأة أصبح الأمريكي والإسرائيلي يتحدثان عن "قيم كونية" يجب دعمها في العالم العربي، وعن حق الشعوب في تقرير المصير، وعن الحرية والديمقراطية التي يجب أن تنعم بها الشعوب العربية كما "ينعم بها العرب داخل إسرائيل"(!)، وعن الانتعاش الاقتصادي الموعود الذي من حق المواطنين البسطاء أن يكونوا جزءًا فعّالاً فيه، وأن يحصلوا على حصتهم من ذلك الانتعاش.
وقد أبطل كلاهما كل كلامهما المعسول، عندما ظهر السم المدسوس فيه تجاه الشعب الفلسطيني؛ إذ اتهم الرئيسان غالبية الشعب الفلسطيني بالإرهاب، حين اعتبرا حركة حماس إرهابية لا يمكن تحقيق السلام معها، مع العلم بأنها حظيت على غالبية أصوات الشعب الفلسطيني في انتخابات ديمقراطية نزيهة شهد العالم عليها. وفي ذلك إشارة واضحة إلى أن الذي يتبنى بعض المواقف التي تتبناها حماس، خاصة تجاه إسرائيل، بمعزل عن الخلفية الحزبية أو الأيديولوجية، لا يحق له العيش بحرية وكرامة، كان فلسطينيًا أم غير فلسطيني.
الذي يؤكّد هذا القول هو التوجّه الأمريكي-الغربي لبعض الأحزاب الجديدة في مصر وتونس، إذ تعرض منظمات وجهات غربية دعمها لتلك الأحزاب مقابل 4 شروط أساسية: تحقيق السلام مع إسرائيل، ونبذ "العنف"، واتخاذ توجه علماني، وعدم التعرّض للمصالح الغربية. هذا التوجّه يشمل كل بلاد الثورة، وهو يعبّر عن ذات التوجه الغربي القديم للمنطقة ولكن بثوب جديد يناسب المرحلة.
جمعت بين خطابات أوباما ونتنياهو لسبب بسيط، هو أن أمريكا من إسرائيل وإسرائيل من أمريكا، وروابط الحركة الصهيونية وغيرها تجمع بينهما أكثر ممّا يتصوّره الكثيرون، جاء ذلك على لسانيهما بوضوح، وظهر جليًا من خلال حماسة أعضاء الكونغرس لخطاب نتنياهو؛ فقد حوّلوا قاعة الكونغرس إلى "جمنازيوم" (قاعة رياضة) وهم يقومون ويقعدون (30 مرة) ويصفقون ويصيحون، ولا أستغرب إذا "عضّلت" أرجل بعضهم واحمرّت أيديهم لاحقًا نتيجة ذلك.
إن أمريكا لم ولن ترضى لنا الحرية ولا الاستقلال، ولم تكن يومًا من الأيام وسيطًا نزيهًا بين الفلسطينيين والإسرائيليين، حتى لو حاولت إظهار العكس بشتى الوسائل، والذي لم يرَ ذلك فهو أعمى. بل إن أمريكا هي المتهم الأول، وقادتها هم الذين يجب ملاحقتهم قضائيًا - إذا كان هناك عدل في هذا العالم - فجرائمهم في مشرق الأرض ومغربها لا تغتفر ولا تنسى، وما زالت البشرية تعاني من سياسة وطمع أمريكا وحلفاء أمريكا.
إن استقلال القرار الفلسطيني واستقلال الثورة العربية والإسلامية المرتبطة بفلسطين هي ضرورة وأولوية، ونجاح هذه الثورة على المديين القصير والبعيد يقتضي عدم التعويل على أحد إلا الله، وبث روح المسؤولية في كل الشعب، ليحافظ على ثورته ويحميها من السرقة أو الاحتواء.