سوريا: التضليل الإعلامي
سوريا: التضليل الإعلامي
أحمد النعيمي
http://ahmeed.maktoobblog.com
يقول العقيد محمد سمراوي رئيس المباحث السابق في جهاز المخابرات
الجزائرية، وصاحب كتاب: "سنوات الدم الجزائري سيرة حرب مدمرة" واللاجئ في ألمانيا،
وصاحب العبارة المشهورة التي جعلها مقدمة لكتابه:" يوجد نوعان من التاريخ: تاريخ
رسمي كاذب، وهو التاريخ الذي لُقنا إياها في المدارس، وتاريخ سري يتعين علينا البحث
عنه وفيه تكمن الأسباب الحقيقة للأحداث، وهو تاريخ مخجل حقا" وهذا هو واقع كل
الحكومات المجرمة في كل البلدان الإسلامية، فإن واقعها كله كذب في كذب ودجل في دجل،
وإجرام في إجرام، وخلف الكواليس واقع آخر يكشف عن عمالة وتعاون مع الغرب ضد كل ما
يمت إلى الإسلام بصلة.
وهذا الإعلام هو الذي يحكمنا منذ عشرات السنوات، ويعمل على تغيب
عقل الإنسان المسلم وجعله منساقا خلف ترويجه الرسمي وتصديق كل تلفيقاته، ولكن كان
للنت الأثر الأكبر في فتح مساحات كبيرة للحرية، بعيدا عن الإعلام الرسمي، والعمل
على كشف كل هذه الأكاذيب، مما جعل الشباب يستيقظ على هذه الواقع المخجل لكل
الحكومات التي تتربع على عروش الدول الإسلامية، مما قاد إلى إسقاط نظامين مجرمين
وهد أركانهم في كل من تونس ومصر؛ على أيديهم بعد توفيق الله لهم بالنصر وتحقيق
غاياتهم، وبعد أن رفعوا جدران الخوف عن صدورهم، والرمي بها خلف ظهورهم والتصدي
للموت بصدور عارية.
والأمر نفسه يحدث اليوم على الساحة السورية ويكشف عن مدى الكذب
الذي تقوم به تلك الحكومة المجرمة المتحكمة بالشعب السوري طيلة عقود من الزمن، فمنذ
بداية الدعوة إلى المظاهرات وهم يحاولون أن يزيفوا ما يجري داخل البلد، وفي يوم
السابع من آذار اصدر بشار الأسد مرسوما بالإفراج عن جميع المعتقلين، ولكن جاء
اعتقال أطفال درعا الذين كتبوا على جدرانها بان يرحل المجرم بشار، أوقف هذا المرسوم
وتم إطلاق سراح المعتقل هيثم المالح والذي يبلغ من العمر ثمانون عاماً، وإطلاق سراح
المجرمين المعتقلين في قضايا وجرائم مدينة، والسكوت عن بقية المعتقلين السياسيين!!
وبعد حدوث عدة مظاهرات داخل دمشق ترافقت مع أحداث تونس
والجزائر، ومحاولة النظام السوري قمعها، تمكنت دعوة الشباب السوري من النجاح في
التظاهر في سوقي الحميدية والحريقة في الخامس عشر من آذار، وخرج عشرات الشبان، ولكن
من دون لافتات لأنها كانت جرأة كبيرة أن يخرج سوري مطالبا بأي إصلاح، وهو ما دفع
النظام المجرم إلى أن يؤكد أنه لم تخرج أي مظاهرات وإنما هي صور لأناس يتجولون في
سوق الحميدية تم تسريع صورهم فقط، وتناقلتها القنوات الفضائية، والدليل أنهم لا
يحملون أي لافتات، ومن القناة الإخبارية السورية وفي مساء اليوم نفسه جاء الخبر
التالي: أن مجموعة من الشبان والشابات تحركوا في سوق الحميدية وهم يناشدون الناس
بان يتحركوا، ولما لم يستجب لهم احد اختفوا وسط الزحام!!"
ووسط سقوط عشرات القتلى على يد النظام المجرم مدى الشهر
الماضي، بقي الإعلام السوري مصرا على أن يعيش في واد آخر بعيدا عما يجري داخل الأرض
السورية، وحتى الجمعة العظيمة البارحة والتي بثت تفاصيلها قناة الجزيرة والقنوات
الأخرى، يخرج النائب السوري خالد عبود، وإن بدت نبرته ليست بنفس الوقاحة التي كان
يخرج بها بداية الثورة، ليؤكد أن هذه الصور ليست حقيقية، وأن قناة الجزيرة قناة
متآمرة، وكان جواب مذيع الجزيرة أن طلب منه أن يسمح للقناة بإدخال مراسليها لسوريا
وبعدها يتوقف شهود العيان، ولكن بقي مصراً على أن يسمعنا الصوت القبيح لهذا الإعلام
الرسمي المجرم ويسكت الذين ينقلون الحدث بكل أمانة، والذي أكد عليه مذيع الجزيرة أن
الناس تسمع للطرفين، وهي الحكم في تصديق ما يجري، ولكن الملفت في كلام عبود أنه بدا
هذه المرة أكثر وداعة من السابق!!
ومن اهزل ما سمعت من تصريحات أذناب هذا النظام المجرم حديث
لأحدهم على خلفية حديث عن الاعتقالات التي تجري بحق المتظاهرين، بالإضافة إلى عشرات
الآلاف من المعتقلين أيام حافظ وابنه المجرم بشار، وهو يتحدث بأنه لا يوجد معتقلين
في سوريا، وأن هناك عشر معتقلين وسيتم الإفراج عنهم قريبا، مضيفا بان المتظاهرين
يطالبون بان يتم الإفراج عن المعتقلين الذي تم القبض عليهم للاتجار بالمخدرات
واغتصاب الأطفال وهذا أمر لا يمكن تحقيقه أبدا، ورد عليه المذيع بان لا احد من
المتظاهرين طالب بهذا وإنما هم يطالبون بالإفراج عن المعتقلين السياسيين!!
وعندما ظهر الفيديو الذي صور للأمن في قرية البيضاء وهم يهينون
كرامة الناس، بعد أن قيدت أيديهم إلى الخلف وتم وضعهم على الأرض ويطلب بعضهم من بعض
أن يصعدوا فوق ظهور المقيدين الذين تم وصفهم بالخونة، وضرب رؤوسهم بالأرض، أمام
زوجاتهم وأبنائهم؛ قام النظام المحرم بإنكار أن يكون هذا الفلم جرى في سوريا وإنما
هو للبشمركة في العراق، ولكن الفيديو كان واضحا بأن الذي كان على رأس هؤلاء
المجرمين رئيس جهاز الاستخبارات في بانياس، والذي اجبر النظام المجرم إلى الإعلان
عن عزل الرائد "امجد عباس" تمهيدا للتحقيق معه وإحالته إلى القضاء كما جاء في بيان
للمرصد السوري لحقوق الإنسان، ولكن الحكومة السورية أكدت عدم صحة هذا الخبر ونفت
اعتقاله وأكدت انه تم نقله إلى محافظة طرطوس، وهو نفس الأمر الذي جرى بحق العقيد
"عاطف نجيب" رئيس الاستخبارات في درعا، والذي أكد النائب عن درعا "يوسف أبو رومية"
من أن هذا العقيد هو وراء الدماء التي سقطت في درعا، وطالب بشار الأسد في تسجيل له
في السابع عشر من الشهر الماضي ومن داخل مجلس الشعب بان يتم محاسبته؛ ولكن تم
تحويله إلى محافظة إدلب، بدون أي اعتبار لما سقط من دماء الشهداء في درعا وبقية
المدن السورية!!
وطيلة الثورة السورية كان الإعلام الرسمي السوري الكاذب يجابه
مطالب شعبه الداعية إلى الإصلاح باتهامهم بأنهم صهاينة وأنهم يتلقون الرسائل من
اليهود، ولما فشل في هذه الخديعة، تم اتهامهم بأنهم من الإخوان المسلمين، وأنهم من
أتباع خدام ثانية، ومرة بأنهم من تيار المستقيل، وآخر مهازلهم اتهام المتظاهرين
بأنهم سلفية ويدعون إلى إنشاء ولايات إسلامية، ولكن كانت الأخبار لهم بالمرصاد
لتؤكد كذب إعلامهم الرسمي، إذ في محافظة حمص حاول أحد الأشخاص الملتحين أن ينسل بين
المتظاهرين داعيا إياهم إلى الجهاد ضد هذا النظام وحمل السلاح بوجهه، ولكن الشعب
السوري الواعي الذي أصر على سلمية ثورته، طلب منه أن يسكت وحاول أن يهرب منهم،
وأثناء هروبه سقط جواله الشخصي، وثم العثور على الكثير من صور هذا الملتحي صاحب
العضلات المفتولة، والتي أثبتت انه عنصر مخابرات جهز لمثل هذه الأعمال، مؤكدة
أكاذيب هذا النظام المجرم، ودجل إعلامه الرسمي!!
أكاذيب النظام السوري أكثر من أن تعد وتحصى، والتي كان آخرها
إعلان النظام المجرم يوم الخميس الماضي عن إلغاء قانون الطوارئ والسماح بالتظاهر
السلمي؛ ووسط هذه المراسيم خرج الشعب السوري مؤكدا على مطالبه بمحاسبة القتلة
والإفراج عن المعتقلين السياسيين، مدركا بأن هذا النظام المجرم ومرسوماته التي سبقت
الجمعة بيوم؛ حبر على ورق، وهذا ما حصل إذ كان يوم الجمعة الذي تم تسميته بالجمعة
العظيمة يوماً عظيماً أريقت فيه الدماء بشكل مخيف وسقط فيه أكثر من تسعين قتيلا،
وقد فعلها النظام السوري المجرم بشكل واضح وقام بالقتل كاشفا عن وجهه الإجرامي
البشع، وذلك في اليوم التالي لمرسومي إلغاء قانون الطوارئ والسماح بالمظاهرات
السلمية، مما أعطى انطباعا للعالم بأن هذا النظام نظام إجرامي لا يمكن له أبدا أن
يكون مصلحا، فضلا على أن يكون نظاما صالحا لحكم هذا الشعب الأبي.
والملفت للنظر في هذه الجمعة أن شبيحة النظام التي كان يتذرع
بها النظام المجرم في اتهام المتظاهرين بأنهم هم من يقف خلفهم؛ قد اختفت، وظهر
للعيان بشكل واضح أن الأمن والجيش هم الذين يقتلون المواطنين، وهم أنفسهم المسلحين
المدنيين الذين كانوا يهاجمون المتظاهرين في الأسابيع السابقة، ومحافظ درعا الجديد
يهدد الشعب السوري بأنه سيقصفهم بالمدافع إذا لم يعودوا إلى منازلهم، ومن لسان
الشعب السوري انتهت كلماته "الله.. وسوريا.. وحرية .. وبس" وحل محلها شعارات"
ارحل.. ارحل" و" الشعب يريد إسقاط النظام".
الدماء السورية ليست اقل شأنا من الدماء المصرية والتونسية وهذا
ما يطالب به الشعب السوري الأبي بأن يتم تسليمه كل مجرم سفح دما حراما؛ وتقديمه إلى
القصاص، وأكاذيب النظام المجرم ومحاولته التستر على القتلة ونقلهم إلى محافظات أخرى
تؤكد أن هذه النظام مجرم من أوله إلى آخره، وأن الأوهام التي يعيشها بشار المجرم
وأذنابه لن تتكرر من جديد، وأن الفضائح ستستمر بحقهم حتى تعمل على تعريتهم أمام
العالم أجمع، والكشف عن مدى إجرامهم، وتعطشهم للشرب من دماء الشعب السوري الذي وقف
بصدر عاري أمام إجرامهم، وهو ما أكد عليه هذا المجرم في خطابه يوم الثلاثين من آذار
الماضي، بقوله: " اليوم طبعا الوضع أصعب لأن انتشار الانترنت أكثر، ولأن وسائلهم
احدث ولكن بنفس الوقت الوعي الشعبي الذي رأيناه في هذه المرحلة كان كافياً للرد
السريع" وبالفعل فإن الوضع الآن بات صعبا لكي يتستر هذا المجرم على جرائمه بحق
شعبه، كما فعل من قبله والده بائع الجولان، فالإعلام اليوم تغير بحيث لم تعد
مخيلتهم تدرك بأن التستر على الجرائم بات ضربا من خيال، بالإضافة إلى وعي الشعب
الذي خرج اليوم بكل محافظات سوريا مطالبا بأن يسلم هذا النظام المجرم نفسه للشعب
ليقول كلمته بحقه.
التستر على الجرائم وتقطيع الأرجل وبقر البطون وشق الصدور لن
يكون مسموحاً به بعد الآن، والشباب اليوم أكثر وعيا وإصرارا على سلمية مطالبه،
وأذكى إدراكا وقدرة على نقل الحدث وكشف أكاذيب الإعلام الرسمي، ولن يسمح لأحد بعد
اليوم أن يهين كرامته وأدميته، ولن يسمح لأحد أن ينتهك ستره.
وسيثبت الشباب أنهم أصبحوا قادرين على تقديم تلك الأنظمة
المجرمة إلى العدالة، ليقول العدل كلمته بحق كل قاتل ومفسد، وهو ما أزعج المجرم
بشار وجعله يصرخ متوجعا عندما أصابه وعي الشعب بمقتل وجعله يدرك بان هذا الشعب غير
الشعب السابق الذي كان يخاف فيه الأخ من أخاه، وان الإعلام هو إعلام غير إعلام
الماضي.
الفضائح بحق الأنظمة المستبدة ستترى؛ فضيحة إثر أخرى إلى أن
تسقط جميعها صرعى صريعا تحت أقدام الشعوب المسلمة، وتؤول تلك الأنظمة وإعلامها
الكاذب إلى الزوال، كما كان عليه حال سيارة الإخبارية السورية التي طردها شعب
بانياس وسط صراخهم كذابون كذابون، والعقبة للمتقين.