أحشفا وسوء كيلة
زهير سالم*
أما الحشف فهو في هذه السياسات الرديّة التي يساس بها قطرنا منذ عقود. الحشف في الشرعة التمييزية التي تسوس الناس بسياسة النمرود يوم قال غرورا ((أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ))، فتثمر في وطننا الخوف والجوع والفقر والفقراء ، والمحرومين من حقهم في القبر وفي الوطن وفي الجنسية وفي الهواء والشمس والكلمة، هذه السياسات التي خلفت لنا مئات الألوف من القتلى والمفقودين والمعتقلين والمشردين. سياسة فرعون الذي ((عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ.)) فرعون الذي قال ((أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى)) والذي قال ((مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي)). وقال ((مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ))
وأما الحشف – لمن يريد أن يقول ولكن.. – ففي بقاء الجولان محتلا ثلاثة وأربعين عاما، وفي عجزهم عن تقديم أي تصور لمخرج كريم للمأساة التي تسببوا بها فيه. والحشف في قدرة طائرات العدو الصهيوني على اختراق سمائنا، واختراق جدار الصوت فوق رأس ( رئيسنا!! )، وفي قدرة جواسيس العدو، رغم حالة الطوارئ المنصوبة فيما يقال لهم، أن يقتنصوا مستشار ( رئيسنا ) في عقر داره ( ومن مأمنه يؤتى الحذر )، أوفي تدمير مبنى (بسيط ) لنا في عمق العمق من ديارنا، لأن ضابط موساد صهيوني ( اشتبه فيه ) مجرد اشتبه فيه، فلم تستطع دفاعاتنا حمايته، ولا قيادتنا الرد على العدوان بعد العجز عن رده. أو في السماح للوكالة الدولية للطاقة الذرية أن تجوس كرة بعد مرة في ديارنا..
وأما الحشف مرة ثالثة فهو في هذا الفساد المستشري، الفساد الإداري والفساد المالي والفساد الأخلاقي فكأننا أمام سبحة شيطانية للشر كل حبة من حباتها مملكة من ممالك إبليس. يقال إنه في وطننا تباع مواطن الجباية، ومرتكزات المكوس، والأجهزة غارقة، والناس والغون، وما يُكتشف ليس إلا قرابين لضرورة تدخين التعتيم.
وأما الحشف مرة رابعة فهو في هذا الاستبداد الذي لا يقبل من طفل في مدرسة ابتدائية أن يشخط على جدار, الاستبداد الذي يعتقل طفلا في العاشرة، ويحاكم طفلة في الخامسة عشرة أمام محكمة عرفية عسكرية، ويعتقل الرجال والنساء لمجرد أنهم وأنهن كانوا وكن أصحاب رأي مخالف، قالوا: لا، أو لا نريد، أو كأنكم أو لعلكم..ثم تفصل لهم ولهن التهم، ويساء بإصدار الأحكام بحقهم وحقهن إلى العدل وإلى القضاء..
ننادي بالحرية للفاضلات العشرة المضربات عن الطعام في سجون الطغاة. ننادي بالحرية لأبناء الوطن وبناته من السابقين واللاحقين.
وأما الحشف أخيرا فهو في سفك الدم الوطني الزكي، الذي أراقه الممانعون بالأمس في مدينة درعا الصامدة المناضلة، ربما أخطأوا الطريق إلى الجولان... الحشف في سفك دم شباب الوطن الذين امتدت إليهم اليد الهمجية فاغتالت وفجعت ويتمت وأثكلت ورملّت.. وكأنها تزيح عن جبينها المعفر دائما بالسوء بعض الغبار. الرحمة للشهداء الأبطال، والعزاء لأهليهم ولذويهم ولعشائر درعا الأبطال، ولأهل الشام كل الشام ليس فقط في شهدائهم وإنما في حكامهم الذين هان عليهم الإنسان وهانت عليهم الدماء..
لم نكن أبدا ممن يريدون لهذا الدم أن يسيل، ولا ممن يدفعون إليه، وما أكثر ما تحملنا مسئولية التحذير منه ، ومن استسهال دروبه، والانزلاق في مساربه وأسبابه، وتحملنا ونحن نكرر النداء مرة بعد مرة تجاهل المتجاهلين، وغرور المغرورين، وبطر البطرين، واستنكار المتعجبين المتعجلين؛ يتساءلون: كيف تعظون؟! وإلى متى تعظون؟! ولم تعظون ؟! وقلنا وما زلنا نقول: معذرة إلى ربنا وربكم..
ولأننا نؤمن أن زوال الدنيا أهون عند الله من قتل امرئ مسلم بغير حق..
ولأننا نؤمن ((أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا..)).
ولأننا نؤمن بأنه لم يكن الرفق في شيء إلا زانه، ولم ينزع من شيء إلا شانه..
ولأننا لا نحب أن ندفع شعبنا وشبابنا ووطننا في طريق الآلام. يكفي ما كان من تدمير وتمييز وقتل واستكبار. وما يزال للعقل مجال لمن أراد..فهل عن طريق الدم من مرد، وهل لعاقبتها من تلاف؟!.. سيبلغ الكتاب أجله، ولكل أجل كتاب فأحسنوا ((إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ)) وأجملوا وإلا ((فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلا..)) واعتبروا من الفرق بين التبديل والتحويل فلا أنتم قادرون على هذا ولا على ذاك..
كان ذلك بعض الحشف، وأما سوء الكيلة فهو في هذه المعاذير، ومحاولات الدفع الغبية، وتوزيع الاتهامات، والإحالة مرة على لجنة تحقيق ( !!! ) وثانية كما جرت العادة على عدو صهيوني، وثالثة على مندسين حتى في لباس رجال شرطتكم تعلق في أعناقهم الجرائر والجرائم التي ستلازم الأعناق إلى يوم الدين ( يأتي القتيل يوم القيامة متعلقا بعنق قاتله يقول يا رب سل هذا فيم قتلني..)
وهذا موطن لا نملك إلا أن نقول فيه: اللهم إنا نبرأ إليك من كل سوء يقع على مواطن. نبرأ إليك من كل قطرة دم، وصرخة ألم، نبرأ إليك من ترويع الإنسان، ومن العدوان عليه، والنيل منه..
ولا نملك إلا أن نجهر بالقول:
إن الألى قد بغوا علينا إن حاولوا فتنةً أبينـا
فأنزلن سـكينة علينـا وثبت الأقدام إن لاقينا
اللهم أدل دولة الظلم والظالمين واحفظ الشام وأهله من كل سوء.
* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية