صور ناطقة للتحوت والروابض

أحمد الجدع

[8]

ــــــــــــــ

السفر بين البلاد العربية مشقة ، وتكاد هذه المشقة ترقى إلى التعذيب النفسي .

والمسؤولون العرب يختارون رجالاً من قساة القلوب بل من القلوب المتحجرة ، ويدربونهم على كيفية تعذيب المسافرين العرب من وإلى أوطانهم .

يشمخ هؤلاء الموظفون بأنوفهم إذا كان المسافرون (إخوانهم) من العرب ، فإذا كان المسافر أجنبياً تطافعت قاماتهم وذلت نفوسهم وسارعوا في إنجاز معاملاتهم وتوديعهم بأفضل الكلمات والسبل !

اقتضاني عملي في إحدى الدول أن أقطع مسافات طويلة بسيارتي ومعي أطفالي .

ذات سفر كنت أجتاز المسافات مسرعاً مسابقاً الزمن حتى أصل موطني ، ورأيت إشارة مرورية وأنا أجتاز الطريق الصحراوي تشير إلى تحويل الطريق فملت بسيارتي إليها دون أن أخفف سرعتي .

نعم رأيت مجموعة من السيارات والرجال تقف جانباً ، ولم أفكر أنهم من رجال الشرطة ، وما إن ابتعدت عنهم حتى لحقت بي سيارة وأشارت إليّ بالتوقف ، فتوقفت ، فنزل منها رجلان وأمراني بالعودة وهما يتهددان ويتوعدان لأني لم أقف حيث كان عليّ أن أقف عند الشرطة التي تقف في زاوية الطريق .

رجعت ، وتوقفت ، وتركني الرجلان وانشغلا بغيري .

كان عليّ أن أترك مكيف السيارة دون توقف لشدة الحرّ ولوجود أطفالي معي ، وعندما طال وقوفي خشيت من نفاد البنزين من السيارة ، نزلت منها إلى الرجلين اللذين لحقا بي وأعاداني ، فرفضا أن يستمعا إليّ ، قلت لهما إن معي أطفالي والجوّ حار وأخشى عليهم ، فلم يلتفتا إلى تضرعي ، ولم يهتمّا بأطفالي !

شعرت أن الرجل الذي يقف بعيداً هو المسؤول عنهما ، ذهبت إليه وشرحت له ما شرحت لهما ، قال لي : ماذا تحمل في سيارتك ، قلت أطفالي وزوجتي ، قال لي : نحن دورية لاصطياد من يهرب المخدرات .

طلبت منه أن يفتش السيارة فإن وجد شيئاً مما يبحث عنه فليأخذ إجراءاته ، وإلا تركني وأطفالي نتوجه إلى بغيتنا .

تقدم من السيارة ، فتح الدرج الصغير إلى يمين السائق ، ثم أغلقه وأمرني بالانصراف !!

أكثر من ساعتين من الانتظار ليفتش درجاً صغيراً .

لم يقف الأمر عند هذا ، عندما وصلت نقطة الحدود سلمت الجوازات لكي تزين بختم الخروج .

انتظرت ، نادى الرجل : أحمد ... أحمد قلت نعم ، قال أين زوجتك والأولاد ؟ قلت : بالسيارة ، قال : أحضرهم .

أسرعت إلى السيارة ، وأحضرت زوجتي وأولادي ، قلت بأعلى صوتي : هؤلاء أولادي وأمهم ، فلم يلتفت إليهم ، ولكنه تفضل ورمى بالجوازات بأقصى ما يستطيع ساعداه ، وجريت ألمها عن الأرض ... وأمضي لسبيلي دون أن أتلفظ حتى بكلمة واحدة ...

حسبنا الله .

[9]

ــــــــــــــ

شاب مؤدب ، ولكنه ابتلي في زواجه الأول ، فأراد أن يجرب زواجه الثاني ، جهز لحفل الزفاف ، دعاني وألحّ عليّ أن أحضر ، ولما سألته إن كان حفل زفافه مختلطاً أجاب بالنفي .

إن مما ابتلينا به في زماننا هذه الأعراس التي يختلط فيها الرجال بالنساء ، والنساء بالرجال ، وتدور فيها حلقات الرقص ، ترقص النساء بين الرجال ، ويشاهد جميع الحاضرين هذا الإثم الوافد إلينا من اليهود والنصارى ، ومما قلدناهم به حذوك المثل بالمثل !

وددت أن لا أرد لهذا الشاب طلبه ، فذهبت إلى قاعة الزفاف .

نعم كانت قاعة الاحتفال قد قسمت قسمين أحدهما للرجال والآخر للنساء ، والحاجز بين الطرفين ستارة طويلة من القماش يمكن إزالتها إذا كان المحتفلون يودون أن تكون حفلتهم مختلطة !

جلست مع ولدي الذي رافقني إلى الحفل ، كانت النساء تغني من وراء ستار ، وكان الرجال يجلسون إلى طاولاتهم ، قسم منهم يتحدثون ، وقسم آخر لا يجدون حديثا ، وثالث الأقسام ساهمون ، لعلهم مثقلون بالعدم والمشاكل ، أعانهم الله .

كنت أنتظر أن يحضر (المعرس) أو العريس كما نقول حتى أسلم عليه ، وأبارك عليه حتى يعلم أني جئت ولم أخيب أمله .

طال انتظارنا وتأخر العريس ، وبينما نحن في الانتظار دخل شخص فنظر في غضب شديد إلى الستارة بين الجنسين ، فصرخ بأعلى صوته ، من فعل هذا ، من فعل هذا ؟

نظرنا إليه في استغراب نريد أن نعرف ما أغضبه .

أخذ يردد عبارته بأعلى صوته وهو يتقدم من الستارة ويزيلها كاشفاً النساء على الرجال ، والرجال على النساء .

سارعت النساء المحجبات إلى حجابهن يرتدينه ، أما الأخريات فلم يأبهن لما حدث ، واستمر الرقص ، ولعله ازداد حماساً بعد أن انكشف الستار .

أما الرجال فقد ساء بعضهم ما حدث ، وسر الآخرون بهذا الانفراج !

علم هذا الشخص أن استياء حدث ، فصاح بأعلى صوته : من أراد أن يستمر في الجلوس فأهلاً ، ومن ساءه ذلك فليرحل !

لعل هذا من حسن الضيافة عنده ، ومن حسن الأدب أيضاً .

نظرت يمنة ويسرة لأرى أثر كلامه على المدعوين .

أخ بعضهم بالانسحاب ، وبعضهم أشار لأهله وبناته بالانسحاب ، وانسحبت مع ولدي ...

حسبنا الله .