مصر "مدنية" نعم "علمانية" لا
مصر "مدنية" نعم "علمانية" لا
بدر محمد بدر
في مرحلة إعادة بناء الوطن من جديد على أسس ديمقراطية حقيقية بعد "ثورة التحرير"، ينبغي أن نتفق جميعا على الملامح الأساسية التي تشكل رؤيتنا لمصر المستقبل، وفي اعتقادي أن "ثورة التحرير" قدمت رؤية واضحة في أكثر من مجال، من بينها التأكيد على أن "الدين" هو أحد المكونات الرئيسية للشخصية المصرية، وأنه كان الحافز الأهم في هذه الثورة، للتخلص من الفساد والاستبداد والقهر والطغيان، ويكفي إعادة تأمل مشهد الملايين الهادرة وهي تقيم الصلوات الخمس في الميادين، وكذلك قداس الأحد للإخوة الأقباط في ميدان التحرير.
وتاريخيا قاد الشيوخ والعلماء والدعاة، جنبا إلى جنب مع القساوسة، ثورات الشعب المصري، ولعل أبرزها ثورة 1919 التي انطلقت من الأزهر الشريف والكنيسة القبطية، ورغم هذا الدور البارز والمهم للدين في تكوين المصريين، إلا أن أحدا لم يزعم أن مصر تحولت، بعد نجاح هذه الثورات التاريخية، إلى "دولة دينية" بالمفهوم الغربي.
والدولة المدنية في الثقافة الغربية هي الدولة التي خاضت حروبا على مدى عقود ضد هيمنة الكنيسة الأوروبية، ثم انتصرت عليها في النهاية، وتخلصت من سيطرتها، ونجحت بعد ذلك في عزل وتهميش الدين في أوربا كلها إلى الآن، وهذا الصراع إذن هو صراع غربي محض، ولا دخل لنا نحن المسلمين أو حتى الكنائس المسيحية في بلادنا به.
لكن نفرا من بقايا الماركسيين والعلمانيين والمتغربين، والكارهين للدين والمتدينين في بلادنا، يرددون هذه "الاسطوانة المشروخة" عن فزاعة "الدولة الدينية"، و"الإرهاب الإسلامي" القادم في الأفق القريب، و"طيور الظلام" التي بدأت تظهر في سماء الوطن، في ظل تنامي المشاعر الدينية الطبيعية في المجتمع المصري، والصعود الشعبي للتيارات الإسلامية وعلى رأسها الإخوان المسلمين، دون أن يقدم هؤلاء دليلا واحدا على صحة هذه المخاوف، لا من التاريخ ولا من الحاضر، ولا حتى شواهد من مواقف أو كتابات المفكرين والعلماء والدعاة.
إنني أعتقد أن الأنظمة العلمانية التي همشت الدين وحاربت المتدينين، ودعمت الاستبداد والفساد طوال 60 عاما، هي التي عانى منها الشعب المصري بكل تياراته وفئاته، ومشاكل الأقباط صنعها أو فشل في حلها النظام العلماني السابق، وفي ظل إعادة بناء مصر المستقبل، فإن الإخوة الأقباط لهم كل حقوق المواطنة التي يضمنها، بوضوح وشفافية، الدستور المكتوب، الذي نتوافق عليه جميعا في المرحلة المقبلة، في إطار الكلمة الجامعة والقاعدة الذهبية المعروفة "لهم ما لنا وعليهم ما علينا"، دون من أو مزايدة من أحد.
وأقول لكل الذين يفتشون في ضمائر الإسلاميين، ويحاكمون نواياهم، ويلتمسون عثراتهم، لتخويف الشعب المصري من الحضور الإسلامي في المشهد العام، غير عابئين بأن هذا بالضبط ما كان يمارسه النظام البائد، إن سعيكم سوف يخيب، مثلما خاب سعي نظام مبارك، لأن الشعب المصري الحر، الذي قاد "ثورة التحرير"، أثبت أنه أكثر وعيا بالواقع، وأكثر قدرة على تنفيذ إرادته والوصول إلى هدفه، مهما تعالى صراخ العلمانيين وبقايا الماركسيين في وسائل الإعلام ومنابر الثقافة، ولم يعد ينطلي عليه الكلام الأجوف المنمق، ولا التخويف والتخوين والإقصاء.
إن مصر دولة مدنية لها مرجعية إسلامية حضارية، يقف فيها الأزهر الشريف شامخا منذ أكثر من ألف عام، ليحمي الوسطية الإسلامية في مواجهة التطرف، ويذود عن حمى العقيدة والشريعة الغراء، ويقود الأمة في مواجهة المصاعب والتحديات، وقد ارتبط اسم مصر بالأزهر في كل بلاد العالم، باعتباره أكبر صرح علمي إسلامي، وقوة الأزهر الشريف هي قوة للوطن كله، ينبغي أن ندعمها وأن نحرص عليها.