الشيوعيون والديمقراطية
أ.د. حلمي محمد القاعود
[email protected]
الشيوعيون ضد
الديمقراطية ، مع أن الديمقراطية من أكثر الكلمات دورانا على ألسنتهم !
وهم دائما في خدمة
الأنظمة الشمولية الاستبدادية ، لأنها تتيح لهم وحدهم الظهور والوجود والهيمنة على
كل المرافق ، دون أن ينافسهم أحد ، ولأن مصالحهم الخاصة تسبق أية مصلحة عامة .
وتاريخهم في مصر مشين
للغاية ، خاصة بعد أن كان زعيمهم والأب الروحي لهم هو الصهيوني "هنري كورييل "
الذي خدم الكيان النازي اليهودي أكثر مما خدمه مناحيم بيجين ، وبقية القادة
الصهاينة في الميدان العسكري ، ويكفي أنه جعل الشيوعيين المصريين والعرب ، يؤيدون
الكيان الصهيوني بحجة وحدة الحركة العمالية الدولية ، ويصفون الحرب التي قام بها
العرب دفاعا عن الشعب الفلسطيني عام 1948 بالحرب القذرة .
ثم إنهم منذ نشأتهم في
مصر حتى سقوط النظام الاستبدادي الفاشي في ثورة 25 يناير خدموا الاستعمار
والديكتاتورية وحاربوا الإسلام والقرآن وغازلوا التمرد الطائفي وأيدوه ، كما حركات
الانفصال في السودان والعراق واليمن !
قليل منهم من تصور أن
الشيوعية يمكن أن تحقق أحلامه في وطن مستقل ، وقليل منهم من اعتقد أن الشيوعية يمكن
أن تكون طريقا للعدل الاجتماعي ، وإذابة الفوارق بين الطبقات ، وهؤلاء مع كوادرهم
من البسطاء دفعوا من جيوبهم ، وتحملوا عذابات المعتقلات والسجون ، ولكن القيادات،
جعلت من الشيوعية طريقا للسلطة ، والغنى ، والوجاهة الاجتماعية ، والانتقال من
القاع إلى القمة !
وقد أتاحت لهم خدمة
الاستعمار والأنظمة المستبدة أن يهيمنوا على كثير من وسائل الدعاية ، وأن يروجوا
للأفكار المعادية للشعوب باسم الحرية والإبداع والديمقراطية ، وقد تمكنوا بفضل هذه
الهيمنة من التشهير بالمخالفين،وخاصة الحركة الإسلامية ، وبلبلة الرأي العام ،
وخاصة في القضايا المصيرية ، لقطف ثمار لم يتعبوا فيها ، ولم يبذلوا جهدا في
سبيلها.
وفي ثورة 25 يناير صمت
الناس عن بعض ممارساتهم حرصا على المصلحة العامة ، وأملا في أن تغيرهم الأحداث ،
وتفتح لهم باب التوبة إلى الله ، والاعتذار إلى المجتمع ، ولكن طبيعتهم هي هي لم
تتغير ولم تتبدل .
عندما وجدوا أن
التعديلات الدستورية التي أشرف عليه الفقيه القانوني طارق البشري ، ستحرمهم من
الحصول على مكاسب أكثر من حجمهم الواقعي ، بدءوا الشغب على لجنة تعديل الدستور ،
وعلى الدستور ، وعلى الانتخابات نفسها ، وبحكم هيمنتهم على الإعلام والثقافة بدأت
حملة رخيصة ضد الشيخ الجليل الذي صاغ التعديلات ولجنته ، واتهموه بالانتماء إلى
الإخوان المسلمين ، بل اتهموا اللجنة كلها أنها موالية للإخوان ، وراح بعضهم يرصد
نسب انتماء أعضاء اللجنة إلى الأفكار المختلفة ، ومع أن بعض هؤلاء الشيوعيين يعيش
في الغرب ويعلم طبيعة الديمقراطية وآلياتها وكيفية الوصول إلى قرار تصنعه الأغلبية
، فقد استكثر على طارق البشري ومن معه أن يقوموا بعمل يحفظ بلادنا من التزوير
ومضاعفاته .
وراحوا بعدئذ يتحدثون
عن ضرورة وجود مجلس رئاسي مشترك من الجيش والمدنيين ، ثم طالبوا بمد الفترة
الانتقالية بحجة الاستعداد للانتخابات ، ولم يجدوا غضاضة من المماحكة ليكون انتخاب
الرئيس قبل انتخاب مجلس الشعب.. وكل ذلك لحرمان البلاد من الوصول إلى الوضع
الديمقراطي ، أملا في تمديد الفترة الانتقالية ، وإتاحة الفرصة أمام من يفكرون في
تحويل الدولة مرة أخرى إلى الديكتاتورية !
لقد بدءوا اللغط ،
وتابعهم بعض الناس ممن لا وجود لهم في الشارع ، وأوقدوا نار الفتنة بين المحكمة
الدستورية ومحكمة النقض بشأن الفصل في عضوية النواب ، وراح الإعلام الموالي للنظام
القديم ينفخ في هذه القضايا على أمل صرف الناس عن التصويت لتعديل الدستور ، وإنهاء
الفترة الانتقالية !
الغريب أن الشيوعيين
وأشباههم ومرتزقة العهد البائد مازالوا يحتلون شاشات التلفزيون بقنواته الرسمية
والخاصة ( ملك اليمين ) لمخاطبة الناس بأفكارهم الموالية للاستبداد ، المعادية
للحرية والديمقراطية ، وكأنه لم تحدث ثورة شعبية ، راح ضحيتها مئات الشهداء وآلاف
الجرحى والمصابين والمفقودين الذين هم في حكم الشهداء !
إن النزعة الأنانية لدي
بعض القيادات الشيوعية التي تأمركت وأشباههم من أعداء الإسلام والحرية ، لا تخضع
لمنطق أو عقل ، بل إنها تتعامل بغطرسة وصلافة مع حقائق الواقع وآليات الديمقراطية
..
لقد تناسوا أن صندوق
الانتخابات ، هو أفضل وسيلة ممكنة لفرز الصالحين من الطالحين ، وأن من لا يجد له
شعبية بعد عشرات السنين لا يمكن أن يجدها بعد سنة أو سنتين .. ولكن منطق المغالطة
يهيمن على الفاشلين ، أصحاب الهوى ، الباحثين عن قطف ثمار ليست لهم ، ولا يستحقونها
.
إنهم يريدون تعديلا
كليا للدستور في ظروف غير ملائمة ، حيث يبحث الناس عن انتقال إلى الحكم المدني
بأسرع ما يمكن ، مع أن التعديلات أقرت في تعديل في المادة 189 مكرر، بإلزام المجلس
النيابي المنتخب ومجلس الشورى أن يكون أولُ عملِهما هو وضع دستورٍ جديدٍ للبلاد
يحقق رغبة الأمة في النظام الذي تريده ، سواء كان برلمانيا دستوريا ، أو جمهوريا
رئاسيا ، أو يجمع بين النظامين .
إن مجلس الشعب القادم
سيأتي دون تزوير لأول مرة ، لأن القضاء سيشرف على العملية من البداية إلى النهاية ،
وسيكون هناك قاض على كل صندوق ، وبالتأكيد فلن تكون للداخلية هيمنة على الانتخابات
أو الصناديق ، بعد سقوط جهاز الرعب والترويع المسمى أمن الدولة ، وعلى فرض أنه
سيكون هناك تزوير فلن يكون بالنسبة الفاضحة التي رأينا عليها انتخابات النظام
الفاسد الساقط عام 2010م، ولا أعتقد أن نسبة التزوير على فرض وجودها تتعدى خمسة في
المائة ، وهي نسبة لا تؤثر في سياق عام يختار نوابا يرضى عنهم الناس رضا حقيقيا ،
يقومون بانتخاب الجمعية التأسيسية لوضع الدستور الدائم الذي يليق بثورة الورد
العظيمة .
وأعتقد أن انتخاب رئيس
جديد ، سيكون حالة جديدة مختلفة عن الحالات المزيفة التي شهدناها على مدى ستة عقود
تقريبا ، فالرئيس الجديد لن تكون انتماءاته لغير مصر والمصريين ، ولن تكون الجينات
القادمة من وراء الحدود موجودة في أحد الوالدين أو الزوجة .. وأركز هنا على الزوجة
التي كانت عادة تبذل جهدها الشيطاني في تغيير الشريعة وتحريم الزواج والطلاق
والعلاقات الزوجية القائمة على المودة والرحمة ، بل إخضاعها لمحكمة الأسرة ، والشقة
من حق الزوجة ، وأريد خلعا ، ومحامي الخلع ، والعفش ليس من حق الزوج !
إن بعض الموالين للعدو
الصهيوني من أبواق النظام البائد ، لا يعيرون مسألة الانتماء المصري اهتماما بل
يقللون منها ، ويرونها عنصرية لا تليق بمصر ، مع أن العدو النازي اليهودي لا يسمح
أن يرأس كيانه أوزارته شخص لا يكون أصيل الانتساب إلى اليهودية حتى الجد الألف ..
ولا أرى دولة في العالم تتسامح في هذه المسألة ، حتى الدول المتقدمة مع أنها تملك
مؤسسات قوية ، صاحبة قرار قوي يقوم على البحث والدرس والشورى ، والرئيس فيها مجرد
رمز ينفذ ما تمليه المؤسسات القومية والمنتخبة ؛ فإن هذا الرئيس لابد أن يكون
منتميا إلى وطنه انتماء خالصا .
إن ميزة هذه التعديلات
أنها ستقدم لنا رؤساء ليسوا من صناعة الفكر الغربي أو الأميركي أو الماسوني ،
وستجعل الناس يرون لأول مرة رئيسا يمكن أن يكون بشرا ، وليس إلها عاجزا لا يقدر إلا
على سحق شعبه وإذلاله !
لقد جعل التعديل شروط
الترشيح متاحة أمام الشرفاء ، فلا يخضعون لإرادة النظام البائد ، ولا لمادته
الفضيحة في الدستور - رقم 76 - التي استنكرها العالم أجمع ، لأنها جاءت في أطول
صياغة عرفتها مادة دستورية في أرجاء الدنيا ، وتحول دون رغبة أي شخص للترشيح لا
ترضى عنه السلطة المستبدة .
إن موقف القيادات
الشيوعية الحكومية وأشباهها ، وبعض القوى الهامشية التي لا وزن لها في الشارع ، حين
تسعي لتعطيل عملية الانتقال إلى السلطة المدنية ؛ إنما ترتكب جريمة خطيرة في حق
الشعب وحق الوطن وحق الأمة ، وهو ما يفرض أن تكون القوى الحية في المجتمع على وعي
بما يراد لها على يد الشيوعيين الحكوميين وأمثالهم .
إن الديمقراطية آلية من
آليات التعبير عن إرادة الناس ، ويجب على الشيوعيين الحكوميين وأشباههم أن يمتثلوا
لهذه الإرادة الشعبية ، وأن يكفوا عن فرض إرادتهم الشيوعية على الناس ، لأنهم في
كل الأحوال أقلية إقصائية تعودت أن تنفرد بكل شيء ، وأن تعمل وحدها دون شريك ، وأن
تشوش على كل عمل طيب ، ويكفي أنها تتبنى رغبة إرهابية شريرة ، لإلغاء المادة
الثانية من الدستور ، وهي تعلم إن الإسلام دين الأغلبية الساحقة التي تمثل 99% من
الشعب المصري على الأقل ، من كان الإسلام دينه ، أو كان حضارته وثقافته ! ويكفي
أنهم يطالبون أن يكون رئيس الدولة غير مسلم ، في الوقت الذي يرفعون فيه الفزاعة ضد
الإسلاميين حين يعملون بالسياسة أو يفكرون في خوض الانتخابات !
لقد آن الأوان أن تتحرك
القوى الحية ، كل في إطار قدراته التي يحددها رجل الشارع ، وصوته الحر ، الذي تعبر
عنه انتخابات نزيهة وشريفة .