عدوانية الخطاب الديني
صابر بن حيران
قبل الخوض في هذا الموضوع الحساس أرجو الاستماع إلى هذه النماذج البسيطة المختارة من الخطاب الديني, الذي تردده مساجدنا كل يوم, والذي ظل على مدى عقوداً طويلة وعبر أعواماً بائسة، المغذي الأول للحقد البغيض وللكراهية البشعة:
اللهم أهلك (؟؟؟؟؟) واعوانهم، وأهلك (؟؟؟؟؟؟) ومن ناصرهم، وأهلك (؟؟؟؟؟) ومن يقف وراءهم, وأهلك (؟؟؟؟؟) ومن شايعهم, وأهلك (؟؟؟؟؟) جميعا !!
اللهم أحصهم عددا وأقتلهم بددا ولا تبقي فيهم أحدا أبدا !!
اللهم دمرهم تدميرا وأجعل تدبيرهم تدميرهم !!
اللهم دمر حصونهم وهَدم بيوتهم وأصبهم بالأمراض بما يعجزون عن رده !!
اللهم رمل نساءهم ويتم أطفالهم وشتت شملهم وأقذف الرعب في قلوبهم !!
اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم و صُب العذاب من فوق رؤوسهم !!
اللهم أخسف الأرض بهم وأنزل بهم العذاب وسلَط عليهم الآفات المهلكات !!
اللهم جمد الدماء في عروقهم و أجمد الطعام في أمعائهم !!
و يبلغ الخطاب الديني عندنا ذروته في الحث على تكريس العداء والتحريض على البغضاء في مثل هذه المرحلة القلقة المتأرجحة التي تمر بها الأمة!!
ففي المساجد تشتعل الحروب الدينية الوهمية، فيتم رفع وابل من الدعاء للتشجيع على سحق الآخر بأمنيات خيالية بعيدة عن الإنسانية !!
بل أن بعضهم يتجاوز الحدود ويحرض على عداء العلمانيين والليبراليين والحداثيين والأكاديميين, ويصب لعناته على الطوائف الأخرى المخالفة لمذهبه
كل ذلك يقودني إلى تساؤلات كثيرة تبحث عن إجابات ...
إلى متى سنظل ندور في دوامة الأمنيات الشريرة المحرضة على العنف والقتل والإبادة الجماعية لكل من نختلف معهم ؟؟!!
إلى متى نظل في بحث دائم عن عدو مبين للهروب من الواقع، ونكتفي بالكيل له بالدعاء الذي لربما يلحق به الأذى والهلاك بعيداً عن المبادئ الإنسانية ؟؟!!
أليس هذا الذي يحدث على المنابر ، وفي اغلبية مساجدنا هو فعلاً (إرهاب القول) الذي يقود بشكل خفي ومخيف إلى (إرهاب الفعل) ؟؟!!
أليس من الظلم الدعاء ( بالجملة ) بوضع كل من نختلف معهم في سلة واحدة ؟؟!!
هل يرضى المسلمون أن يسمعوا الدعاء عليهم بالفناء والإبادة والهلاك عبر الكنائس المسيحية و دور العبادة الأخرى ؟؟!!
لماذا تلك الأنانية بتمني زوال الآخر سواء بالكوارث الطبيعية كالزلازل والبراكين أو بالكوارث الميثيولوجية كالطير الأبابيل إرم ذات العماد والطوفان ؟؟!!
أليس هذا الشحن الشرير في عقول الفارغين فكرياً الذي يتم في العادة بطريقة ملقنة ، هو الذي يمسخهم ليجعلهم كارهين حاقدين غاضبين ناقمين على الجميع ؟؟!!
أليس من الجبن الدعاء على كل من هو يختلف عنا في عقيدتنا ، ولا أحد يجرؤ على الدعاء على من تسبب في جهلنا وتخلفنا وسرق ونهب ثروات الشعوب المسلمة ؟؟!!
لماذا لا نكتفي بالدعاء لكل من نختلف معهم بالصلاح والهداية ، أليس ذلك أقرب للخير وأنفع للجميع ؟؟!!
لماذا أصبحت الحياة لديهم عمل بجد وإجتهاد ونظام وحب وإخلاص وإنسانية ونحن توقفت حياتنا في البكاء على اللبن المسكوب وعلى الأحلام الشريرة العابرة للقارات ؟؟!!
ماذا لو كانت الفتاوى التي تحض على كراهية الآخر بالدعاء عليه من ضمن ثقافة الغرب كما هو حالنا ... أليس هذا كفيلاً بالقضاء علينا ، لاسيما أنهم يملكون الوسائل الحديثة ؟؟!!
ماذا لو أستثمرنا الوقت المهدر في الترديد بشكل ممل لمجرد تمني زوال الآخر من الوجود أو بهلاكه أو بعذابه ، وعملنا كما عملوا بحب ومودة وآخاء ؟؟!!
هل دعاء الأشرار يصل إلى السماء ( إذا كانت الإجابة لا ), فلما ضياع كل هذا الوقت ، لاسيما أن الكثير منا ينطبق عليه المثل الحجازي : الشيَال ما يذكر ربه ، إلا في الحملة الثقيلة !!!
هل هناك من عقول تستوعب أنه إنتهى زمن النوم وظهور المعجزات والقصص الخرافية والمخلوقات الأسطورية التي شغفت قلوبنا بها !!
ختاماً ... كنت قد قرأت للمفكر الراحل عبد الله القصيمي رأياً خاصاً به فيما يتعلق بهذا الشأن ، إذ يقول :
أنا أرفض أن أموت ، أن يموت أبني ، أن يموت صديقي ، أن يموت أي إنسان ، أن يموت خصمي ، أن يكون لي خصم !
أنا أرفض ذلك تحت أي شعار ، تحت أي فكرة تختفي وراءها أضخم الأكاذيب وأفجر الطغاة والمعلمين !!
لهذا أنا أرفض التعاليم و المذاهب التي تعلمني كيف أكون قاتلاً ، كيف أكون مقتولاً ، كيف أؤمن بذلك ، كيف أهتف لمن يدعونني إلى قتل الناس!!