من عجائب الرؤساء
فهمي هويدي
من يصدق أن رئيسا للجمهورية يمكن أن يزهد فى المنصب ويقرر أن يتركه لكى يتفرغ
للتعبير عن عشقه للشطرنج ؟
الأولى الزهد فى المنصب معقولة فى غير بلادنا بطبيعة الحال
لكن الثانية غير معقولة فى أى مكان بالكرة الأرضية
باستثناء روسيا الاتحادية ، هذا حدث مع كيرسان ايليو مجينوف رئيس جمهورية كالميكيا
الروسية التى تتمتع بالاستقلال الذاتي وتقع على ضفاف بحر قزوين
أغلب سكانها من البوذيين
السيد إيليو مجينوف يرأس جمهورية كالميكيا منذ سبعة عشر عاما ( انتخب عام 1993 )
لكنه انتخب رئيسا للاتحاد الدولي للشطرنج بعد فترة قصيرة من توليه المنصب فى عام
1995 حيث عرف عنه هوسه باللعبة وذيوع شهرته كلاعب ماهر
وطوال السنوات التى خلت ظلت تتنازعه الرغبة فى التفرغ للهواية التى تعلق بها وعشقها
، ويبدو أنه فقد حماسه لرئاسة الجمهورية مؤخرا ، فأعلن أنه لن يطلب التجديد لنفسه
مكتفيا بأربع ولايات أمضاها فى منصبه
وقال فى تصريحات صحفية إنه لن يطلب من الرئيس الروسي أن يمدد له رئاسته للمرة
الخامسة ، علما بأن رؤساء الجمهوريات التي تتمتع بالحكم الذاتي يعيّنون من قبل
الكريملين ابتداء من عام 2004 ، وكانوا ينتخبون قبل ذلك
طوال فترة رئاسته
ظل صاحبنا يعتبر بلده جمهورية كالميكيا هي عاصمة الشطرنج في العالم ، ولذلك أنشأ فى
عاصمتها اليستا ما اطلق عليه
مدينة الشطرنج وهى عبارة عن مجمع من المباني مخصص لأنشطة هواة اللعبة
الطريف أن رئاسة الرجل لاتحاد الشطرنج ليست مضمونة
لأن لاعبا روسيا كبيرا اسمه أناتولى كاربوف ينافسه على هذا المنصب فى انتخابات
لشغل المنصب ستجرى فى 29 سبتمبر الحالى ، في حين أن ولايته الرابعة لرئاسة
الجمهورية
تنتهي في 24 أكتوبر الذي يليه
الذى حدث فى ألمانيا أقل غرابة ، ذلك أن الرئيس الألماني
كريستيان فولف الذي انتخب لمنصبه فى 30 يونيو الماضي واجه مشكلة في تعليم ابنه ،
حين اضطر إلى الانتقال من هانوفر حيث مقره وموطنه الأصلي إلى العاصمة برلين
لتولى مهام منصبه
إذ حاول إلحاق ابنه الصغير لينوس بإحدى الحضانات الحكومية ذات الأسعار الرمزية ،
لكنه لم يجد مكانا له
فاضطر إلى تسجيل ابنه على قائمة الانتظار لحين خلو أحد الأماكن ، حيث تشير
الإحصاءات إلى أن فى برلين
نحو 117 ألف مكان فى رياض الأطفال
مقابل نحو 152 ألف طفل لمن هم تحت 6 سنوات
أما الذين تحت 3 سنوات فإن الأماكن المتوافرة
لا تستوعب منهم سوى 43٪ من أطفال المدينة
وبسبب من ذلك يوضع عشرات الأطفال كل عام على قوائم الانتظار حتى تتوافر لهم
الأماكن فى الحضانات
أو فى المدارس الابتدائية
ولأن الرئيس الألمانى خارج مكتبه مواطن عادي شأنه شأن غيره من خلق الله ، فإنه عجز
عن إلحاق طفله بحضانة الحي الذى يقيم فيه ، وحين تحدث عن هذا الموضوع إلى وسائل
الإعلام فإنه ذكر أن منصبه يحظى باحترام كبير حقا
لكن ذلك لا يعنى أن يغير من نمط حياته هو وعائلته
أو أن يعاملوا معاملة خاصة تميزهم عن غيرهم من المواطنين
الطريف أن وسائل الإعلام الألمانية حين اهتمت بالخبر وأبرزته فإنها لم تركز على عجز
الرئيس عن إلحاق ابنه بالحضانة واعتبرت ذلك أمرا عاديا لا يثير الانتباه ، ولكنها
اعتنت بالأمر بحسبانه دليلا على وجود أزمة نقص فى الحضانات بالعاصمة
إن رئيس جمهورية الاتحاد الروسي الصغيرة لم يجد
في منصب الرئاسة ما يغريه بالاستمرار فيه حتى آخر نفس
وأدرك أن رئاسته لاتحاد الشطرنج توفر له متعة لا يجدها
وهو رئيس ، فانحاز وراء حسّه الإنساني
معرضا عن أبهة السلطة وهيلمانها
أما الرئيس الألماني فلم ينس أنه فى الأصل مواطن
كل الذي حدث له أنه حين انتخب انتقل من هانوفر إلى برلين فى حين أن الرؤساء الذين
نعرفهم ما إن يقبض الواحد منهم على منصبه حتى ينتقل من مصاف البشر إلى مصاف غير
البشر
ولذلك كان طبيعيا أن يعجز المستشار الألماني
عن حجز مكان لابنه فى الحضانة