اللغة العربية - بين القواعد والإبداع والامتحان
اللغة العربية
بين القواعد والإبداع والامتحان
فوزي ناصر *
قال لي محدثي أنه يعرف أن هذه الكلمة في هذه الجملة يجب أن تكون منصوبة، لكنه لا يعرف لماذا وما التسمية التي أطلقها عليها النحويون. سألته وهو الكاتب المتمرس ان كان يعرف ما المفعول المطلق وما المفعول لاجله ومن المنقوص وغير ذلك، فأجاب بأن هذه التسميات طلاسم، لم يسمع بها من قبل، اذ لم تسمح له ظروفه أن يتعلم قواعد اللغة العربية كما يجب، فهو يكتب (على السليقة)، كما قال، ويعرف في أغلب الأحيان الشكل الصحيح للكلمة.
من سعة اطلاعه على الأدب وكثرة قراءته للكتب أصبح في مخزونه صور وتركيبات لغوية ترشده إلى كتابة ما هو صواب، فهو يحفظ من خلال قراءاته (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) وصار يعرف أن كلمة (راعي) وكل الكلمات المشابهة تكتب مع تنوين الكسر في مثل هذا الموقع، وهو يحفظ عن ظهر قلب قول السيد المسيح لوالدته في قانا الجليل (لم تأتِ ساعتي بعد) وهو يعرف أن الفعل الذي آخره ياء تحذف ياؤه بعد لم دون أن يعرف ما تعريف (لم) وما تعريف الفعل!
قلت له مرة ان قواعد اللغة العربية ضرورة للكتابة الصحيحة والقراءة الصحيحة والفهم الصحيح، لكن صقل موهبة الكتابة بالقراءة المتواصلة حل لمشكلة جهل القواعد، فلن يسأله أحد عن اعراب هذه الكلمة أو تلك، فالقارئ يقرأ ويفهم... ولا تخدش معرفته أخطاء نحوية... وهذا يكفي.
ولا يفهمن أحد أنني ادعو إلى عدم المعرفة أو اساوي بين المعرفة وعدمها، لكني لا اقبل أن يكون الكاتب المتميز بلغته الصحيحة وقلة أخطائه مجرمًا لأنه لا يعرف المستثنى والمصدر المؤول، سيبقى مثل هذا الكاتب كاتبًا مبدعًا رغم علاقته الضعيفة مع سيبويه/ لم يسأل أحد نجيب محفوظ أو حنا مينا أو يوسف ادريس لماذا ينصب هذا الاسم أو يرفع ذاك، بل قرأوا ودهشوا مما انتجه هؤلاء الكبار.
لا شك أن المعرفة تقي من الخطأ، ومن يعرف يكون اقل عرضة للخطأ، لكن، ماذا يفعل الكاتب في عقده الخامس أو السادس، لم تسمح له ظروفه في صباه أن يتعلم قواعد العربية، ويملك من الموهبة ما يجعله كاتبًا كبيرًا متميزًا؟! هل يضع موهبته على الرف في انتظار الفرج من الغيب؟!!
هل نلغي عبقرية حنا مينا لأنه لا يعرف الكسائي أو سيبويه عن قرب؟ هل تسقط عن محمود درويش صفة الشاعر المبدع الخلاق لأنه لم يحفظ في حياته ألفية ابن مالك؟!
من هنا لا بد من الاشارة إلى امتحان اللغة العربية الذي فرض على المعلمين العرب الجدد والذي أثار ضجيجًا في الشارع العربي وفي أروقة المسؤولين الذين طالبوا بإلغائه أو على الاقل اعطاء مهلة للمعلمين للاستعداد له.
أعتقد أن قمة الانصاف والصواب أن يلزم المعلمون بمعرفة لغتهم، وقد تتفاوت المعرفة بين معلمي اللغة العربية ومعلمي الفيزياء والتاريخ، فالمطلوب من معلم اللغة العربية أن يعرف القواعد معرفة واسعة وهذا ليس ضروريًا في ابداع وتألق معلم الجغرافيا مثلاً، وماذا يهمني لو عرف معلم علم الاجتماع أو لم يعرف أن شبه الجملة من الجار والمجرور في محل رفع خبر متقدم؟!! ألا يكفي أنه يفهم ما يقرأ ويقول أو يكتب ما يُفهم؟!
من هنا أرى أنه يجب أن يحوي امتحان اللغة العربية (الضرورية) للمعلمين الجدد ثلاث نقاط، أن يقرأ المعلم نصًا ويحلله، وأن يقوم بشكل نص ويكتب موضوعًا انشائيًا تفحص من خلاله قدرته على الكتابة والتعبير الصحيح، يضاف إلى هذه الأمور الثلاثة امتحان للنحو وقواعد العربية لمعلمي اللغة فقط!!
* كاتب ومرشد سياحي في معالم الوطن الفلسطين