كان بصيراً .. وكان أعمى
كان بصيراً .. وكان أعمى !
أ.د. حلمي محمد القاعود
[email protected]
يمثل التمرد الطائفي الذي جرى في الإسكندرية ذروة العنف على الأرض والفكر ، فقد كاد
يُشعل ناراً حامية ، لا يقتصر أوارها على مدينة واحدة ، ولكنه أوشك أن يمتد إلى عمق
الوطن ، ليصطلي جميع الناس بآثاره ، التي تأكل الأخضر واليابس حيث لن ينجو منها أحد
، ولن يكسب منها إلا سادة المتمردين من طغاة العالم المستعمرين المتوحشين الذين لا
يعبأون بقيمة ولا دين ولا قانون ، ولكنهم يحرصون على مصالحهم ومنافعهم ، ولو جاءت
على أشلاء البشر ومن بينهم من ظنوا أنهم في معيتهم ، وحمايتهم ، ورعايتهم !
يوضح تقرير المنظمة المصرية لحقوق الإنسان ، وهى ليست موالية للإسلام أو المسلمين ،
في 11/6/2005 م طبيعة أحداث الإسكندرية بعد الإشارة إلى حوادث سابقة مثل الكُشح
الأولى والكُشح الثانية وأبى قرقاص والراهب المشلوح ، وإسلام زوجة الكاهن ( وفاء
قُسطنطين ) وصولاً إلى أحداث الإسكندرية .
تبدأ الأحداث في صيف 2003م حيث قدم كورال كنيسة مارى جرجس الأرثوذكسية بشارع محرم
بك مسرحية بعنوان " كنت أعمى والآن أبصر " وتتناول شخصية شاب نصراني تحول إلى
الإسلام ، ثم عاد إلى النصرانية مرة أخرى ، وتم تصوير المسرحية بكاميرا فيديو في
إطار توثيق الأعمال التي قدمها كورال الكنيسة .
في جامعة القاهرة خريف 2005 ( أول رمضان ) قام بعض الشباب بتوزيع اسطوانات (
CD
) بغلاف كُتب عليه هدية رمضان ، واعتقد الشباب أنه إمساكية رمضان الكريم أو شيء
يتعلق بهذا الشهر ، بيد أنهم فوجئوا بأن الأسطوانات مسجل عليها مسرحية " كنت أعمى
والآن أبصر " داخل غرف الشات على الإنترنت . يُخبر شباب الجامعة بعضهم حول
الأسطوانات ومحتواها الذي يحمل إهانة للدين الإسلامي والنبي - صلى الله عليه وسلم .
ثم وصلت نسخ من الأسطوانات إلى جامعة المنصورة ، ونشرت جريدتان مستقلتان نص
المسرحية ، وقام بعض الشباب بتصوير الصفحات المنشورة بالجريدتين وتحوى نص المسرحية
، وتم توزيعها على نطاق واسع من الشباب .
في مسجد أولاد الشيخ بمحرم بك بالإسكندرية مساء الجمعة 14 /10 /2005م ، فرغ الإمام
من صلاة التراويح ، وخرج المصلون متجهين نحو كنيسة " مارى جرجس " حيث لا يفصلها عن
مسجد أولاد الشيخ إلا شارع ضيق عرضه عشرة أمتار .
من أجل حمايتها ؛ حاصر الأمن الكنيسة التي أغلقت أبوابها . وبدأ المصلون في التظاهر
وانضم إليهم العديد من المواطنين حتى وصل عددهم إلى أكثر من خمسة آلاف ، وردد
المتظاهرون هتافات تطالب بمحاسبة المسئولين عن عرض المسرحية المسيئة وتقديم
الاعتذار اللائق .
تدخل إمام مسجد أولاد الشيخ وحاول تهدئة المتظاهرين ، كما تدخلت شخصيات غير رسمية
لإقناع المتظاهرين بفض التظاهر على أن تتم محاسبة من تثبت مسئوليتهم عن المسرحية
المسيئة .. وقد وافق المتظاهرون على الانصراف ، والعودة إلى التظاهر مرة أخرى إذا
لم يتم اتخاذ الإجراءات المناسبة للتحقيق ، وذلك يوم الجمعة 21/5/2005م .
لم يحدث تحقيق ، بل إن مفتى الديار المصرية صرّح بأنه لا توجد أسطوانة تُسيء إلى
الإسلام ! وذلك بعد حفل إفطار شارك فيه شيخ الأزهر والأنبا شنودة وبعض القيادات
السياسية .
في 19/10/2005م اندفع شاب (18 سنة ) وطعن راهبة ( 40 سنة ) من دير القديسة دميانة
لدى وقوفها أمام كنيسة مار جرجس بمحرم بك ، وفى أثناء هروبه أصاب " كمال إلياس "
المحامى ( 61 عاما ) وكان بالقرب منه ، وقد تمكنت قوات الأمن من القبض عليه
وإحالته إلى النيابة وأشار المتهم إلى أنه تأثر بما نُشر عن المسرحية المسيئة
للإسلام ، وفى يوم الجمعة 21 / 10 / 2005م تحولت محطة مصر ومسجد أولاد الشيخ وكنيسة
مارجرجس إلى ثكنة عسكرية ، ومنع المصلون من الوصول إلى مسجد أولاد الشيخ مما أدى
إلى استفزازهم ودفعهم إلى التظاهر أمام الكنيسة عقب صلاة الجمعة ، وترديد هتافات
تطالب باعتذار الكنيسة ، ورفعوا لافتات تطالب بمحاكمة المسئولين عن إنتاج تلك
المسرحية المسيئة . وحال الأمن دون اقتحام الكنيسة ، وأطلق مئات القنابل المسيلة
للدموع والرصاص المطاطي مما أدى إلى اشتباكات بين الشرطة والمتظاهرين استمرت أكثر
من أربع ساعات متصلة وتكرر التظاهر بعد صلاة التراويح وأسفرت الاشتباكات مع الأمن
عن قتل ثلاثة مواطنين وإصابة العشرات .
امتدت التظاهرات والاشتباكات إلى الشوارع الفرعية بمحرم بك ، واستمرت في اليوم
التالي السبت 22/10/2005م ، وتحطمت محلات وسيارات ، وكانت هناك محاولة لاقتحام
الكنيسة الإنجيلية بمنطقة غبريال .
وقامت الشرطة بالقبض على أكثر من مائة متظاهر تمت إحالتهم لنيابة شرق ووجهت لهم
اتهامات عديدة ، منها : تعطيل المواصلات العامة ، مقاومة السلطات ، التجمهر والشغب
، الاعتداء على الأموال العامة والممتلكات الخاصة ، وتم حبس المتهمين 15 يوما على
ذمة التحقيق .
هذا ملخص شديد للأحداث التي سبّبتها أسطوانة المسرحية المسيئة للإسلام ونبيه صلى
الله عليه وسلم ، من خلال شخصية الشاب النصراني الذي أسلم وارتد إلى النصرانية
ثانية .
لقد جرحت المسرحية مشاعر الأغلبية الساحقة ، وكانت عدواناً صريحاً على السلم
الاجتماعي واستفزازاً صارخاً لعواطف الجماهير بتوزيع الأسطوانة في غلاف مخادع (
هدية رمضان الكريمة ) بأعداد كبيرة رغبة في نشرها على نطاق واسع .
وعندما احتج الناس على الإهانة التي لحقت بهم جراء التمرد الطائفي القبيح الذي لم
يعبأ بالعواطف ولا المشاعر ولا العواقب ، لم تقم السلطة بالتحقيق في الأمر لأنها
حريصة على استرضاء التمرّد الطائفي ومداراته وكسب رضاه ، ليرضى حماته الذين يستقوى
بهم في الخارج . وفى الوقت ذاته لم تقم الكنيسة – على فرض حسن النوايا – بتقديم
اعتذار إلى عامة الناس الذين استفزتهم الإساءة إلى دينهم ونبيهم - صلى الله عليه
وسلم – بل إن البيانات التي صدرت عن بعض الجهات الكنسية ، اتسمت بالاستعلاء
والغطرسة والإحساس بتضخم الذات الطائفية ، في ظل المناخ الموالى لها داخلياً
وخارجياً ، للدرجة التي وصلت فيها وقاحة بعضهم بأن المسرحية تحارب الإرهاب والمفروض
أن يُشكروا على هذا العمل !
إن إحساس الأغلبية الساحقة بالمهانة والاحتقار من جانب أقلية الأقلية التي تقود
التمرّد الطائفي كفيل بإنتاج متاعب لا حصر لها ، لن تفلت منها الأقلية فضلاً عن
الأغلبية ، وهو ما يسبب خسارة للوطن ، تضعف بنيانه الاجتماعي والحضاري ، وتدخل به
إلى مجاهل الضياع ، وساعتها لن يبصر الأعمى ، بل سيكون العمى هو ما يتبقى له
وللظالمين كافة.
با أنصار حرية التعبير ؟!
في معرض الكتاب الدولي – الدورة 26 - بتونس الخضراء ، قامت السلطات بمصادرة آلاف
الكتب الإسلامية ؛ التي سمتها كتبا " ظلامية " ( هل يشرح لنا أحد المقصود بالكتب
الظلامية ؟)، وقال مدير المعرض أبو بكر بن فرج " إنه لا يمكن لمعرض تونس الدولي
للكتاب أن يقبل تحت أي ظرف (؟!) مشاركة أعمال تنشر خطابات أيديولوجية ظلامية تتعارض
مع القيم الأساسية للمجتمع التونسي !"وأضاف المذكور أنه " ليس لدينا مشاكل مع
الكتاب الديني ( لعله يقصد الكتاب الديني غير الإسلامي لأنه لا يستطيع هو ولا من
فوقه أن يقتربوا منه ) لأن تونس دولة الإسلام وصورته الحقيقية !!" ( صحف
27/4/2008م) ..
ونحن نسأل السادة بتوع التنوير وحرية التعبير ما رأيهم في حكاية الكتب الظلامية
هذه؟ وهم يتنادون ويعلنون الحرب العالمية إذا اعترض أحد ، مجرد اعتراض ، على كلام
سخيف ساقط لأحدهم من عينة " تزغيط البط " الذي يسيء إلى الذات الإلهية ؟
ليتهم يتكلمون..!