اللعب والمسجد والكنيسة

ياسر ايوب

هذا كتاب مهم وضرورى جدا رغم أنه ليس مصحوبا بصخب وضجيج وأضواء يجيد البعض ترويضها أو اختراعها أو اصطيادها.. الكتاب عنوانه «جووون فى ملعب التعصب».. وصاحبه هو نور قلدس.. وقضيته هى الأقباط والرياضة.. ولا تأتى أهمية الكتاب أو ضرورته من حصر تاريخى لمشاركة أقباط مصر فى انتصاراتها الرياضية على صعيد المنتخبات أو الأندية.. وإنما لأن صاحبه قرر أن يرسى مبدأ أصبحنا نفتقده كثيرا فى بلادنا اليوم.. مبدأ الحوار وطرح الأفكار واستعراض القضايا بهدوء واحترام للآخر ودون غباء وتطرف وتشنج وصرخات جوفاء واتهامات مطلقة غير قابلة للنقاش والمراجعة..

نور صحفى قبطى فى جريدة «وطنى».. وقرر أن يلتفت حوله وينظر وراءه وأمامه بحثا عن إجابات لكثير من الأسئلة.. منها لماذا يغيب الأقباط غالبا عن ملاعب الرياضة وساحاتها.. لماذا لا يضم منتخب مصر للكرة لاعبا قبطيا بعد هانى رمزى المعتزل منذ سنين طويلة.. من هو المسؤول عن ذلك وكيف يمكن علاج ذلك؟.. وكان باستطاعة نور أن يخاطب الأقباط وحدهم فى كتابه الجديد صارخا: إنه اضطهاد المسلمين الذين يطردون أولادنا من الملاعب والساحات.. إنه التعصب الإسلامى ضد كل ما هو قبطى فى مصر..

ولو فعل نور ذلك كان سيجد تصفيقا من أقباط متعصبين ومتطرفين يحملونه فوق رؤوسهم، وكان سيجد دعاية وهجوما من مسلمين متعصبين سيشتمونه هو والكتاب.. وبالتأكيد كانت ستحتفى به أكثر من جهة خارجية وتتخذ من هذا الكتاب ورقة جديدة ومهمة تضعها فى ملف وهمى عنوانه اضطهاد الأقباط فى مصر.. لكن نور قرر أن يبحث عن الحقيقة سواء عند المسلمين أو الأقباط على حد سواء.. فهو على سبيل المثال رصد حالات واقعية لمواهب رياضية قبطية تم استبعادها فقط لمجرد أنها قبطية مثل جوزيف ميشيل الذى استبعده أحدهم من فرق ناشئى الأهلى بسبب ديانته..

لكن نور توقف أيضا عند ناديين يلعبان فى الدورى الممتاز للكرة.. الجونة ووادى دجلة.. الناديان يملكهما قبطيان.. الأول سميح ساويرس والثانى ماجد سامى.. ورغم ذلك ليس هناك لاعب قبطى فى الفريق الأول لا فى الجونة ولا فى وادى دجلة.. وفى كل فرق الناديين للمراحل السنية المختلفة نجد لاعبا واحدا فقط فى الجونة هو أبنود مرجان ولاعباً واحداً أيضا فى وادى دجلة هو شادى عهدى.. فهل سميح ساويرس وماجد سامى يضطهدان الأقباط أيضا؟!..

ويخلص نور بعد بحث طويل ودقيق إلى أن المشكلة تبقى فى المقام الأول هى عزوف الأقباط، فى معظمهم، عن المشاركة الحقيقية.. وغير ذلك يحفل الكتاب الصغير بحكايات وقصص ودلالات عميقة جادة أحيانا وساخرة أحيانا أخرى.. فنور على سبيل المثال يتوقف عند إسحق حلمى، أول سباح مصرى يعبر المانش وأحد أهم وأشهر السباحين فى تاريخ مصر، وفريد سميكة عملاق الغطس صاحب الميداليتين فى دورة ١٩٢٨ الأوليمبية وبطل العالم أيضا..

... ومن المؤكد أن نور قلدس، بهذا الكتاب، فتح بابا مشروعا وضروريا لحوار هادئ بعيدا عن أى صخب أو تعصب.. وأنا أشكره كثيرا وجدا على كل هذا الجهد والنبل والرقى.