الآباء والإجازة
د. محمد عبد القادر الشواف
[email protected]
لا
شكَّ أنَّ بداية الامتحانات واقترابَ الإِجازة الصَّيْفية، مِن المحطَّات المهمَّة
في حياة كلِّ أُسْرة؛ حيث يَترافق استعدادُ الأبناء للاختبارات مع ترتيبات
الوالِدَين لمشروع قضاء الإجازة.
ومع
مَشاهد الامتحانات ورَهْبتها، وغَمرة الاستعداد للسَّفَر هنا وهناك - تستَوْقفنا
صُور تستحِقُّ التأمُّل؛ لأنَّها تمَسُّ بِنْية الأُسْرة، وتعبِّر عن مدى انسجامها
واستقرارها.
وفي
الوقت الذي نجد فيه أسْراب الأُسَر - بأطفالها وجوِّها المفْعَم بالتَّواؤُم
والحنان - تنطلق لتَجُوب أنحاء الوطن الإسلامي، أو تتعرَّف على بلد جديد، نجد
نماذِجَ أخرى مِن الأُسر لم تَنْعم بهذا الجوِّ الأُسَري الجميل، أو أخطأَت
التصرُّف فلم تَأخذ بالأسباب المُعِينة على تحقيق الاستفادة من أوقات الفراغ
والإجازة.
ولعلَّ مِن أهمِّ الصُّور التي تستحِقُّ التأمُّلَ بهذه المناسَبة:
1-
أُسرةً تتعجَّلُ السَّفر كلَّ عام؛ لتزور بلدًا أجنبيًّا، بحجة التعرُّف على بلاد
الله والسياحة في الأرض، ثم نكتشف أنَّ هذه الأُسرة لا تعرف شيئًا عن رُبوع وطَنِها
الذي يزوره الأوربِّيُّون أنفسهم؛ ليتعرفوا على آثاره العريقة، ويستمتعوا بزيارة
مَتاحفه وحدائقه وأرجائه.
2-
رجلاً يُغادر مع أصدقائه إلى الخارج، تاركًا زوجتَه وأولادَه دون تفكير بعواقب ما
يقْدم عليه، وعندما تعاتبه يَنتفض في وجهِك قائلاً: لقد تركتُ لأسرتي كلَّ ما
يحتاجون، مع خادمتين وسائق، ويُمكنهم أن يَذهبوا حيث يُريدون، عجبًا!
فهل
تَسعد الأسرة ورَأسُها بعيد عنها؟ ثم أين عاطفة الأُبوَّة التي يَحتاجها الأولاد
كحاجتهم إلى الأُكسجين؟ وأين الأداء لواجب الرعيَّة على أكمل وجه؟
3-
وكم آلَمتْني صورةُ رجلِ الأعمال "المتحضِّر" الذي سافر إلى دولة أجنبيَّة بحجة
العمل والمشاغل، ثم سافرت أسرته إلى البلَدِ نفْسه، وانتهَت الإجازة، وعادوا للوطن
دُون أن يَرى الأَبُ أسرتَه.
وهناك صور أخرى كثيرة، وهي - في غالبها - محصورة في طبقات معيَّنة، لا تشمل عامةَ
الناس، فلا حاجة للتوقُّف عندها.
وأنا هنا لا أريد أن ألْقِي باللَّوم على الآباء وحْدهم؛ وإنما خصصْتُهم بالذِّكْر
لأنَّ الرجل هو القوام، وهو المسؤول أَمام الله عن أسْرته، تشاركه المرأة بالرأي
والمَشورة وحُسن الأداء، وأحيانًا نستطيع أن نَضعها في قفص الاتِّهام عندما تكون هي
السببَ في سُوء تصرُّف الزوج، فتُصِر على العمل دون وُجود مبرِّراته، أو تنشغل عن
العناية ببيتها مما يَصْرف ذِهن زوجها عنها وعن البيت، ويُسْهم في إضعاف الروابط
الأسرية.
وكم
من زوجة استطاعت بذكائها وحكمتها وصبرها - أن تأخذ بيد زوجها إلى جادَّة الصَّواب!
فأنقذَتْ بذلك بِناء الأسرة من التصدُّع والانهيار.
فهل
مِن عودة حميدة راشدة من الآباء والأمهات؟ ووُقوفٍ صادق مع النَّفْس من أجْل فلذَات
الأكباد ومستقبلهم، والعمل لما فيه سعادتهم؟
الأمل بكم بعد الله كبير.