أيّ حوار تريد يا عزيزنا الدكتور

ماجد زاهد الشيباني

أيّ حوار تريد يا عزيزنا الدكتور!؟

(إلى الدكتور س .. الداعي إلى الحوار)

ماجد زاهد الشيباني

مرحباً بك ،عزيزنا الدكتور.. محاوراً ، ومناظراً ، ومجادلاً ، ومناقشاً .. وإن أحببتَ : مفكراً ومنظراً ..! فالحوار هو الوسيلة الأولى ، التي يتفاهم بها عقلاء البشر، حول أيّ شأن ماديّ ، أو معنويّ ، من شؤون حياتهم !

 لكن .. مالحوار الذي تريده ، ياعزيزنا !؟

 ماموضوعه تحديداً !؟ وما مستويات المتحاورين فيه !؟ وما الهدف منه !؟ وما آليّاته!؟

نرجو ألاّ تؤاخذنا ، إذا أكثرنا من الأسئلة .. لأن الأمر يستدعي ذلك ، بقوّة !

 إن صفحات المجلاّت والجرائد والإنترنت.. ملأى بالحوارات ، من شتّى الأصناف والألوان.. ومن كل مستوى يخطر في بالك أو لايخطر.. وفي سائر الموضوعات ، وفي مقدمّتها الموضوعات السياسية .. وبين سائر التيارات السياسية والفكرية والثقافية !

 وإن أجهزة الإذاعة وشاشات التلفزة ، مفعمة بالحوارات ، كذلك ، من شتّى الأنواع والأصناف والألوان ..!

 وإن الصالات والمقاهي تعجّ ، كذلك ، بأنواع الحوارات ، وأنواع المتحاورين ، من كل جنس ولون ..!

  وإن أطراف المعارضة السورية ، تحديداً ، لاهمَّ لها ، ولا عمل لديها ، سوى الحوارات المتواصلة ، في كل حقل من حقول الحوار، وفي كل وعاء من أوعيته ، وفي كل وسيلة من وسائل نقله وبثّه ونشره وتسويقه وترويجه ..!

 فما النتيحة حتى الآن .. ياعزيزنا الدكتور !؟

ادخل إلى أيّ موقع من مواقع المعارضة السورية ، القومية ، والعلمانية ، والليبرالية .. لتعرف النتيجة ، إذا لم تكن قد عرفتها بعد !

 اقرأ مايكتبه أكثر العلمانيين ، بسائر توجّهاتهم .. وجلّ مايكتبه اليساريون ، والقوميون ، والليبراليون القدماء والجدد .. في مواقعهم ، لتعرف :

·  جدوى الحوار في ردم الفجوات بين هؤلاء وبين الإسلاميين ! (ونؤكد على أن المقصود ، هنا ،  شرائح معيّنة من الأصناف المذكورة .. لا كلّها ! فلبعضها مواقف مشرّفة من حيث الوعي السياسي والسمو الخلقي ! وهؤلاء معروفون من خلال مواقفهم المعلنة ، وتصريحاتهم في وسائل الإعلام .. وقد عرفهم شعبنا ، بمواقفهم وأشخاصهم وأسمائهم !)

·  ونظرة الأكثرية الساحقة من هؤلاء ، إلى الإسلاميين ، حلفائهم في مقارعة الاستبداد،  وإلى الإسلام نفسه ، عقيدة الأكثرية من أبناء شعبهم في بلادهم ! ( يروى عن نابليون بونابرت ، حين قدم بحملته إلى مصر، أنه ادّعى اعتناقَه الإسلامَ ، تقرباً من الشعب المصري المسلم ! وروّج بعضُ المصريين إشاعة ، بأن هتلر أسلمَ ، وسمّى نفسه: الحاج محمد هتلر ! وذلك لكسب قلوب الشعب المصري ، إلى جانب ألمانيا ، في حربها ضدّ الإنجليز، الذين كانوا يحتلّون مصر حينذاك ! أمّا بعض أبناء سورية ، من العلمانيين والقوميين ، فيحاربون عقيدة شعبهم جهاراً نهاراً ، باسم حريّة الرأي ! فنِعمَ الساسة ، ونِعمتْ السياسة !) . 

·  وكيف يفهم هؤلاء الحوار، مع الإسلاميين تحديداً ،  وماذا يريدون من ورائه ، من الحركة الإسلامية في سورية !

  ـ هل أقول لك : إن الحوار الناجح الفعّال المجدي ، في نظرهؤلاء ، هو ذلك الذي يخرج الإسلاميين من دينهم ، ويسلخهم من عقيدتهم ، وينسيهم كل ما حفظوه من أسماء مقدّسة ، بدءاً باسم ربّ العالمين ، وانتهاء بأصغر خلُق يشير إلى أن منبعه إسلامي .. مروراً بالأنبياء ، والكتب المقدّسة ، وتاريخ الأمّة الذي صنعه المسلمون بالإسلام ..!؟

ـ هل أقول لك : إن هؤلاء يصرّون على نسف عقيدة شعبهم وهم في المعارضة .. فكيف إذا حكَموا !؟

ـ هل أقول لك: إن هؤلاء يصرّون على محاصرة الإسلاميين في جلودهم ، وعلى محاصرة أفكارهم داخل رؤوسهم ، وعلى محاصرة مشاعرهم الإيمانية داخل صدورهم، وعلى محاصرة كلماتهم ، التي فيها ظلّ من الإيمان ولوكان باهتاً ، داخل حناجرهم.. لأن

 كلمة (الله) تعني (الدين)..!

وكلمة (الدين) تعني فيما تعنيه (التشريع)..!

وكلمة (التشريع) تعني : نظام حكم ، أو قانون عقوبات ، أو قانون أخلاق ..!

وهذه القوانين ، تعني خنق الرفاق مستقبلاً ، إذا افترَضوا أن الإسلاميين قد يشكّلون أكثريّة نيابيّة ، في مجلس نواب منتخب بحريّة ونزاهة !( وهم يرون أن من حقّهم ، وحدَهم ، أن ينشغلوا بهذه الهواجس وأمثالها ! أمّا أن ينشغل الإسلاميون بهواجس مضادّة ، فيما لوتمكّن هؤلاء من استلام السلطة .. فهذا لايجوز، وليس هذا من حقّ الإسلاميين .. حتّى لوكانوا قد عانَوا في ظلال الحكومات العلمانية والقومية ، مالم يعانه أيّ شعب ، في ظلّ أسوأ احتلال ، لأيّ بلد في الدنيا !).

   لذا ، لابدّ من العودة إلى الأساس ، في نظرهؤلاء ، وهي : لفظة (الله) .. وإبعادِها عن أيّ نصّ سياسي ، سواء أكان اتّفاقاً ، أم بياناً ، أم مقالة ، أم محاورة .. وإبقائها للقسَم ، الكاذبِ منه والصادق ! وللدعاء الفردي بين المرء وربّه ، إذا كان الأمر يتعلق بالمسلمين!   أمّا إذا تعلق بغيرهم ، فالصورة تختلف !

 فأيَّ حوار تريد ، ياعزيزنا الدكتور.. يرحمك الله !؟

  حسناً ، اسمح لي أن أتعجّل ، فأطرح وجهة نظري ، حول الحوار المجدي ، قبل أن أسمع جوابك ، فيما لوكنت ستجيب.. !

فأقول :

 إن الحوارـ بمفهومه الاصطلاحي ، الذي يميّزه عن أنواع الكلام الأخرى ، مثل الثرثرة العادية غير الهادفة ، ومثل التعليم من كبير لصغير، ومن عالم لجاهل .. وغير ذلك من أنواع الكلام ـ إنما هو عملية معقّدة ، حين يكون بين شخصين عاديين  ، حول مسألة  من المسائل التي يهتمّ بها الناس عادة ! لأنه يتطلب شروطاً معيّنة ، تجعل منه حواراً حقيقياً منتجاً ..!

ومن أهمّ هذه الشروط :

ـ أن يكون المتحاورون متقاربين في المستوى العقلي والثقافي ..

    ـ أن يكون ثمّة موضوع محدّد واضح الملامح ، في نظر المتحاورين ..

    ـ أن يكون ثمّة هدف واضح من الحوار ، يسعى المتحاورون إلى الوصول إليه ، والاتفاق حوله..

   ـ أن تكون ثمّة أخلاقيات معيّنة ، تحكم سلوك المتحاورين ، تسمّى آداب الحوار..

   ـ أن يكون لدى المتحاورين حرص حقيقي ، على الوصول إلى نتائج محدّدة ، مهما كانت طبيعة الحوار المنعقد ، سواء أكانت عَقدية ، أم فكرية عامّة ، أم اجتماعية ، أم سياسية ، أم أدبية ، أم اقتصادية ، أم فنّية ..

  ـ أن يكون ثمّة حدّ أدنى من الثقة ، بأن كل فريق من المتحاورين ، سيلتزم بنتائج الحوارالتي يتّـفَق عليها .. وإلاّ كان مضيعة للوقت والجهد ، ودخلَ في دائرة العبث .. !

 فالمحاوِرعن نفسه يلتزم بشخصه ، والمحاورعن مجموعة حزبية ، أو قبَـلية، أو فكرية .. تلتزم مجموعته التي يحاور بالنيابة عنها ! وهذه الثقة ، المستندة إلى الأخلاق الكريمة وحدَها،  هي الضمانة الوحيدة للمتحاورين ، في مسائل ليست لها ضمانات ملزِمة ، قانونية أو غير قانونية !

 ولن نستعرض سائر الشروط التي يقتضيها الحوار .. حسبنا ما ذكرناه هنا ، للتدليل على أهمّية العناصر التي هي من مقتضيات المصطلح .. إذا أريد له أن يكون مصطلحاً معبّراً عن معناه حقيقة ، لا مصطلحاً فارغاً من المحتوى ، يملؤه كل شخص، بما يراه مناسباً من الكلام، له ، هو تحديداً ، أو لمجموعته التي ينتمي إليها ، أويحاور نيابة عنها..!

 أقول : هذا ، ياعزيزنا ، ما يقتضيه الحوارالعاديّ البسيط ، بين أناس عاديين !

 ـ فكيف إذا كان الحوار سياسياً ، يقتضي فيما يقتضيه :

(1) معرفة بأمور السياسة ، وأبعادها ، وأسرارها ، وآفاقها الحاضرة ، ومآلاتها الغائبة عن الحواسّ ، التي تتوقّعها الأذهان الثاقبة المتمرّسة !؟

 (2) معرفة بالواقع الراهن ، ومافيه من قوى متشابكة متصارعة على الأرض ، متفاوتة الأوزان ، مختلفة الأنواع .. ومن مصالح متصارعة متباينة متداخلة ، متفاوتة الأحجام .. ومن مآلات الصراعات القائمة ، وتحوّلاتها .. حاضراً ومستقبلاً !

 ـ وكيف يكون الحوار، إذا كان يحمل طوابع مبدئية عَقَدية (أيديولوجية) متداخلة مع المصالح السياسية ، ومع القوى التي تتصارع لتحقيق هذه المصالح !؟

ـ وكيف يكون الحوار، إذا كان بين عناصر معارضة متعارضة ، بعضها يتقاطع مصلحياً ، أو فكرياً ، مع قوى تعارِضُها أطرافُ الحوار كلها .. ظاهرياً ، في أقـلّ تقدير!

 * والمحصّلة ،عزيزَنا ، هي السؤال التالي : هل لديك استعداد ، أنت شخصياً ، للحوار، وفقاً للشروط المذكورة آنفاً ، والالتزام بنتائج الحوار التي يتَّـفَق عليها ؟

    إذا أعلنتَ هذا الاستعداد للالتزام ـ وأنت طالب الحوار ـ فأرجو أن يهيّء الله لك ، محاورينَ أكْفاءً أكفياء ، من الأطراف الأخرى ! وأحسب الأطراف الإسلامية ، من أسرع الناس إلى أيّ حوار مجدٍ ، يهدف إلى خدمة الوطن والشعب .. حتّى لو لم يتمخّض إلاّعن  مواقف فكريّة نظريّة ، إذا عجز المتحاورون عن بناء مواقف عمليّة على الأرض !

·  أنت مدعوّ إلى هذا النوع من الحوار.. إذا لم تَعدّ هذه السطور ـ وهي أقلّ مايمكن قوله في أصول الحوار المجدي ـ نوعاً من المعاجزة ..! أو تَعدّها محاضرة سمجة في أصول الحوار ، التي ترى نفسك أستاذاً فيها .. وتصرف النظر عن دعوتك للحوار من أساسها ، وتعود إلى محاورة نفسك ، أيْ : محاورة المتطابقين معك فكرياً، أو .. أيديولوجيا !

·  أحيّيك مرّة أخرى ، وأشكرك ، و أتمنّى لك التوفيق !