محاولة شيطنة

وتجريم المشاركة السياسية للحركة الإسلامية أو التزهيد فيها

لماذا؟ ولصالح من؟؟؟

جمال زواري أحمد ـ الجزائر

[email protected]

أشرت في الجزء الأول من المقال إلى رجحان مصالح خيار المشاركة السياسية عن مفاسدها بالنسبة للحركة الإسلامية المعاصرة ، كما أشرت إلى أصناف المشككين في جدوى هذا الخيار وأهدافهم، وتحدثت عن نموذج الإخوان المسلمين في مصر وبعض إيجابيات مشاركتهم السياسية والانتخابية.

أما في هذا الجزء فأكمل بقية عناصر الموضوع لتكتمل الصورة النهائية له ، والمتمثلة في الثمار الإيجابية لخيار المشاركة السياسية والجهات المستفيدة من سياسة الكرسي الشاغر التي يريدها البعض للحركة الإسلامية كما بينت أن هذا الخيار هو خيار أغلب مؤسسي الحركة الإسلامية في العصر الحديث.

من الثمار الإيجابية لخيار المشاركة

كذلك لابد أن نشير أن المشاركة النيابية والنقابية وحتى التنفيذية في بعض البلدان من طرف الحركة الإسلامية ، جعلت وتجعل الكثير من الفئات الشريفة والنزيهة والمحبة للخير والتي لاتحمل أحقادا ولا خلفيات فكرية ولا إيديولوجية داخل الأنظمة نفسها تسمع مباشرة من الحركة أو الجماعة ورجالها من دون وسائط ، وتخالطهم وتعايشهم عن قرب ، عوض أن تسمع عنها  أي الحركة  وعن مشروعها وأبنائها من بعيد أو من أفواه وأقلام خصومها وتقاريرهم ، فتصل الصورة إلى هؤلاء مشوهة أو مغلوطة أو ناقصة ، فالاحتكاك المباشر يتيح لهذه الفئات المخلصة تغيير قناعاتها وتصحيح انطباعاتها عن الحركة وأهدافها ومشروعها العام.

لذلك يراد للإخوان ومن خلالهم كل الحركة الإسلامية لأنهم هم روادها ، أن لايستفيدوا من هامش المشاركة السياسية هذا مهما كان ضيقا ، حتى لايوظفوه فيما ذكرناه أعلاه ، ويتم الضغط عليهم بكل الأشكال ورميهم بنيران صديقة وغير صديقة ، لثنيهم عن الاستمرار في خيارهم المشاركاتي الذي أقرته مؤسساتهم الشورية بشكل سيادي ، وحرمانهم من جني ثماره الإيجابية .

أيضا تجدر الإشارة في هذا الشأن كذلك إلى حال الحركة الإسلامية في الأقطار التي لاتتوفر فيها فرصة المشاركة السياسية حتى بالشكل الصوري الديكوري لها ، نرى أن القافلة تسير اتفقنا معها أم اختلفنا ، كان هذا السير سويا أم أعرجا ، دون سماع أي حس للحركة الإسلامية أو صوتها ولو كان خافتا ، أو وضع أي اعتبار لها لدى الرأي العام الوطني أو لدى صانع القرار ، بل يؤسفنا أن نقول أن بعضها قد نسي وأنتزع من القاموس العام ومحي من الذاكرة الشعبية وكأنه غير موجود أصلا ، رغم تاريخه الطويل والحافل في هذه الأقطار فيما سبق.

هو خيار مؤسسي الحركة الإسلامية

كذلك فإن خيار المشاركة مهما كان حجمه أو شكله أو مستواه ، هو الأصل الذي أقره ومارسه عمليا أغلب مؤسسي الحركة الإسلامية منذ الانطلاقة ، بدءا بالإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله الذي ترشح للمجلس النيابي مرتين ، مرورا بالدكتور مصطفى السباعي رحمه الله الذي ترشح هو أيضا ودخل مجلس الشعب وتقلد فيه مسؤوليات ونافح فيه عن هوية سوريا الإسلامية وموقع الإسلام والشريعة في دستورها وكان له صولات وجولات في هذا الشأن لاتنسى، بل أكثر من ذلك شاركت جماعته في الحكومة بوزراء ، وقل نفس الكلام عن عراق الصواف وأردن أبو قورة والخليفة ويمن الزبيري ولبنان يكن ومولوي وجزائر نحناح ومغرب بن كيران وباكستان المودودي وكويت المطوع وتركيا أربكان وأردوغان وغيرها من الأقطار العربية والإسلامية.

فلماذا يراد التخلي عن هذا النهج وزخمه الفاعل على مدار تاريخ الحركة الإسلامية كله؟؟؟

ولصالح من يراد شيطنته وتجريمه أو التزهيد فيه والانتقاص من أهميته والتشكيك في مردوده الإيجابي على الحركة ومشروعها وعلى الشعوب والمجتمعات والأوطان؟؟؟

الجهات المستفيدة من سياسة الكرسي الشاغر

إن المستفيد من ذلك في اعتقادي جهتان لاثالث لهما :

الجهة الأولى: الأنظمة المستبدة المستفردة بالحكم ، والتي لاتريد ولا تحبذ أن يشاركها فيه أحد في أي مستوى من مستوياته التشريعي منها والتنفيذي مهما كان حجم هذه المشاركة ، خاصة الحركة الإسلامية ومعها كل المخلصين ، فتستطيع هذه الأنظمة أن تمرر مشاريع التوريث وغيرها من المشاريع بشكل سلس ودون وجع دماغ ومن غير تشويش أو تنغيص.

كما لاتريد هذه الأنظمة للحركة الإسلامية أن تستفيد من هوامش المشاركة السياسية المتاحة بأي شكل من الأشكال ، وصرف نظرها عنها وإلهائها بعمليات القمع والاعتقالات والتضييق المبرمج ، لإنزال سقف اهتماماتها وحشرها دوما في الزاوية الضيقة لتبقى تتصرف بمنطق الضرورة ، وتيئيسها لتتخلى عن ملف مشاركتها السياسية والانتخابية وإلى الأبد ولا تشغل نفسها حتى بمجرد التفكير فيه ، ومن ناحية ثانية عدم تمكين كوادرها من أن يقدموا تجاربا ناجحة تغري بالمزيد وتعري رجال الأحزاب الحاكمة بمنطق المفهوم بالمخالفة أومنطق بضدها تتميز الأشياء.

فإن ظهرت لهذا النظام أو ذاك مصلحة تصب في رصيده فتح للحركة الإسلامية وغيرها روزنة صغيرة ، وغض الطرف عن جزء يسير محددة نسبته من هذه المشاركة ، ثم يسوقه على أنه منة منه ومزية لابد أن يشكر عليها ، وكأنها ليست حقا متاحا لكل من يحمل صفة المواطنة كائنا من كان.

الجهة الثانية: المستفيدة من ابتعاد الحركة الإسلامية عن المشاركة السياسية والانتخابية ، هي بعض مكونات المعارضة السياسية غير الجادة ، التي تتصور أن وجود الحركة الإسلامية إلى جانبها في ساحة المنافسة الانتخابية ، يقلل من حظوظها  ويضيق من هامش تأثيرها ويقلص حجم نصيبها ، ويغطي عليها ويخسرها في بورصة التدافع السياسي والانتخابي ، لذلك فهي أيضا تريد تغييب الحركة الإسلامية وإيصاد الأبواب في وجهها ، وصرفها عن التواجد في هذا الميدان ، ليخلو لها الجو وتستثمر في غيابها وتملأ الفراغ الذي تتركه .

لذلك جاء خيار المشاركة السياسية للحركة الإسلامية فضيلة بين رذيلتين كما يؤكد الشيخ أبو جرة سلطاني :

 رذيلة الاستبداد والاستفراد بالحكم الرافض لأي شكل من أشكال التداول على السلطة ، بل حتى التواجد في مؤسساتها وهوامشها وجنباتها بأي نسبة من النسب خاصة للحركة الإسلامية.

 ورذيلة المغالبة الرافضة لكل حوار أو تعايش أو تعاون مهما كان شكله ومستواه وحجمه مع الآخر ، العاملة على إلغاء الدولة بحجة معارضة السلطة والخلط الفاضح بين الأمرين، الذي مارسته ولازالت تمارسه بعض الحركات الإسلامية للأسف الشديد.

  لايسعنا في الأخير إلا أن نؤكد صحة وسلامة وصوابية وواقعية ماأكده الخليفة الراشد عثمان رضي الله عنه :(إن الله يزع بالسلطان ، مالايزع بالقرآن)، وإن كان بنصفه أو ثلثه أو ربعه أو حتى جزء من المليون من هذا السلطان ، فإن الله يزع به بقدر النسبة التي يمثلها.