سد النهضة بين التحكيم والتفريط

خليل الجبالي

مستشار بالتحكيم الدولي

[email protected]

نتيجة التقاعس الملحوظ من حكومة الإنقلاب العسكري في أخذ خطوات نحو إسترداد حقوق مصر المسلوبة من نصيبها في المياة الدولية لنهر النيل والتي حدثت نتيجة إنشاء أثيوبيا سد النهضة جعل كثيراً من السياسين يتسائلون "هل يمكن لأى طرف غير الحكومة اللجوء للتحكيم الدولي أو رفع دعوى أمام محكمة العدل الدولية ضد أثيوبيا؟.

ومما لا شك فيه فإنه يجب علي حكومة أي دول إتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية حقوق رعاياها، وذلك إلتزاماً بواجباتها الحكومية من ناحية الحماية الدبلوماسية لمواطنيها وحفظ ممتلكات دولتهم ، ولكن حكومة الإنقلاب العسكري  لم تتخذ أي إجراء قانوني حتي الآن.

وطبقاً للمادة 35 من ميثاق الأمم المتحدة فإنه لا يجوز لغير الحكومات أو المنظمات غير الحكومية المعترف بها دولياً التقدم بأي شكوي للمحكمة الدولية والتي جاء فيها ( يحق لأى دولة عضو أن تخطر الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن أى نزاع تتعرض له من شأنه أن يهدد السلم والأمن الدوليين، ويحق لمجلس الأمن بعد ذلك طبقا للمادة 36 من ميثاق الأمم المتحدة أن يستدعى الدول المتنازعة ويتشاور معها لحل هذا النزاع بالطرق السلمية، وله أن يصدر توصيات للدول المتنازعة بإختيار الوسيلة المثلى لحل النزاع كاللجوء إلى التحكيم الدولى أو محكمة العدل الدولية  وذلك لأن الهدف الأساسى لمجلس الأمن هو الحفاظ على السلم والأمن الدوليين).

فالنزاعات الدولية لابد أن تمثلها الدولة، حيث أن القضية تمثل قضية أمن قومي للدولة المتضررة ، حتي لو كانت علي مستوي الضرر الشخصي للأفراد، فلا يجوز تقديم شكوي إلا من خلال المنظمات الموضحة لاحقاً.

أما بخصوص سد النهضة فهناك إتجاهان قانونيان لإنهاء الأزمة دولياً :

الإتجاه الأول: هو التحكيم الدولي ويتم باتفاق الطرفين بتشكيل لجنة تحكيم يتراضى كل طرف بمحكم دولي ثم يختار المحكمان محكماً ثالثاً لتكتمل لجنة التحكيم ، علي أن يسلم الطرفان المتنازعان إلي ما آلت إليه لجنة التحكيم الدولية المشار إليها.

الإتجاه الثاني:  هي محكمة العدل الدولية وهي الفيصل في مثل هذا النوع من النزاعات وخاصة عندما يختلف الطرفان في جوهر القضية من عدمه.

أعتبرت محكمة العدل الدولية منذ عام 1897من خلال مواثيق الأمم المتحدة ان الشخصية القانونية لاتمنح الا للدول الأعضاء بالأمم المتحدة.

وفي عام 1949  اعترفت محكمة العدل الدولية  بالشخصية القانونية للمنظمات غير الحكومية والتي تتوافر فيها الشروط والأوصاف التي يجب توافرها في المنظمات الدولية كما جاء في اتفاقيات جنيف، ومن ثم يحق لها رفع قضايا دولية علي الدول نتيجة إلحاق أضرار لأفرادها أو موظفيها مثل منظمة الصليب الأحمر،  ومعهد الزراعة الدولي ، وإتحاد الدانوب،  والسلام الأخضر، والصندوق الدولي للطبيعة ، وأصدقاء الأرض وغيرهم.

وقد فوضت الحكومة المصرية وزارة الري كممثل لجهة فنية في مشروع سد النهضة الأثيوبي، ولم تتحرك مصر دولياً في تقديم شكوى للأمم المتحدة أو محكمة العدل الدولية أو طلب إلي أثيوبيا بالتحاكم إلي "التحكيم الدولي" الذي بموجبة يختار الطرفان لجنة التحكيم.

إن هؤلاء الإنقلابيين أقاموا الدنيا في عهد الدكتور مرسي ولم يقعدوها عندما أثيرت قضية سد النهضة علي الرغم أنه صرح أن كل الخيارات للمحافظة علي مياه مصر مفتوحة لديه بما فيها الخيار العسكري .

إن حكومة الإنقلاب العسكري في مصر لم تقدم إلا طلباً للحكومة الأثيوبية بوقف إنشاء سد النهضة بصفة ودية ولكنه قوبل بالرفض.

بل الأدهي والأمر أن السيسي  إلتقى رئيس وزراء أثيوبيا هايلى مريام ديسالين في نيويورك بكل ود وحب دون التطرق إلي قضية سد النهضة.

إن الخبراء القانونيين يروا  أنه على مصر الإسراع في تقديم شكوى في الأمم المتحدة ضد تعنت أثيوبيا وإقامة دعوى في محكمة العدل الدولية لحفظ حقوق مصر في مياه نهر النيل

كما أنه يجب على الدولة المصرية تشكيل لجنة من دبلوماسيين وخبراء قانونيين ومهندسين واستراتيجيين ورجال اقتصاد فى أسرع وقت لبحث خطورة الموقف الحالى بصورة عاجلة، على أن يتم تقديم طلب لمجلس الأمن الدولى لعقد اجتماع طارئ لأن هذا يعتبر اعتداءاً على الدولة المصرية، واتهام أثيوبيا بمحاولة إبادة الشعب المصرى، وإلا فإن التقاعس في أخذ خطوات إيجابية وسريعة يعتبر تفريطاً في الأمن والسلم المصر، وتدميراً للبقعة الزراعية المتبقية، وخللًا واضحاً في تخلي حكومة الإنقلاب عن مسئوليتها تجاه المصريين.